سر إفلات روسيا من عقوبات الغاز مخبأ في شقة هندية

في شقة شبه خالية من الأثاث في مدينة مومباي الهندية، حيث تظهر على الجدران رسوم بالأقلام الملونة توحي بأنها منزل عائلي بسيط، تكشف قلة الأثاث المكون من أريكة واحدة، وكرسي بلاستيكي وردي، ودراجة طفل، عن وجود أمر آخر مختلف تماماً: عنصر حيوي في الجهود التي تبذلها روسيا للالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على الطاقة الروسي.

تقع هذه الشقة على مسافة 150 كيلومتراً تقريباً (90 ميلاً) جنوب شرق المدينة. ومنذ يونيو الماضي، أصبح هذا العنوان المقر الرسمي لشركة "أوشن سبيد ستار سوليوشنز" (Ocean Speedstar Solutions)، وهي شركة مُسجلة في مومباي تقدم دعماً أساسياً لأسطول الظل الروسي من ناقلات صادرات الغاز الطبيعي المسال من منشأة رئيسية تقع فوق الدائرة القطبية. وفي بعض الأحيان، تخفي بعض هذه السفن مواقعها بينما تمارس لعبة معقدة مع السلطات الأمريكية.

يعيش في هذه الشقة "نيخيل جانش غورباد"، وهو مصور صحفي ليس لديه أي ارتباط سابق بصناعة الطاقة. يقول إنه تم إقناعه من قبل صديق لتسجيل اسمه وعنوان منزله نيابة عن الشركة، وهو مُسجل كمديرها الوحيد حسب السجل الرسمي الهندي. بموافقته، أصبح دون قصد جزءاً من شبكة معقدة تمتد من دبي إلى الهند والصين، تُستخدم لتشكيل أسطول ناقلات الغاز لنقل الوقود من منشأة "آركتيك إل إن جي 2" (Arctic LNG 2) في روسيا، التي تكلف إنشاؤها 21 مليار دولار.

استراتيجية روسية أثبتت نجاحها

وصف كيل إيكلاند، المدير التنفيذي لشركة "إيكلاند إنرجي" (Eikland Energy)، الذي يعمل في قطاع النفط والغاز منذ أكثر من 30 عاماً، استراتيجية روسيا بأنها تعتمد على "التعقيد، والإرباك، والتمهل"، وأشار إلى أن "الروس ينجحون في بناء شبكة اتصال مكونة من أفراد، ويعثرون على أشخاص تصادفت حاجتهم للمال. لكن روسيا هي من تقوم بكل أعمال تحديد المواعيد، والتخطيط، والبيع النهائي".

تبنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مشروع "آركتيك إل إن جي 2"، الذي بدأ الإنتاج في ديسمبر الماضي، كمشروع وطني استراتيجي. فهو لا يمثل مجرد فرصة لاستعراض تكنولوجيا البلاد فقط، بل يهدف أيضاً إلى إثبات أن التجارة الروسية لن تعرقلها العقوبات الغربية التي فُرضت بعد غزو روسيا أوكرانيا في 2022.

يوضح تحليل "بلومبرغ" لبيانات الشركة وصور الأقمار الصناعية وتتبع السفن مدى الجهود التي تبذلها موسكو لكسب حصة في السوق. وعلى المدى القصير، قد يجلب المشروع بعض الأرباح خلال فترة الحرب، لكن الهدف الأهم للحكومة هو زيادة صادرات الغاز المسال بثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، حيث يُشكل أحد الركائز الأساسية لأي اقتصاد روسي ما بعد الصراع، خصوصاً بعدما خسرت أوروبا التي كانت أكبر مشترٍ للغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب.

في كلمة ألقاها العام الماضي خلال بدء تسليم أول محطة إسالة إلى المنشأة المطلة على المحيط القطبي الشمالي، أكد "بوتين" على أهمية الغاز المسال للاقتصاد، قائلاً إن هذه المشاريع "توفر تأثيراً شاملاً على الاقتصاد كله، وتُمكننا من الحصول على حصة أكبر في السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال وتطوير القطاعات المرتبطة بهذه المشروعات."

