عبدالله فرج الصقر.. عميد المعلمين وشيخ الرياضيين

لأسباب تتعلق بسني وموقع منزل الوالدين بمدينة الخبر على الساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية، لم أدرس بمدرسة الخبر الأولى (أولى مدارس الخبر الابتدائية الحكومية) وبالتالي لم أتلقَّ التعليم على يد مدرسها (ومن ثمّ مديرها) الأشهر الأستاذ عبدالله الفرج الصقر (أبو حازم)، وإنما انطلق مشواري الدراسي من مدرسة الخبر الثانية (أول مدرسة تبنيها شركة أرامكو لأهالي الخبر)، التي كانت في حالة تنافس شديدة مع «الخبر الأولى» في كل شيء تقريباً وكأنهما ضرتان.

مرت سنوات طويلة كنت أسمع فيها اسم «عبدالله الفرج» يتردد كمدير، يجمع ما بين الطيبة والصرامة، للمدرسة المنافسة لمدرستنا، دون أن أراه. كما كنت أسمع اسمه يتردد على ألسنة بعض أقراني وأصدقائي ممن كانت رياضة كرة القدم تستحوذ على جل اهتماماتهم، وكانوا لهذا السبب يلتقون بأبي حازم في أندية الخبر الرياضية. لكن في نهايات العام الدراسي 1961/ 1962 وجدته مع وكيل مدرسته الأستاذ جبر الدوسري داخل فناء مدرستنا، على رأس مجموعة مختارة من طلبته الأذكياء الذين جاء بهم كي يتباروا معنا ثقافياً على مسرح «مدرسة الخبر الثانية».

في تلك الأمسية التي لن أنساها تمكنت من حسم المسابقة الثقافية لصالح مدرستي، والفوز بكأسها، بعد أن تساوت العلامات، وذلك من خلال الإجابة عن سؤال ترجيحي حول البلد الذي تتبعه مدينة قامشلي. على إثر ذلك، رأيت أبا حازم يتقدم صوبي، وأنا في حالة ارتباك وفزع. والحقيقة أنه لولا ابتسامته الجميلة الكاشفة عن أسنان ناصعة البياض وهو يتجه صوبي لحسبته قادماً لزجري أومعاقبتي وتعنيفي، لا لتهنئتي بالفوز! إذ لم يكن مثل ذلك التصرف الحضاري ــ تباسط المعلمين مع الطلبة ــ سائداً عند مدرسي ذلك الزمن.

ولا أبالغ لو قلت إن نظرتي إلى مديري المدارس، منذ تلك اللحظة، تغيرت بسبب أبي حازم وروحه الطيبة وتواضعه الجم، وإنْ رافقته تساؤلات كثيرة عن الوصفة التربوية التي ينتهجها لترويض طلبة مدرسته الذين كانوا في جلهم الأعظم من المشاغبين والمتنمرين وممن التحقوا بالتعليم في سن متقدمة. وفي اعتقادي أن أبا حازم لقي الأمرّين، في سبيل تحقيق الضبط والربط إبان توليه إدارة مدرسته الحكومية، لكنه نجح وخرج أجيالاً من النجباء الذين تفتخر بهم الخبر والمنطقة الشرقية عموماً.

في مرحلة لاحقة، صرتُ أشاهد أبا حازم مساء كل يوم تقريباً، وهو يمارس رياضة المشي ذهاباً وإياباً كل مساء في شارع الأمير (الملك) خالد التجاري الفخم، برفقة عدد من زملائه المعلمين ممن عُرفوا بارتداء الملابس الإفرنجية بعد الدوام وعشق السفر والتردد على سينما النخيل بمطار الظهران الدولي لمشاهدة أحدث الأفلام الأجنبية مثل الأساتذة عبدالرحيم العربي ومحمد عبدالغفور السيد وعبدالله محمد النافع، وصديقهم المدرس المصري قدري.

انقطعت عني أخبار الرجل لفترة طويلة بسبب سفري إلى الخارج للتحصيل العلمي، لكن صديقاً مشتركاً هو المرحوم الأستاذ عبدالرحمن بن صالح المجحم، كان بحكم عمله مع أبي حازم في قطاعات حكومية تابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، يحدثني عنه باستمرار وينقل لي أخباره العامة والشخصية، مشيداً على الدوام بتفانيه وطيبته ونبله وغيرته على «الخبر».. الأم التي كانت تحتضننا ونستظل بظلها.

