نوبل للسلام تشعل الحروب وغزة تهيمن على الاختيار

إنها الجائزة الأكثر إثارة للجدل والاختلاف والخلاف والاعتراض. ليست جائزة في الكيمياء يمكن فهم أسباب تفوق حسابات للذرات أو تعديل للجزيئات، أو في الطب حيث ابتكارات لعلاجات واكتشافات لأمراض، أو حتى الأدب المعروف باعتماد اختياراته على توجهات النقاد وترشيحات الأدباء. إنها جائزة السلام، لا سيما على ظهر هذا الكوكب، فهو المفهوم الذي قلما يحظى بإجماع أو شبه إجماع، وذلك منذ بدء الخليقة وحتى الحرب الدائرة رحاها في منطقة الشرق الأوسط حالياً.

في مثل هذه الأيام من كل عام، لا ينشط الجدال والخلاف فقط حول اسم وهوية الأسماء أو الجهات المستحقة أو غير المستحقة لجائزة نوبل للسلام، بل يستعر العراك الثقافي والتناطح التاريخي وبالطبع الصراع السياسي حول الجائزة، بدءاً بتناثر الأسماء "السرية" المرشحة لنيل الجائزة عبر منصات الإعلام، مروراً بإعلانها في يوم الاحتفال في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، وانتهاءً بحصول الفائز على الجائزة حيث تجري مراسم العراك على الاسم تزامناً ومراسم الاحتفال.

السلام والديناميت

كل ما يرتبط بجائزة "نوبل للسلام" يرتبط بالحروب الفكرية. منبت الجائزة وأصلها وصاحب فكرتها هو رجل الأعمال السويدي ألفريد نوبل، مخترع الديناميت. والأسماء التي تُطرح للترشيح سراً تفجر الخلافات بتسريب بعضها. وتنصيب هذا أو ذاك حائزاً على جائزة نوبل للسلام هذا العام وكل عام يفجر مفاهيم متنافرة عن الحرب والسلام وما بينهما.

ويتم منح جائزة نوبل للسلام، بحسب وصية ألفريد نوبل الذي خصص كل ثروته تقريباً لتمويل قيمة الجوائز عبر صندوق مخصص لها منذ عام 1901، "لمن بذل قصارى جهده لتعزيز أواصر الإخاء بين الأمم، وتسريح الجيوش أو خفض أعدادها الدائمة، وإنشاء هيئات أو مؤتمرات تروج للسلام".

هذا العام، تفجرت خلافات جائزة السلام بشكل غير مسبوق، فالحرب الدائرة رحاها في الشرق الأوسط والمتمددة شظاياها في أرجاء المنطقة الأكثر سخونة في العالم، في اللحظة التي تم النطق فيها بأسماء عدد من المرشحين.

أونروا على رأس القائمة

أحد الأسماء المرشحة، وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئي فلسطين، أو "أونروا"، وهو اسم ارتبط في عقول الملايين، بتقديم يد العون لملايين الفلسطينيين، في أوقات الحرب و"نصف السلم"، إذ يصعب القول إن اللاجئين الفلسطينيين نعموا بسلام دائم مذ أصبحوا لاجئين. في الوقت نفسه، وافق الكنيست الإسرائيلي بصفة مبدئية في يوليو (تموز) الماضي على تصنيف الوكالة "منظمة إرهابية".

"أونروا" المرشحة لنيل جائزة نوبل للسلام خضعت في الكنيست الإسرائيلي لمشروع عُرف في الإعلام باسم "ثلاثة في واحد"، إذ وافق الكنيست مبدئياً على منع الوكالة من العمل في الأراضي الإسرائيلية، وتجريد موظفيها من الحصانات والامتيازات القانونية التي يتم منحها لموظفي الأمم المتحدة في إسرائيل، وتصنيفها "منظمة إرهابية".

