د . ياس خضير البياتي
ضع نقطة على سطر الزمن؛ فالحياة العراقية البسيطة التي كنا نحلم بها قد انتهت، وأصبحت كالوهم؛ فهي السراب بعد الخراب؛ فلا مجال أن نعيش بها، ونتعايش معها، صار أغلى أحلامنا بعدما رأينا الدنيا تسير بالمقلوب أن نرجع صغارًا
صارت الدنيا وصار الناس كالرقم الخطأ، فالهاوية تتسع بين الناس على المحبة والإيثار، والآلام تتعاظم بسبب الحسد، وفقدان القناعة والقبول بالمقسوم. والرؤية عمياء في تَبصُّر الحقيقة وقول الحق
لا بارقة أمل، كما يبدو، وأنت تتجول بين الناس والشوارع والحارات؛ فالماديات أزهقت روح الناس، وشوَّهت الحياة، وسلبت من البشر طاقاتِهم الإيجابية، وجمال قيمهم. الكل يذهب إلى هاوية الوهم؛ لهو ولعب بالأبدان، ولهو بالقلوب، وقتال بسلاح الشر والحقد؛ للاستيلاء على المال الحرام
فوضى في تصدير البذاءات والشتائم والسُباب والتجريح والتهريج، والانفلات في لغة الحوار التي أصبحت سلوكًا عاديًّا ومألوفًا، وفوضى الشوارع القبيحة المليئة بأصوات السيارات، وزعيق الناس المتوترة بضنك العيش، ومخالب العِوَز، وفقدان الأمل
الأسوء، افتقاد السلوك الاجتماعي للرزانة والرقي والتحضُّر؛ حيث طغى السلوك الريفي على حياة البغدنة ، فانتشرت قيم الريف السلبية؛ كالقتل والثأر والمنازعات العشائرية؛ لتأكل ما تبقى من قيم المدينة وعناصرها السلوكية الجميلة. وامتلأت الشوارع بالحيوانات المتجولة؛ السائبة والناقلة والمعدة للذبح، فلا تكاد تصدق أنك في مدينة عريقة مثل بغداد، ولا تصدق أنك تعيش بين أهلك ومدينتك
لقد اكتشفت حقائق عديدة من الحياة الميدانية بعد عودتي للوطن. فالوطن ليس هو المكان فقط؛ ولكنه الكرامة والأمن والأمان؛ حيث يكون المرء في خير وطمأنينة وسلام واحترام، وإحساس بالكرامة. لا الغني مرتاح، ولا الفقير مرتاح في بلدي.هو الإيحاء المخادع للعقل، وانفصام الذات. لذلك قال نجيب محفوظ: وطن المرء ليس مكان ولادته، ولكنه المكان الذي تنتهي فيه كل محاولاته للهروب! . سئل الفيلسوف جان جاك روسو ما الوطن؟ فأجاب: الوطن هو المكان الذي لا يبلغ فيه مُواطِن من الثراء ما يجعله قادرًا على شراء مُواطِن آخر، ولا يبلغ فيه مُواطِن من الفقر ما يجعله مضطرًا أن يبيع نفسه وكرامته
ويبدو أن الزمن الذي يخاف فيه أهلنا عليه من الغربة قد انتهى، وجاء زمنٌ نحن فيه في غربة، ونخاف على أهلنا من الوطن! وكما يقول الإمام علي عليه السلام الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة و أغرب الغرباء من صار غريبًا في وطنه ، كما يرى أبو حيان التوحيدي
عدت إلى الوطن والأهل، لكنني وجدت الوطن غارقًا في وحل مافيات الفساد والسلاح، ووجدت لصوصًا ينتشرون: فيالقَ للنهب، وحثالات وجهلة تتسيَّد المناصب والوظائف، وسرايا عملاء للتخريب والتنصت وبيع الأوطان، وسياسيين يتناحرون للفوز بمال الشعب الفقير وخُمس الله، ومولات ومطاعم لتنمية البطون والجيوب والوجاهات الكاذبة مقابل تنمية الخراب والدموع والجراح والمزابل والمستنقعات
وجدت أهلي يأكلُ بعضهم بعضًا، ويتنابزون بالطوائف والألقاب، وقد ذهبت عنهم المروءات والخير والحسنات، وانتشر بينهم النفاق ونميمة القيل.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من وكالة الحدث العراقية