في السنوات الأخيرة أُتيحت لي فرصة الالتقاء به مرات عديدة من خلال ديوانية الصديق جمال عبدالمجيد العلي، فوجدته نفس الإنسان الجميل المتواضع طيب السجايا الذي قابلته لأول مرة قبل أكثر من 50 عاماً في مدرستي الابتدائية، فقبلت رأسه احتراماً وتقديراً لمكانته وعطائه ضمن من أنجبتهم «الخبر»، وهو من جانبه تذكرني وأشاد بكتاباتي ودراساتي المنشورة ولاسيما كتابي الموسوم «الخبر.. الله يا وطر مضى».

إن الأستاذ عبدالله الفرج الصقر أمد الله في عمره وأسعده نموذج من الجيل الذهبي الذي أنجبته المنطقة الشرقية، وعلامة مضيئة في جبين الخبر وشرق السعودية، ومن الأسماء التي تعلقت بها القلوب ولم تزل بسبب سجاياها وشمائلها وطيب معدنها.

خصه الأستاذ محمد القشعمي، الذي عرفه عن كثب من خلال عملهما لسنوات في مكاتب رعاية الشباب والرياضة، بمقال في مجلة «اليمامة» السعودية تحت عنوان «رجل من الجيل الذهبي الرياضي» (16/ 2/ 2023)، فوصفه بالإنسان الذي «يمتاز بخفة الدم والروح المرحة والابتسامة الدائمة والاحترام المتبادل والجد في العمل»، وأضاف، أن الفرج «طوال فترة إدارته (مكتب رعاية الشباب بالدمام) كان يحرص على عقد لقاء شهري لجميع رؤساء الأندية؛ للتباحث حول مشاكلها، والنهوض بمستوياتها، وزيادة عدد لعباتها، ومناقشة توفير الدعم اللازم لها، خصوصاً من القطاع الخاص، وعلى رأسها شركة أرامكو، وتبني حفلات التكريم لرؤساء الأندية». ثم استطرد ليقول، إن للفرج بصمات واضحة «فقد لا يعلم الكثيرون أن في مطلع التسعينات الهجرية، عندما كانت مسميات مستويات الفرق إما أندية رياضية أو ريفية، أنه هو من رفع للأمير فيصل بن فهد، عند استلامه رعاية الشباب، مقترحاً بأن تتغير لتكون المسميات لدرجات الدوري درجة ممتازة ودرجة أولى وثانية وإلغاء التسمية السابقة، فأصبحت لاحقاً بالمسمى المقترح منه».

أما فهد الدوس معد الصفحة الرياضية بجريدة «الرياض» فقد كتب بجريدته (17/ 8/ 2019) قائلاً، إن الفرج «يعد رائد الحركة الرياضية في المنطقة الشرقية، وواحداً من أقدم مديري مكاتب رعاية الشباب بالمملكة، بجانب الأستاذ عبدالله كعكي في المنطقة الغربية، والأستاذ إبراهيم الشامي في المنطقة الوسطى».

ولد الفرج بمدينة الجبيل سنة 1936 ابناً لوالده «فرج سعد أبوصقر» الذي كان من رجالات الملك عبدالعزيز وممن حاربوا معه، ثم انتقل إلى المنطقة الشرقية وعمل في خفر السواحل قبل أن يوليه الملك إمارة بلدة «عنك» بالقرب من القطيف.

انفصل والداه، ثم تُوفيت أمه وهو في الرابعة عشرة، فانتقل إلى الخبر ليتربى في كنف خاله سالم مبارك، فعاش بسبب هذه الظروف منعزلاً عن الناس ومنطوياً على نفسه. يقول الفرج في.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة عكاظ

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة عكاظ

منذ ساعتين
منذ 50 دقيقة
منذ 4 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 50 دقيقة
منذ 40 دقيقة
صحيفة عاجل منذ ساعة
صحيفة عكاظ منذ 13 ساعة
صحيفة سبق منذ 5 ساعات
صحيفة سبق منذ 14 ساعة
صحيفة سبق منذ 22 ساعة
صحيفة سبق منذ 3 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ ساعتين
صحيفة الشرق الأوسط منذ 14 ساعة