الإرهاب والترشيح

"المنظمة الإرهابية" بين "المرشحين المفضلين" هذا العام، بحسب ما قال مدير معهد أبحاث السلام في العاصمة النروجية أوسلو، هنريك أوردال، لوكالات قبل أيام. وأضاف "هم (أونروا) يقومون بأعمال بالغة الأهمية لمصلحة المدنيين الفلسطينيين الذين يعانون من تداعيات الحرب في غزة".

وبحسب قائمة المرشحين للجائزة والتي تم تحديثها من قبل أوردال مساء يوم الخميس (3 أكتوبر 2024)، فإن الوكالة التي تأسست في عام 1949 لتقديم المساعدة والتعليم والحماية للاجئين الفلسطينيين إلى حين التوصل إلى حل سياسي، يبلغ عدد موظفيها حالياً نحو 30 ألف موظف يقدمون الخدمات الضرورية لما يقرب من ستة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ودول الجوار. ويعتمد جميع سكان غزة تقريباً على الأونروا للحصول على المساعدة الأساسية، بما في ذلك الغذاء والماء.

وأشار أوردال إلى أزمة التمويل الطاحنة التي بدأت الوكالة تواجهها قبل سنوات، والتي تفاقمت بسبب الحرب، وبشكل متزايد بفعل سحب الولايات المتحدة للتمويل المخصص لها في أعقاب "مزاعم" إسرائيل بأن 12 من موظفيها ضالعون في عملية السابع من أكتوبر.

حماس و"أونروا"

وقال أوردال إن الوكالة تعاملت مع تلك المزاعم بشكل جدي، وأجرت تحقيقاً داخلياً ومراجعة خارجية لإجراءاتها، مشيراً إلى أن لدى "أونروا" آليات رقابة واسعة النطاق، ولكن ليس "سياسة انعدام المخاطر". ولذلك، أنهت الوكالة توظيف أفراد من الذين ظهرت مؤشرات ربما تدل على صلتهم بـ "حماس".

وأشار إلى أن عمل "أونروا" بالغ الأهمية لتجنب وقوع كارثة إنسانية في غزة، وأن منحها ومفوضها العام فيليب لازاريني جائزة نوبل للسلام من شأنه أن يبعث برسالة قوية حول دورها في دعم حياة الملايين من النساء والرجال والأطفال الفلسطينيين.

يُشار إلى أن سياسياً نرويجياً أعلن في فبراير (شباط) الماضي، أنه رشح الوكالة للجائزة.

غوتيريش مرشحاً

وبين الأسماء الأخرى المرشحة، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الذي أعلنت إسرائيل قبل ساعات إنه "شخص غير مرغوب فيه". ونقلت وكالات عن أحد مؤرخي جائزة نوبل للسلام، أسل سفين، قوله إن رغبة اللجنة السرية لاختيار فائز يعكس الحاجة إلى ترسيخ قواعد النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، وهي القواعد التي تدعمها الأمم المتحدة ربما تدعم اسم غوتيريش، أو محكمة العدل الدولية.

"العدل الدولية"

وقد ورد اسم "محكمة العدل الدولية" ضمن قائمة أوردال، والتي لا تُعد قائمة نهائية. ويبلغ عدد الأسماء التي وردت لها ترشيحات نحو 286 اسماً.

وقال أوردال عن "محكمة العدل الدولية" إنها تعمل على تعزيز السلام من خلال القانون الدولي، على نحو أشبه بتعزيز مؤتمرات السلام، وهو أحد الإنجازات المشار إليها في وصية ألفريد نوبل، مشيراً إلى أنه في حال رغبت لجنة نوبل في التأكيد على أهمية التعاون متعدد الأطراف من أجل تعزيز السلام، فإن محكمة العدل الدولية ستحصل على الجائزة.

وعلى رغم إقرار أوردال بأن البعض قد يرى منح جائزة نوبل للسلام لمحكمة العدل الدولية أمراً غير مثير للجدل، إلا أن المحكمة تصرفت بجرأة في يناير (كانون الثاني) الماضي، حين أمرت إسرائيل باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إضافة إلى إصدارها أمراً رسمياً لروسيا في مارس (آذار) الماضي بـ "التعليق الفوري للعمليات العسكرية" في أوكرانيا.

