في ظل التطورات التكنولوجية السريعة التي يشهدها العالم اليوم، أصبح السفر تجربة مختلفة تماماً عمّا كان عليه في السابق؛ فالتكنولوجيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تخطيط الرحلات وتطوير السياحة، إذ بات بالإمكان التعرف على الثقافات المختلفة والتواصل مع المجتمعات من خلال الأدوات الرقمية التي لم تكن متاحة في الماضي ولكن، هل تُعتبر التكنولوجيا إضافة إيجابية تعزز الفهم الثقافي، أم أنها تشكل تهديداً للهوية الثقافية؟
التكنولوجيا تُسهل التخطيط للسفر
أظهرت دراسة حديثة لشركة «Dept» المتخصصة في التكنولوجيا والتسويق، أن التكنولوجيا تلعب دوراً متزايد الأهمية في كيفية تخطيط الأشخاص لرحلاتهم وتجاربهم السياحية، حيث أفاد 71% من المسافرين بأن جودة تجربتهم الرقمية تُعد عاملاً أساسياً عند حجز الرحلات، في حين أبدى 60% استعدادهم لحجز رحلة إذا تمكنوا من تجربتها افتراضياً أولاً.
جين صن، الرئيس التنفيذي لشركة Trip.com، صرحت في حديثها مع CNN الاقتصادية على هامش قمة «Superbridge» بأن التكنولوجيا أصبحت أداةً مهمة لإزالة العقبات أثناء رحلات السفر، وأوضحت قائلة: «على سبيل المثال، إذا حدثت كارثة طبيعية مثل تسونامي أو زلزال، فيمكننا الوصول إلى عملائنا في غضون دقيقتين، وتحديد مواقعهم، وإنقاذهم من مناطق الكوارث إلى منطقة آمنة».
وأضافت أن استثمار الشركة في الذكاء الاصطناعي يمكنهم من تخصيص تجارب السفر حسب تفضيلات العملاء؛ ما يجعل تجربة السفر أكثر سهولة وسلاسة.
التكنولوجيا تعزز التفاهم بين الشعوب
تسهم التكنولوجيا في تقريب المسافات بين الثقافات والشعوب، من خلال تمكين الأفراد من التواصل والتفاعل مع المجتمعات المختلفة حول العالم، فتطبيقات الترجمة الفورية والجولات الافتراضية ومنصات التواصل الاجتماعي تتيح للمسافرين فرصة التعرف على تقاليد وعادات البلدان التي يرغبون في زيارتها قبل الشروع في الرحلة؛ ما يعزز الفهم المتبادل ويُخفف من حواجز اللغة والاختلافات الثقافية.
في هذا السياق، يقول أحمد إمري بيوكيليك، مستشار الدولة في مكتب الاستثمار التابع لرئاسة الجمهورية التركية، في تصريح لـCNN الاقتصادية على هامش قمة «Superbridge»: «نحن نمر بالعديد من التطورات كل يوم، التكنولوجيا تغير عالمنا بشكل حاد، ولكن البعد الإنساني والوجود البشري لا يزالان في قلب جميع هذه المناقشات».
ويؤكد بيوكيليك أن التكنولوجيا تُسهم في زيادة التعاون عبر الثقافات وتوطيد العلاقات بين المجتمعات.
تآكل الهوية الثقافية.. الجانب المظلم للتكنولوجيا
لكن على الجانب الآخر، هناك من يرى أن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا قد يؤدي إلى تآكل الهوية الثقافية المحلية؛ فالاعتماد المفرط على المحتوى الرقمي والتجارب الافتراضية قد يُفقد بعض الوجهات السياحية أصالتها، حيث يصبح من الصعب التمييز بين التجربة الحقيقية والتجربة الافتراضية.
يشير البعض إلى أن الميتافيرس، على الرغم من دوره في الترويج للوجهات السياحية، لا يمكن أن يحل محل السفر الحقيقي، تقول صن: «كلما تطورت التكنولوجيا، كان ذلك أفضل لدفع الناس للخروج من منطقة الراحة الخاصة بهم إلى العالم، لأن الميتافيرس يمكن أن يقدم ترويجاً جيداً للوجهات، لكن الأمر يكون دائماً مختلفاً عندما تسافر هناك، تتحدث مع الناس، وتلمس ما رأيته. لذا، السفر يمكنه حقاً أن يجلب لك تجربة حياتية حقيقية».
الحفاظ على الهوية الثقافية من خلال التكنولوجيا
ورغم هذه المخاوف، يرى خبراء آخرون أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز الوعي بالتقاليد المحلية، فالاستخدام المدروس للتكنولوجيا يمكن أن يتيح تجارب سياحية تفاعلية تُسلط الضوء على الغنى الثقافي والتاريخي للمجتمعات، وتُعرّف المسافرين بشكل أعمق على تلك الثقافات، كما أن المنصات الرقمية يمكن أن تسهم في نشر التراث الثقافي وتوثيق العادات والتقاليد المحلية للأجيال القادمة.
هل التكنولوجيا أداة إيجابية أم سلبية؟
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل يمكن للتكنولوجيا أن تكون أداة إيجابية تُعزز من التفاهم الثقافي أم أنها تُشكّل تهديداً للهوية الثقافية؟ الجواب على هذا السؤال يعتمد على كيفية استخدام التكنولوجيا؛ إذا استُخدمت بشكل مدروس وموجه نحو تعزيز التفاهم الثقافي والحفاظ على الهوية، فإن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة قوية لتعميق العلاقات بين الشعوب وتعزيز التفاهم المتبادل.
في المقابل، إذا لم يُحسن استخدام التكنولوجيا وأُفرط في الاعتماد على التجارب الافتراضية، فقد تؤدي إلى تآكل الهويات المحلية وتحول الثقافات إلى محتوى رقمي بعيد عن الواقع.
ختاماً، يبقى القرار في أيدي صانعي السياسات والشركات المعنية بتطوير السياحة.
التكنولوجيا يمكن أن تكون سلاحاً ذا حدين، ويعتمد أثرها على الرحلات والتجارب السياحية على مدى قدرتنا على الموازنة بين الحداثة الرقمية والحفاظ على التراث الثقافي.
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية
