«كان كالشمس للنهار والعافية للناس».. لا تضيع أمة وُلد فيها الإمام الشافعي

كان الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ فصيحًا و شاعراً، محبًا للخير وقاضيًا و بحرًا في العلوم الدينية واللغوية والأدبية، هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، كما أنه كان عالم قريش، ومؤسس علم أصول الفقه.

نسبه

هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب، بن عبيد بن يزيد، بن هاشم بن المطلب، ابن عبد مناف، على ما روى الغالبية من مؤرخي الرجال، فهو بذلك قرشي.

وشافع بن السائب الذي ينتسب إليه الشافعي، لقي النبي صل الله عليه وسلم-، وأُسر أبوه السائب يوم بدر في جملة من أسر وفدى نفسه ثم أسلم.

ويلتقي نسب الشافعي مع نسب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عبد مناف.

أما أمه فهي يمانية من قبيلة الأزد، وكنيتها أم هبية الأزدية، وقيل من قبيلة الأسد، وهي قبيلة عربية، لكنها ليست قرشية.

ولادته قيل أن ولادة الشافعي كانت في عسقلان، وقيل بمنى، لكن الأصح أن ولادته كانت في غزة عام 150 هجرية، وهو نفس العام الذي توفى فيه أبو حنيفة.

كان أبوه قد هاجر من مكة إلى غزة بفلسطين؛ بحثاً عن الرزق، لكنه مات بعد ولادة محمد بمدة قصيرة، فنشأ محمد يتيماً فقيراً.

نشأته وتعليمه

والشافعي وإن كان قد وُلد من نسب شريف، ولكنه عاش يتيماً عيشة الفقراء إلى أن استقام عوده، وقد حرصت والدته على تثقيفه فحفظ القرآن الكريم بسهولة نادرة، ثم اتجه إلى حفظ الأحاديث فاستمع إلى المحدثين وحفظ الحديث بالسمع ثم كتبه على الخزف أحياناً وعلى الجلود أحياناً أخرى.

ولما بلغ سنتين قررت أمه العودة وابنها إلى مكة لأسباب عديدة منها حتى لا يضيع نسبه، ولكي ينشأ على ما ينشأ عليه أقرانه، فأتم حفظ القرآن وعمره سبع سنين.

ثناء الناس والعلماء عليه

وعُرف الشافعي بشجو صوته في القراءة، قال ابن نصر:"كُنا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض: قوموا إلى هذا الفتى المطلبي يقرأ القرآن، فإذا أتيناه -يصلي في الحرم- استفتح القرآن حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته، فإذا رأى ذلك امسك من القراءة".

وكان الشافعي مشهوراً بتواضعه وخضوعه للحق، وتشهد له بذلك دروسه ومعاشرته لأقرانه وتلاميذه وللناس.

كما أن العلماء من أهل الفقه والأصول والحديث واللغة اتفقوا على أمانة الشافعي وعدالته وزهده وورعه وتقواه وعلو قدره، وكان مع جلالته في العلم مناظراً حسن المناظرة، أميناً لها طالباً للحق لا يبغي صيتاً ولا شهرة حتى أثرت عنه هذه الكلمة: ما ناظرت أحداً إلا ولم أبال يبين الله الحق على لسانه أو لساني .

وبلغ من إكبار أحمد بن حنبل لشيخه الشافعي، أنه قال حين سأله ابنه عبد الله:"أي رجل كان الشافعي، فإني رأيتك تكثر الدعاء له؟ قال: كان الشافعي كالشمس للنهار وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو عنهما من عوض .

وكان الشافعي رحمه الله فقيه النفس، موفور العقل، صحيح النظر والتفكر، عابداً ذاكراً.

فصاحة الشافعي

لحق الشافعي بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة. وكانت هذيل أفصح العرب، وقد أقام في البادية مدة طويلة استغرقت عشر سنوات -كما ذكر ابن كثير في إحدى الروايات-، جعلته يتخذ من عادات أهل البادية ما يراه حسنا ولقد كانت لهذه الملازمة أثر في فصاحته وبلاغة ما يكتب، وقد لفتت هذه البراعة أنصار معاصريه من العلماء بعد أن شب وكبر،

حتى الأصمعي وهو من أئمة اللغة المعدودين يقول: صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس ، وبلغ من اجتهاده في طلب العلم أن أجازه شيخه مسلم بن خالد الزنجي بالفتيا وهو لا يزال صغير .