وأورد أوردال أسماء مرشحين مستحقين آخرين يعملون على تحقيق السلام عبر القانون الدولي مثل المحكمة الجنائية الدولية، وهيئات إقليمية معنية بحقوق الإنسان.

الانتخابات والسودان

وضمن الأسماء المطروحة ضمن قوائم (غير نهائية) "مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان" الذي يراقب الانتخابات في 57 دولة، لضمان إجرائها في أجواء حرة ونزيهة، "ما يجعلها مرشحاً مناسباً في هذا الوقت بالذات، إذ تستعد أعداد غير مسبوقة من البشر للتوجه إلى صناديق الانتخابات حول العالم، في عام انتخابي تاريخي"، بحسب أوردال. ويقول إن "توجه هذه الملايين للإدلاء بأصواتهم في وقت تتعرض الديمقراطية في أوروبا والعالم لضغوط كثيرة، نتيجة صعود الحركات غير الليبرالية والأنظمة الاستبدادية يجعل المكتب مرشحاً مناسباً".

وجاء اسم "غرف طوارئ الاستجابة في السودان" وهي ضمن المبادرات التي تقدم الدعم العاجل في ظل الصراع المسلح الذي اندلع في السودان في أبريل (نيسان) عام 2023 وتسبب في نزوح ما يزيد على عشرة ملايين شخص، وفرار نحو مليونين آخرين إلى دول مجاورة، وأزمة إنسانية ضمن الأشد في العالم.

واعتبر أوردال المؤسسات التعليمية جزءاً لا يتجزأ من دعم المجتمعات من أحل التسامح والديمقراطية، وهو ما يجعل كلاً من "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" "يونيسكو"، و"مجلس أوروبا" مرشحين مناسبين، وذلك "للتأكيد على أهمية التعددية والتنوع في وجهات النظر لتطوير فهم وقبول المجموعات والمجتمعات المختلفة، والمساهمة في مواجهة الروايات الكاذبة والشوفينية"، بحسب ما كتب أوردال.

الروبوتات والبشر

ولا تخلو قائمة التكهنات من احتمالات غير كلاسيكية وغير معتادة، ومنها مثلاً تحالف المنظمات غير الحكومية "أوقفوا الروبوتات"، والذي يعمل على مواجهة ما يعتبره "خطراً وجودياً على البشرية متمثلاً في أنظمة أسلحة قادرة على العمل بشكل مستقل من دون سيطرة بشرية". وضمن الأسماء المطروحة أيضاً، البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وصانع الأفلام الوثائقية عن الحياة الطبيعية، ديفيد أتينبره.

حفيظة إسرائيل

وبالعودة إلى العالم بشكله الحالي حيث استمرار لعمل أنظمة أسلحة يسيطر عليها البشر وتقتل الآلاف منهم وتشرد الملايين، يُتوقع أن تثير قائمة المرشحين حفيظة وغضب واعتراض إسرائيل، لا سيما أن أغلب الأسماء المرشحة وأوفرها حظاً حازت على ترشحها بسبب عملها الإنساني لتخفيف الأضرار المميتة الناجمة عن تصرفات تل أبيب.

من جهة أخرى، يلوح احتمال أبيض في سماء جائزة نوبل للسلام لهذا العام، الذي يعتبره خبراء حرب وسلام "العام الذي شهد أكبر عدد من الصراعات على مستوى الدول منذ عام 1946". كما أنه من أكثر الأعوام عنفاً منذ نهاية الحرب الباردة، إذ سجل العالم 59 صراعاً.

الاحتمال الأبيض هو حجب تلك الجائزة لتناسب أجواء حجب السلام.

مدير.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 11 ساعة
منذ ساعة
منذ 5 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 11 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 3 ساعات
قناة العربية منذ 9 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 16 ساعة
قناة العربية منذ 12 ساعة
قناة العربية منذ 8 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 7 ساعات
اندبندنت عربية منذ 15 ساعة
قناة العربية منذ 6 ساعات