أطفالنا هم مستقبلنا فكيف نبنيه؟

استمرارية الحياة رهينة بأجيالها المتتابعة، جيلٌ يخلف جيلاً، وقبيلٌ إثر قبيل، فجيل الآباء الكبار اليوم وهم يديرون دفَّة الحياة ويتصرفون فيها، هم نتاجُ جيلٍ سابقٍ كان له التأثير الكبير فيه، فنحن اليوم ندير دفة الحياة بأفكار السابقين وإن كانوا غير موجودين بنسبة عالية جداً، لأننا من صناعتهم، فهم الذين وضعونا ضمن نماذج تفكيريةٍ وسلوكيةٍ معينةٍ.

وهكذا سيكون الجيل اللاحق بعدنا، فأطفال اليوم الذين هم بين سنةٍ وخمس سنواتٍ أو عشر سنواتٍ سيكونون بعد عشرين عاماً في مركز التصرُّف وسُدَّة المسؤولية وصناعة الحياة، ولكنهم يقومون بأدوارهم في الحياة من المنطلق الذي يوضعون فيه اليوم، فإذا أردت معرفة مستقبل أسرةٍ أو مجتمعٍ أو وطنٍ بعد عشرين عاماً ويزيد فانظره كيف يصنع بأطفاله وأحداثه الصغار الذين هم بين أيدي كباره، وإنَّ عملهم هذا هو المستقبل الذي يصنعونه والوطن الذي يبنونه! إنَّ أخطر شيء في صناعة المستقبل هو صناعة الجيل القادم، وهو أهم من أي شيءٍ آخر في بناء المستقبل، فإن كانت صناعة الجيل صالحةً قويةً ذات أهدافٍ واضحةٍ ومقاصد ناجحةٍ، كان للوطن مستقبلٌ وريادةٌ، وإلا فهو في دور التأخر وربما يصل إلى الانحسار والاندثار.

صناعة المستقبل مطويَّة في صناعة الجيل القادم وتأتي هذه الصناعة من عدة مصادر ومؤثرات ولها الدور الحاسم في ذلك وهي: 1- الأسرة: وهي أهم عامل في بناء الطفولة ومستقبلها، وإنَ الأسرة هي التي تشكل نظرة الطفل للحياة وتزوده بالمنظار الحقيقي الرَّاسخ الذي لا يتغير مهما كبر هذا الطفل أو تقلب في موجات الحياة، إنها تغرس فيه السلوك والتصرف، وإن غرس السلوك على صفحةٍ بيضاء هو الذي يعطيه الثبات والرسوخ، فمهما غُطي أو أُغرق بسلوكيات أخرى فسيبقى في فكر هذا الطفل في كبره، وينتفض في لحظات حاسمة.

الأسرة وهي تغرس السلوك إنما تنقل المفاهيم والقيم التي وصلت إليها من أجيالٍ سابقةٍ وهي تحمل روح المجتمع الممتد في أعماق الزمن، وتفتح له طرق العلاقة التي يرى من خلالها الناس من حوله، والوطن الذي يعيش فيه، والآمال والطموح الذي يراه من بعيد في مستقبله، ويسعى لتحقيقه، وتكون جهوده في ذلك بقدر ما غرست الأسرة فيه من مكانة لهذه الآمال والطموحات وقيمتها.

الطفل الذي يشبُّ ويكبر وهو يفتح عينيه على الدنيا أشبه ما يكون بعجينة ليّنةٍ تُصاغ ضمن أُطر هذه الأسرة ومفاهيمها وعلاقاتها الاجتماعية وطموحاتها.. وإذا تشكلت العجينة وأخذت وضعها في نحو سن العاشرة من العمر لن تتغير، وقد يطرأ عليها تعديلات طفيفة، ولكنها بشكلها العام ثابتة، قد يتغير منها اللباس أو السكن، أو ملامح الوجه والأعضاء، ولكن الشخصية العميقة لا تتغير.

الأسرة هي التي تغرس القيم حسنَها وسيئها، وتغرس حبَّ الوطن والتفاني من أجله، وتصنع رجلاً قوياً شهماً، أو ضعيفاً فسْلاً، رجلاً بانياً أو متمرداً هدّاماً، ولهذا فإن أهمية الأسرة في بناء مستقبل الطفولة لا يعادلها شيء، ولا يُستغنى عنها، وإن الأسرة المتماسكة الواعية هي ضمانةٌ لصناعة الطفل الذي به نصنع مستقبل الوطن، بل مستقبل الإنسانية. وإنَّ هذه المسؤولية الواقعة على الأسرة يتقاسمها جميع أفرادها، فالأم التي تُرضع الطفل أو تحرك به المهد قد قالوا: إنَّ تحريكها لمهد هذا الطفل بيدها هو تحريك للعالم كله، لأنه هو المستقبل، أو وهي تغمره بالحنان والدفء لتبقى فطرته سليمة ومشاعره مستقيمة، أو تحوطه بكامل حمايتها ورعايتها وهو يلوذ بها ويلجأ إليها عندما يرى خطراً يأتيه، أو يحس بمكروه يوشك أن يصل إليه، إنها الحصن الواقي لشخصية الطفل ومشاعره وأمنه وأمانه، وإن رعايتها لسلامة جسمه في غذائه وطعامه ودوائه لها الأثر الحاسم في صحته وبنيته وهو طفل وهو شاب وهو رجل مكتمل إن حروف الوطنية ترسم هنا في عمق الطفل وداخله، ومعانيها تُنقش في كيانه وهو يسمع أغنية أمه وأهازيجها وهي تحمل قيم الوطن وحضارته، وأسماء مواضعه ورجالاته وبُناته وآدابه وأخلاقه وكذلك الأب الذي يرعاه من أول خطوةٍ يدبُّ بها على الأرض ويرى أباه يأخذ بيده ويسنده إذا مال أو قارب السقوط، وهو يرعاه في عطفه وقُبُلاته وعناقه الذي يبعث في الطفل كل معاني الحياة السعيدة، فيرى الدنيا من حوله مبتسمةً مشرقةً، ويراه وهو يأخذ بيده إلى أقربائه وعائلته وأهله وجيرانه ومسجده، ويلحظه بعينه الساهرة عليه حتى لا يقع في خطأ أو مكروه، ويزداد عالمه سروراً وحُبوراً وهو يرى والده يحمل إليه الأشياء الجميلة من لباسٍ وألعابٍ ويأتيه بها في المناسبات وغير المناسبات.