إضافة إلى دراسته المتواصلة وإطلاعه الواسع حتى أصبح يرجع إليه في اللغة والنحو، فكما مر بنا سابقاً قول الأصمعي عن فصحاة لسانه العربي، وقال أحمد بن حنبل: كان الشافعي من أفصح الناس، ما مس أحد محبرة ولا قلماً إلا وللشافعي في عنقه منة ، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحاً، وقال أيوب بن سويد: خذوا عن الشافعي اللغة .

الشافعي شاعرًا ويعتبر معظم شعر الإمام الشافعي في شعر التأمل، والسمات الغالبة على هذا الشعر هي: التجريد والتعميم وضغط التعبير، وهي سمات كلاسيكية، إذ أن مادتها فكرية في المقام الأول، وتجلياتها الفنية هي المقابلات والمفارقات التي تجعل من الكلام ما يشبه الأمثال السائرة أو الحكم التي يتداولها الناس، ومن ذلك:

الدهر يومان ذا أمن وذا خطر * والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر

أما ترى البحر تعلو فوقه جيف * وتستقر بأقـصى قـاعه الدرر

وفي السماء نجوم لا عداد لها * وليس يكسف الا الشمس والقمر

وأبيات تدل على تذللـه لله عز وجل:

بموقف ذلي دون عزتك العظمى * بمخفي سـر لا أحيــط به علما

بإطراق رأسـي باعترافي بذلتي * بمد يدي استمطر الجود والرحمى

بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها * لعزتها يستغرق النثر والنظما

أذقنا شراب الانس يا من اذا سقى * محبا شرابا لا يضام ولا يظما

طلبه العلم على يد الإمام مالك ـ عالم المدينة ـ وحفظ الشافعي وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريباً كتاب "الموطأ" للإمام مالك، ورحلت به أمه إلى المدينة ليتلقى العلم عند الإمام مالك.

ولازم الشافعي الإمام مالك ست عشرة سنة حتى توفى الإمام مالك 179 هجرية، وبنفس الوقت تعلم على يد إبراهيم بن سعد الأنصاري، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم.

ويُروى بأن الإمام الشافعي كان من سريعي الحفظ، فكان إذا أراد أن يقرأ القرآن غطى وجه المصحف الآخر لكي لا يحفظه، وكان يحفظ الصفحة من أول قراءة، وفي يوم لاحظ الشافعي أنّه لم يعد يحفظ كما كان، فتوجه إلى بيت شيخه وكيع وشكى له سوء حفظه، قائلًا: يا شيخ، لم أعد أحفظ بسرعة كما كنت، ولا أعرف سبب ذلك، فقال له الشيخ: لا بد أنّك قمت بارتكاب ذنب ما، ويجب عليك أن تراجع نفسك.

قام الشافعي من عند شيخه، وتوجه إلى بيته، وجلس مع نفسه يفكر ما هو الذنب الذي فعله، فتذكر أنّه في مرة مرّت من أمامه امرأة ورأى جزءًا من قدمها، من دون أن يقصد، فعاد إلى شيخه وكيع، وأخبره بالذي تذكره، فقال له وكيع: إنّ هذا هو السبب من دون شك، فأنشد الشافعي، قائلًا:

شَكَوتُ إِلى وَكيعٍ سوءَ حِفظي .. فَأَرشَدَني إِلى تَركِ المَعاصي

وَأَخبَرَني.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من بوابة الأهرام

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بوابة الأهرام

منذ 10 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 6 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 8 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 10 ساعات
بوابة أخبار اليوم منذ 5 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 14 ساعة
صحيفة اليوم السابع منذ 9 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ ساعتين
بوابة أخبار اليوم منذ 14 ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 12 ساعة