تعانى الدول النامية من انخفاض التصنيف الائتمانى لجدارتها فى سداد التزاماتها من قبل وكالات التصنيف الائتمانى المعتبرة. تقبع غالبية الدول النامية فى منطقة التصنيف غير الاستثمارى non-investment grade، الأمر الذى يعنى أن عليها سداد تكلفة كبيرة للاستدانة، نتيجة ارتفاع مخاطر التعثّر عن السداد. وإذا كانت الدولة كلها مصنّفة ائتمانيًا عند مستوى معين فهذا يعنى أن كل مؤسساتها المالية يتم تسكينها تحت هذا السقف الائتمانى، بما يرفع من تكلفة التمويل لتلك المؤسسات بالتبعية.
يعتقد الاقتصادى المرموق جيفيرى ساكس (صاحب كتاب نهاية الفقر) أن هذا الأمر وحده من شأنه أن يُحد من قدرة الدولة النامية على الخروج من دائرة الفقر المفزعة، إذ إن أية دولة نامية تفتقر بنويًا إلى معدلات الادخار المحلى الكافية لتمويل أعباء التنمية؛ من بنية أساسية إلى متطلبات التنمية البشرية إلى سداد الديون القائمة.. ومن ثم فإن تلك الدول لا بد لها أن تلجأ إلى المقرضين الدوليين من الدول والمؤسسات وعبر أسواق الدين من خلال إصدار سندات وأذون الخزانة بغرض تغطية الفجوة التمويلية.. انخفاض التصنيف الائتمانى إلى مستوى B المنفردة يؤدى إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، لأنه يعنى ببساطة أن تلك الدولة عليها أن تدفع المزيد من النقود لتعويض المقرضين عن المخاطر الائتمانية الكبيرة التى يتحملونها نتيجة إقراض تلك الدول ومؤسساتها المحلية. هنا أيضًا تنشط مؤسسات أخرى للتأمين على إصدارات الدين منخفضة التصنيف ضد مخاطر عدم السداد، الأمر الذى يضيف إلى تكاليف الاقتراض تكلفة جديدة للتأمين يتحملها المصدر (المقترض) سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
منذ أيام أصدرت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتمانى تصنيفًا جديدًا لمصر سجّل تحسّنًا من رتبة B- إلى رتبة B مع نظرة مستقبلية مستقرة ترجّح ألا يتم تغيير تلك الرتبة فى المراجعة المقبلة للوضع الائتمانى المصرى. هذا الرفع فى التصنيف لم يكن مفاجئًا إذ أن المراجعة السابقة لفيتش حملت نظرة مستقبلية إيجابية، بما مؤداه ترجيح احتمال رفع التصنيف فى المراجعة التالية ما لم تتغير إلى الأسوأ المعطيات التى صدر فى ضوئها التصنيف. تحسن التصنيف الائتمانى يعكس انخفاض درجة الانكشاف الخارجى للاقتصاد المصرى فى أعقاب الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر الذى أدى إلى تحقيق فائض فى ميزان المدفوعات بنحو ٩.٧ مليار دولار كنتيجة مباشرة لصفقة رأس الحكمة مع الشريك الإماراتى.
كذلك يعبّر التحسن فى التصنيف عن ارتياح مؤسسة فيتش لجهود الانضباط المالى الذى أسفر عن تحقيق فائض أولى كبير فى الموازنة العامة للعام المالى ٢٠٢٣-٢٠٢٤ بنسبة بلغت ٦.١٪ مع تراجع نسبة العجز الكلى إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى ما دون ٥٪ (أيضًا على خلفية الاتفاق مع الصندوق وتدفقات الصفقة). كذلك كان هناك دور فاعل لارتفاع احتياطى النقد الأجنبى إلى مستوى قياسى بلغ ٤٤.٥ مليار دولار بقيمة زيادة بلغت ١١.٤ مليار دولار خلال تسعة أشهر فقط. ولم يغب عن مؤسسة فيتش تبرير هذا التحسن فى التصنيف الائتمانى بمسوّغات أخرى منها وحدة سعر الصرف للنقد الأجنبى ومرونته النسبية والتى ارتفعت على أثرها تدفقات الأموال الساخنة بما يقرب من ٣٨ مليار دولار منذ مارس الماضى. هذا بالإضافة إلى توقعات للمؤسسة بتراجع معدلات التضخم من مستوياته الحالية عند ٢٦.٤٪ إلى مستوى ١٢.٥٪ بنهاية العام المالى الجارى.. وهى توقعات متفائلة بتحقيق كل من السياسة النقدية المتشددة والسياسة المالية التقشفية لأهداف كبح التضخم والاقتراب من معدل التضخم المستهدف الذى يتراوح بين ٥ و٩٪.
وإذا كانت مؤسسات التصنيف الائتمانى تتعرض باستمرار لانتقادات بشأن تحيّزها وتعارض المصالح الذى يعترى تصنيفاتها وضلوعها فى كثير من الأزمات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من جريدة الشروق