هل انتحل شتاينبك فصولاً من كاتبة شابة؟

من المرجح، ولكن ليس من المؤكد بأي حالٍ من الأحوال، أن الكاتبين الأميركيين جون شتاينبك وسانورا باب قد التقيا في أحد المقاهي بالقرب من أرفين، بولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة، في مايو (أيار) 1938، إذ كان كلاهما في المدينة لتوثيق معاناة المهاجرين الذين كانوا يتدفقون على الولاية للهروب من دمار «قصعة الغبار» (أعظم كارثة بيئية من صنع الإنسان في تاريخ أميركا)، وكان كلاهما يكتب روايته الخاصة حول هذا الموضوع.

وكان شتاينبك قد تخلى عن روايتين حول هذا الموضوع في وقت سابق من ذلك العام، بينما تلقت باب استجابة متحمسة من دار نشر «راندوم هاوس» على الفصول الافتتاحية للرواية التي تقوم بكتابتها، وكان كلاهما على صلة بتوم كولينز، وهو أحد الموظفين في إدارة الأمن الزراعي (FSA)، وهي وكالة فيدرالية تقدم المساعدة للمهاجرين. وبالنسبة لشتاينبك، كان كولينز صديقاً ومفتاحاً لمعرفة تجربة المهاجرين، أما بالنسبة لباب، فهو كان مرشداً ومشرفاً، إذ إنها كانت قد تطوعت لتوثيق ظروف المعيشة في المخيمات.

وما حدث بعد ذلك كان واضحاً في بعض النواحي، ولكنه كان غامضاً بشكل محبط في نواحٍ أخرى، فالجزء الواضح هو قصة عن الظلم الأدبي العميق، إذ تلقى شتاينبك ملحوظات ميدانية من وكالة الأمن الزراعي، التي تم تجميعها إلى حد كبير (ولكن ليس بالكامل) من خلال ملحوظات باب والمقابلات التي قامت بإجرائها وبعد ذلك بدأ سباق كتابة شديد بينهما لمدة 100 يوم لإنتاج «عناقيد الغضب»؛ الرواية الأميركية الأساسية حول الكساد العظيم (التي فاز عنها شتاينبك بجائزة «بوليتزر» عام 1940)، فيما لم يتم نشر رواية باب، التي تم تسليمها في وقت لاحق، إذ أبلغها المؤسس المشارك في دار نشر «راندوم هاوس» بينيت سيرف أنها تأخرت عن الموعد النهائي للتسليم الذي كان مقرراً في أغسطس (آب) 1939. وكتب سيرف حينها: «يا له من حظ سيئ بالنسبة لك أن رواية (عناقيد الغضب) لم تصدر قبل تسليم روايتك فحسب، بل إنها باتت تغمر البلاد... من الواضح أن نشر رواية أخرى في هذا الوقت حول الموضوع نفسه بالضبط لن يكون مناسباً».ولكن ما هو الجزء الغامض من الأمر؟ بمرور الوقت، كانت باب، التي كانت محبطة بشكل مفهوم، تُصر على أنها هي، وليس كولينز، التي سلمت التقارير بشكل شخصي إلى شتاينبك، وهو التصرف الذي من شأنه أن يجعل استيلاءه على الملحوظات يبدو أكثر جرأة، وكتبت باب بعد 40 عاماً من ذلك اللقاء المزعوم في المقهى: «لقد طلب مني توم أن أعطيه ملحوظاتي، وفعلت ذلك. يا لي من ساذجة».

لكن لا يبدو أن شتاينبك قد كتب قط عن لقائه بباب، أو حتى ذكر اسمها، وذلك على الرغم من أنه من المنطقي تماماً أن يرغب اثنان من الكتاب الدؤوبين عن الموضوع نفسه في مقارنة ملحوظاتهما معاً.

ويتعلق السؤال الأكثر غموضاً بمدى حجم الأجزاء التي تمت كتابتها في رواية «عناقيد الغضب» بناءً على ملحوظات وكالة الأمن الزراعي، ومدى حجم مشاركة باب في كتابة هذه الملحوظات. ومن المؤكد تقريباً أن ملحوظاتها ساعدت شتاينبك في تشكيل تصوره للمهاجرين، إذ كانت ملحوظاتها غنية وشاملة، حيث كانت قد نشأت في مزرعة فاشلة في منطقة بانهاندل في أوكلاهوما، وكانت شخصاً موثوقاً بشكل خاص من قبل كولينز للتواصل مع المهاجرين، وعندما شاركت ما كتبته، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فمن المرجح أنها كانت مدفوعةً بالرغبة في نقل تجربتها من خلال أي وسيلة قد تساعد بها هؤلاء المهاجرين.

إذن، كيف تسمي الشهرة التي تكتسبها رواية ما أدت إلى دفن رواية أخرى بشكل مسبق؟ استيلاء؟ سرقة؟ سوء توقيت؟ تمييز جنسي؟ ربما كان ذلك في النهاية دليلاً على عيب كبير في صناعة النشر، إذ إنه في بعض الأحيان، وليس دائماً لأسباب وجيهة، يستنتج صناع القرار أنه لا يوجد مجال لنشر العديد من الروايات حول موضوع أو حدث رئيسي واحد، لكن الحكم قصير الأجل على ما يمكن أن يتحمله السوق يمكن أن يخنق إرثاً أدبياً.

وتتمثل إحدى مميزات السيرة الذاتية الجديدة التي كتبتها إيريس غامال دانكل، والتي جاءت بعنوان «ركوب كنسمات الريح: حياة سانورا باب»، في أنها أبقت شتاينبك بعيداً عن مضمونها لأطول فترة ممكنة، وعلى الرغم من سوء حظ باب، كما قال سيرف، فإن تجاهل نشر روايتها في ذلك الوقت لم يكن العنصر الحاسم في حياتها أو مسيرتها المهنية، إذ كانت الكاتبة من أشد المناصرين لليسار، ونشرت روايات وتقارير في مجلات صغيرة مثل «New Masses»، وصادقت كُتَّاباً من الطبقة العاملة مثل ويليام سارويان ونيلسون ألغرين، وكانت متزوجة لفترة طويلة من المصور السينمائي الحائز على جائزة «الأوسكار» جيمس وونغ هاو، وعلى الرغم من أن زواجهما شهد العديد من المواقف الصعبة في بعض الأحيان، لكنه لم ينته تحت ضغط عمله.

وعلى الرغم من أن رواية «عناقيد الغضب» عرقلت مسيرتها المهنية، فإن باب لم تتوقف أبداً عن.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشرق الأوسط

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الشرق الأوسط

منذ 3 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 10 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ 15 ساعة
قناة العربية منذ 11 ساعة
قناة يورونيوز منذ 17 ساعة
قناة العربية منذ 14 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 3 ساعات
قناة العربية منذ 16 ساعة
قناة الغد منذ ساعتين
قناة روسيا اليوم منذ 3 ساعات