منذ غزو أوكرانيا، نجح قطاع النفط الروسي في تشكيل ما يطلق عليه أسطول الظل من مئات السفن لنقل النفط الخاضع للعقوبات، وبلغت القيمة الإجمالية من صادرات روسيا من النفط المنقول بحراً نحو 210 مليارات دولار في نقطة التحميل حتى الآن، وفق بيانات تتبع السفن التي جمعتها "بلومبرغ" وأسعار تصدير النفط الروسي التي توفرها شركة "آرغوس ميديا" (Argus Media).

روسيا تسعى لزيادة حصتها في سوق الغاز المسال

يبدو أن موسكو تتبع الاستراتيجية نفسها مع الغاز المسال. وردت واشنطن سريعاً بفرض عقوبات جديدة، مما زاد من حدة الصراع التجاري بين روسيا والولايات المتحدة، المورد الأول للغاز المسال في العالم. تم فرض عقوبات على مشروع "آركتيك إل إن جي 2" في نوفمبر 2023، قبل أن يبدأ الإنتاج. وقد تم تحذير المشترين من مغبة التعامل مع المشروع لتجنب الوقوع في خرق للعقوبات الأمريكية، كما تم حظر تسليم السفن الخاصة بنقل الغاز في المناطق الجليدية.

بعدما حوصرت روسيا، بدأت تتخذ خطوات يائسة ومنطوية على مخاطر بشكل متزايد في محاولة لمواصلة تدفق الوقود، بل وقدمت تخفيضات كبيرة على الأسعار لإقناع العملاء العازفين عن الشراء، وفق أشخاص مطلعين على الأمر. تحدثت "بلومبرغ" مع أكثر من 20 من تجار الغاز المسال، ومسؤولي شركات، ووسطاء شحن بحري لإعداد هذا المقال، كلهم طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم خلال مناقشتهم مفاوضات خاصة.

ماكسمليان هيس، مؤلف كتاب "الحرب الاقتصادية: أوكرانيا والصراع العالمي بين روسيا والغرب"، لفت إلى أن "بوتين يدرك أن سوق الغاز المسال ستعد السلعة الأولية الأكثر أهمية (في سوق الطاقة) خلال العشرة أعوام إلى الخمسة عشر عاماً المقبلة. ويسعى لأن تضطلع روسيا بدور في هذه السوق".

لدى موسكو طموحات كبيرة لـ"آركتيك إل إن جي 2"، أكبر منشأة للغاز في روسيا، والتي يمكنها في نهاية المطاف إنتاج ما يصل إلى 20 مليون طن من الوقود سنوياً. بدأت عملية البناء الضخمة في 2019، بهدف الاستحواذ على حصة سوقية أكبر في آسيا، حيث يُتوقع أن ينمو الطلب منها بـ40% حتى 2030.

تطمح روسيا في السيطرة على 20% من السوق العالمية بنهاية هذا العقد، مقارنة بحصة 8% فقط في العام الماضي، ما يضعها في منافسة مباشرة مع الموردين الأميركيين الذين يتوقعون زيادة إجمالي صادراتهم من الغاز المسال بمقدار الضعف خلال العقد الجاري. وينظر كلا الطرفين إلى الصين، أكبر دولة مستوردة في العالم، على أنها عميل رئيسي.

روسيا تواصل البحث عن مشترين

بعد انسحاب المهندسين الغربيين في أعقاب غزو أوكرانيا، تعيّن على "نوفاتك" (Novatek)، الشركة الخاصة التي تملك نسبة 60% من الشركة التي تدير "أركتيك إل إن جي 2"، استكمال البناء بينما تحاول التكيف مع العقوبات التجارية، حيث لم يكن تجميد المشروع خياراً مطروحاً.

قال مالت همبرت، مؤسس مجموعة "ذي آركتيك إنستيتيوت" (The Arctic Institute) البحثية، التي يقع مقرها في واشنطن، إن "التخلي عن (آركتيك إل إن جي 2) ليس مجرد وقف أو إرجاء لتنفيذ مشروع. إنه رمز لنهوض روسيا مرة أخرى".

لم تُفرض عقوبات على منشآت الغاز القائمة في البلاد، ومنها "يامال" و"سخالين 2"، حيث يواصل المشروعان عملهما بشكل طبيعي في تسليم الوقود الروسي إلى آسيا وأوروبا، ما ساعد على تجنب حدوث نقص في إمدادات الغاز العالمية.