إنه يرى والده وهو يضعه في المستقبل ليحجز مكانه فيه وهو يأخذ بيده إلى المدرسة أو روض الأطفال، ويُسلمه إلى القائمين عليها، ويقف من بعيد وهو يتأمل طفله بعين الحبّ والحنان الممزوج بالخشية والخوف عليه، وينظر الطفل إلى والده ويحس بهذه الملامح والمشاعر في وجهه وحركاته فلا تزول من مشاعره وذاكرته طول حياته، ولن ينسى هذه الخطوات الأولى وصبيحة هذا اليوم الأول، وتتجدد معه عندما يصبح أباً ويقوم بنفس الدور... وقد قال العرب قديماً: وينشأ ناشىء الفتيان منا على ما كان عوَّده أبوه إنَّ ضعف الأسرة هو ضعفٌ لمستقبل الطفولة، وضعفٌ لمستقبل الوطن والإنسانية، وإنَّ قوتها والقيام بأمور الفطرة التي غرسها الله تعالى في الآباء والأمهات هي قوة المستقبل للأسرة نفسها وللوطن، ومن هنا يُصنع المستقبل ويُبنى. ولهذا فإنَّ حرص العقلاء على الحفاظ على الأسرة في تماسكها وارتباطها عملٌ جليلٌ ومقصدٌ نبيلٌ، ومهما أُنفق في سبيله من جهدٍ ومالٍ فهو مفيدٌ ونافعٌ للمجتمع والوطن، بل إنَّنا بحاجة إلى الوقوف أمام هذه المسألة على الدوام ومتابعتها بكلّ حرصٍ واهتمامٍ بإحصائياتٍ دقيقة، وتوجيهاتٍ مؤثرةٍ عميقة، بل ومؤتمراتٍ ولقاءاتٍ ودراساتٍ ومصارحات تُختم بتشريعاتٍ قانونيةٍ وثيقة.

2- وأما المصدر الثاني لصناعة الطفولة وبناء المستقبل فهو التعليم والإعلام: أما التعليم فعندما يدلف إليه الطفل وهو في الخامسة من العمر بل ربما قبلها يُدفع إلى روضة الطفل، يكون في هذه الحالة خالي الذهن، صفحةً بيضاء في فكره، فكل كلمةٍ تُصب في أذنه أو مشهدٍ يراه بعينه، أو حركةٍ يُحس بها من حوله، كل ذلك يرسخ في ذهنه ولن يزول أبداً، كما قالوا قديماً: فصَادف قلباً خالياً فتمكَّنَا. وإذا كان الطفل يبدأ تعلمه بالصورة أولاً ثم بالحرف ثانياً، ثم بالكلمة والجملة والنص بعد ذلك، فإنَّنا بذلك نصنع عقلاً ونبني فكراً بهذه الصورة وما يتبعها حتى النص المطوَّل وكل صورةٍ أو كلمةٍ أو نصٍ يسبق إلى قلب وعقل هذا الطفل لن يسمح لغيره بالدخول ليحل مكانه، إلا بعد معاناةٍ طويلةٍ وقد لا يستطيع. إنَّ صناعة العقول وهي التي ستدير دفَّة الحياة، تبدأ في رياض الأطفال والمدرسة الابتدائية، وهنا تجب الرقابة الصارمة على كل صورةٍ وكل كلمة تمر إلى هؤلاء الأطفال، حتى لا يكون.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الاتحاد الإماراتية

منذ 9 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 9 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 9 ساعات
الشارقة للأخبار منذ 7 ساعات
صحيفة الاتحاد الإماراتية منذ ساعتين
صحيفة الاتحاد الإماراتية منذ 7 ساعات
خدمة مصدر الإخبارية منذ 12 ساعة
موقع 24 الإخباري منذ 13 ساعة
الشارقة للأخبار منذ 9 ساعات
صحيفة الاتحاد الإماراتية منذ 3 ساعات
صحيفة الاتحاد الإماراتية منذ ساعتين