الأب الروحي للعصر الرقمي

يعود الفضل لمارشال ماكلوهان Herbert Marshall McLuhan في رسم المعالم الأساسية للتحولات الكبرى التي سيعرفها العصر الرقمي لاحقاً. كان ماكلوهان من الرواد الأوائل في فهم التأثير الحاسم لتكنولوجيا الوسائل الإعلامية، وما تحدثه من تغيير في وعي وسلوك البشر. ولد في كندا سنة 1911 وتوفي سنة 1980. كان سباقاً ببصيرة نبوئية إلى ابتكار العديد من المفاهيم، التي نستعملها اليوم بشكل واسع. مثل العولمة، والقرية العالمية، والوسيلة هي الرسالة، والإعلام الساخن والبارد وغيرها من المفاهيم. أكد ماكلوهان أن وسائط الاتصال التي سيعرفها العصر الرقمي، ستؤدي حتماً إلى توحيد البشر، والعودة بهم إلى المشاركة والتقاسم والتضامن الجماعي.

بل أكثر من ذلك اعتقد أن وسائل الاتصال الحديثة، ستؤدي إلى تغيير نمط الوعي والوجود البشري. كتب مارشال ماكلوهان خلال مسيرته العلمية العديد من الكتب، أشهرها «العروس الميكانيكية» 1951، «مجرة غوتنبورغ» 1962، «فهم وسائط الاتصال» 1964، «الإعلام هو الرسالة» 1967، ثم «الحرب والسلام في القرية العالمية» 1968 ما هو إذن المنظور الجديد الذي يرسمه مارشال ماكلوهان للعصر الرقمي؟ وكيف ستتمكن وسائط الاتصال الجديدة، من تغيير العلاقات الاجتماعية ووعينا بالواقع والعالم؟ مجرة غوتنبورغ الجديدة يقدم مارشال ماكلوهان في كتاب «مجرة غوتنبورغ»، تفسيراً فريداً للحقب التي مرت منها الحضارة الإنسانية، رابطاً إياها بالتغير الحاصل في وسائل التواصل. لقد مرت الحضارة الإنسانية في نظره بأربع مراحل هي كما يلي:

1- العصر الشفاهي: وهو العصر المبكر الذي كان يعتمد على الكلام والصوت المباشر، كما كانت المجتمعات البشرية تعيش في لحمة واحدة، قريبة من بعضها البعض.

2- العصر الكتابي: مع اكتشاف الكتابة في بلاد الرافدين، ستنتقل المجتمعات البشرية من الثقافة الشفوية إلى الثقافة الكتابية، وبالتالي سيبدأ البشر في تدوين المعلومات وتخزينها، مما يضمن استمراريتها في الزمان والمكان.

3- العصر الطباعي: أحدث اكتشاف المطبعة على يد يوهان غوتنبورغ تأثيراً حاسماً، في تعزيز انتشار المعرفة بسهولة، بوساطة طباعة الكتب. لقد غيرت هذه العملية ليس فقط البنية الذهنية للإنسان، بل أيضاً البنية الاجتماعية. لقد كانت القبيلة هي المهيمنة في العصر الشفاهي، بينما عزز ظهور المطبعة الشعور بالفردانية والاستقلال.

4- العصر الإلكتروني: مع ظهور التقنيات الإلكترونية والحاسوبية، سيبرز نمط جديد من الاتصال، يعتمد على الوسائط المتعددة والتفاعلية. كما سيتم تجاوز الطابع التجزيئي، الذي ميز العصر الطباعي، نحو طابع أكثر شمولية وتكاملية. كما سيتنبأ ماكلوهان في هذا الكتاب، بعودة الطابع القبلي ضد الفردانية، التي ميزت العصر الطباعي. وفي خاتمة الكتاب يبدي ماكلوهان تخوفاته من أن يؤدي التركيز المفرط على وسائل الاتصال الحديثة، إلى انفصال الإنسان عن الإدراك الحسي المباشر للعالم نتيجة الإدمان على الشاشات والأجهزة الإلكترونية. لا بد إذن في نظر ماكلوهان من الحفاظ على التوازن المطلوب، بين القدرات الحسية والعقلية، حتى لا يلغي التقدم التكنولوجي البعد الإنساني. باختصار تدل مجرة غوتنبورغ الجديدة، على مجمل التغيرات الحاصلة في النمط الثقافي والاجتماعي، سواء الذي ظهر أو الذي سيظهر لاحقاً نتيجة التقدم التكنولوجي، وبالخصوص الانتشار السريع لوسائل الإعلام الإلكترونية.

الوسيلة هي الرسالة في كتابه السابق الذكر يدافع مارشال ماكلوهان عن أطروحة لافتة للنظر، سرعان ما ستنتشر كي تصبح عبارة عن قاعدة مميزة، لطبيعة العصر الرقمي الذي نعيشه. «إن الوسيلة هي الرسالة» معناها أن وسائط التواصل الجديدة، مثل التليفزيون والراديو والإنترنت، هي في حد ذاتها، كوسائل تترك تأثيرات جذرية على الإنسان، بغض النظر عن المحتوى والمضمون الذي تعرضه. فالوسيلة الإعلامية ليست محايدة، بل هي تشكل الرسالة وتحدد طريقة صياغتها، ومن ثم فهي تؤثر على طريقة تلقيها وفهمنا لها. يقول ماكلوهان:«نحن نشكل أدواتنا وبعد ذلك تشكلنا هذه الأدوات». على سبيل المثال كل وسيلة من وسائل التواصل، تفرض طريقة خاصة في صياغة الرسالة. لا يمكننا أن نتجاوز 280 حرفاً في التويتر، كما أن الإنستغرام والتيك توك يفرضان فيديوهات قصيرة. في هذا السياق كذلك يميز ماكلوهان بين الوسائل الساخنة والباردة.

الأولى هي الوسائل التي تتطلب مشاركة محدودة من المتلقين، نظراً لكونها توفر معلومات متكاملة، مثل الراديو.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الاتحاد الإماراتية

منذ 6 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 33 دقيقة
منذ 9 ساعات
موقع 24 الإخباري منذ 11 ساعة
موقع 24 الإخباري منذ 11 ساعة
موقع 24 الإخباري منذ 3 ساعات
صحيفة الخليج الإماراتية منذ 9 دقائق
موقع 24 الإخباري منذ 5 ساعات
برق الإمارات منذ 6 ساعات
موقع 24 الرياضي منذ ساعة
موقع 24 الإخباري منذ 21 ساعة