يبحث مسؤولو الحكومة الروسية حالياً عن أسواق للغاز المسال المنتج في "آركتيك 2"، عبر شبكة من الشركات مُكلفة بمهمة تشكيل أسطول من السفن، وإيجاد مشترين راغبين لبدء شحن الصادرات من المنشأة التي تحاصرها العقوبات، وفق أشخاص مطلعين على الاستراتيجية.

لم يرد المتحدث باسم بوتين على طلب الحصول على تعليق بشأن مشاركة الحكومة في تشكيل أسطول ظل للغاز المسال.

حضر تنفيذيون من "نوفاتك" اجتماعاً في مومباي في فبراير مع شركات الشحن، كما افتتحت الشركة مقراً في الصين لإيجاد عملاء جدد، وفق المطلعين على الأمر. تحاول "نوفاتك" ورئيسها التنفيذي ليونيد ميخلسون التكيف مع العقوبات الأميركية منذ عقد تقريباً، بعد فرضها على الشركة في 2014 رداً على ضم روسيا شبه جزيرة القرم.

لم تتهم واشنطن "نوفاتك" بحد ذاتها بمخالفة العقوبات، لكن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على ذراعها الصينية "نوفاتك تشاينا هولدينغز" (Novatek China Holdings) في أغسطس بسبب تسويق الغاز الذي ينتجه مشروع "آركتيك إل إن جي 2".

أشار إيكلاند إلى أن "العلاقة بين ميخلسون وبوتين وطيدة، ويجتمعان بشكل دوري، وفقاً لما تكشفه الفيديوهات والسجلات الرسمية".

لم ترد إدارة "آركتيك إل إن جي 2"، ولا إدارة "نوفاتك" على طلبات "بلومبرغ" للحصول على تعليق، ونفى بيان صحفي أصدرته "نوفاتك" في 10 سبتمبر مشاركة الشركة في تشكيل أسطول الظل أو إدارته، ووصف تلك التلميحات بأنها "غير صحيحة".

تضليل ومكاتب بلا موظفين

بدأت جهود تشكيل أسطول الظل بشكل جدي في مارس 2024، فاشترت شركة "نور غلوبال شيبينغ" (Nur Global Shipping)، ومقرها في دبي، عدداً من ناقلات الغاز القديمة التي كانت سترسل إلى ساحة الخردة لولا ذلك.

لفتت شركة "نور" انتباه تجار الغاز المسال عندما اشترت عدداً من السفن مقابل أكثر من 50 مليون دولار للواحدة، ما يعد سعراً مرتفعاً غير معتاد مقابل سفن قديمة كهذه، لن تمتثل لأحدث المعايير البيئية، وفق تصريحات تجار ووسطاء شحن بحري، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لأنهم غير مخولين بالتحدث مع وسائل الإعلام.

يقع العنوان الذي تستخدمه "نور" في "فندق ميدان" بمنطقة تجارة حرة في دبي، وسبق أن تعرضت لانتقادات من الولايات المتحدة وبعض المسؤولين المحليين نتيجة افتقارها إلى الشفافية. لم ترد الشركة على طلب الحصول على تعليق، ولم يتواجد أي ممثلين لها في المقر، وهو مساحة عمل مشتركة موجودة في الفندق، عندما زارته "بلومبرغ".

الموقع الإلكتروني لـ"نور" مسجل باسم "ساوث أويل تريدينغ" (South Trading Oil)، وهي شركة مقرها في الإمارات، انتهت رخصتها التجارية في 2022. أما الموقع الإلكتروني لـ"ساوث أويل"، فمسجل باسم شركة أخرى، "كاران إنرجي" (Caran Energy)، التي يقع مقرها في دبي أيضاً، ولم ترد أي من الشركتين على طلبات الحصول على تعليق.

أزالت "كاران" موقعها الإلكتروني بعدما تواصلت معها.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اقتصاد الشرق مع Bloomberg

منذ 24 دقيقة
منذ ساعتين
منذ 23 دقيقة
منذ 39 دقيقة
منذ 5 ساعات
منذ ساعتين
قناة العربية - الأسواق منذ 11 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 3 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 9 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 12 ساعة
مجلة رواد الأعمال منذ 15 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 10 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 15 ساعة
فوربس الشرق الأوسط منذ ساعة