لا تدور الحرب بين إيران وإسرائيل بالصواريخ والطائرات والمسيرات والوكلاء فحسب، فهناك حرب خفية تدور رحاها بين أجهزة مخابرات البلدين. ففي الفترة الأخيرة لا يكاد يمر أسبوع حتى تعلن السلطات الإسرائيلية عن سقوط شبكة تجسس إيرانية جديدة وذلك في مؤشر على تصعيد وزارة الاستخبارات الإيرانية لمواجهتها مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد والشين بيت- الشاباك والمخابرات العسكرية).
فقد قالت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي (شين بيت) في 31 أكتوبر/ تشرين أول الماضي إن قوات الأمن الإسرائيلية نجحت في تفكيك شبكة تجسس مشتبه بها داخل إسرائيل كانت تعمل لصالح المخابرات الإيرانية، وهي أحدث مجموعة تجسس من هذا النوع يتم الإعلان عنها خلال أسابيع.
وأوضح شين بيت والشرطة أنه في الواقعة الجديدة، اعتقل زوجين إسرائيليين من بلدة اللد قرب تل أبيب بتهمة جمع معلومات استخباراتية عن البنية التحتية الوطنية والمواقع الأمنية بما في ذلك مقر جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، إضافة إلى مراقبة باحثة أكاديمية.
وأضافوا أن الخلية كانت جزءاً من جهود إيران لتجنيد أشخاص ينحدرون من منطقة القوقاز.
وقال مصدر في شين بيت إن هذه الحوادث تُضاف إلى سلسلة من المحاولات الفاشلة التي كُشف عنها في الأسابيع الأخيرة، والتي تم فيها اعتقال مواطنين إسرائيليين بتهمة العمل لصالح عملاء للمخابرات الإيرانية وتنفيذ مهام محددة نيابة عنهم .
وكانت قوات الأمن الإسرائيلية قد قالت في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين أول الماضي إنها نجحت في تفكيك شبكتي تجسس منفصلتين لصالح إيران في القدس وشمال إسرائيل.
فما هي قصة وزارة الاستخبارات الإيرانية التي تقف وراء هذه العمليات في إسرائيل؟
التأسيس في كتابه "وزارة الاستخبارات الإيرانية: تاريخ موجز"، يقول ستيفن آروارد إن أغلب الناس سمع عن الحرس الثوري الإسلامي في إيران، ولكن هناك جهاز آخر أقل شهرة في الغرب وهو وزارة الاستخبارات الإيرانية، وهي الجهاز السري للنظام، الذي ينافس الحرس الثوري الإسلامي على السلطة.
وعلى النقيض من نظيرتها العسكرية، لا يرتدي أعضاء هذه المنظمة الغامضة زيا عسكريا ولا يقاتلون في ساحة المعركة بل إن أنشطتهم تتعلق بالتجسس في الخارج ومكافحة التجسس في الداخل.
وشملت العمليات الإيرانية على مدى العقود الأربعة الماضية اغتيالات واختطافات وتفجيرات عشوائية وعمليات مراقبة، وقد شاركت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية في جميع هذه العمليات.
وفي الواقع كان في إيران قبل الثورة الإسلامية جهاز الاستخبارات السافاك الذي تأسس تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي عام 1957 بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد اكتسب سمعة سيئة بسبب قمعه للمعارضين السياسيين، وأصبح أداة أساسية للشاه للحفاظ على السيطرة، حيث أصبح مرتبطا بالتعذيب والمراقبة والقتل خارج نطاق القانون، خاصة ضد الشيوعيين واليساريين وجماعات المعارضة الأخرى.
ومع الإطاحة بالشاه في ثورة 1979 الإسلامية، حُلّ السافاك حيث سعى النظام الثوري الجديد إلى القضاء على كل ما يمت للنظام السابق بصلة. ومع ذلك، فإن الاضطرابات الناتجة عن الثورة، إلى جانب التحديات المتزايدة للحكم، جعلت الحكومة تدرك بسرعة حاجتها إلى جهاز استخباراتي منظم للحفاظ على الأمن وحماية الجمهورية الإسلامية من التدخلات الأجنبية.
وفي السنوات الأولى للجمهورية الإسلامية، تم تنفيذ عمليات استخباراتية من قبل مجموعات ومنظمات ثورية متعددة، غالبًا ما كانت تعمل بشكل مستقل، وأدت هذه اللامركزية إلى عدم كفاءة وفي بعض الأحيان إلى صراعات بين الفصائل داخل الحكومة. ومع تصاعد التوترات مع الغرب، وحرب العراق وإيران، وانتشار الأنشطة المناهضة للحكومة، أصبح من الواضح ضرورة وجود جهاز استخباراتي مركزي.
وحول تأسيس وزارة الاستخبارات الإيرانية، نشر سعيد جولكار، الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية والخدمة العامة في جامعة تينيسي تشاتانوغا، دراسة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يقول فيها إن وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية تأسست في عام 1983 كوسيلة لتوحيد بعض وحدات الاستخبارات في عصر الثورة.
وفي عام 1989، أصبحت الوزارة مسؤولة عن تنسيق مجتمع الاستخبارات بأكمله، الذي يتألف من 16 جهازاً للاستخبارات ومكافحة التجسس.
وتخضع وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية اسمياً لسيطرة الرئيس، ولكن الوزير الذي يشرف على الوكالة لابد وأن يتم اختياره بموافقة المرشد الأعلى. وبموجب القانون، لابد وأن يكون الوزير مجتهداً ( رجل دين قادرعلى التفسير).
وتعتمد وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية في تجنيد عناصرها في المقام الأول على طلاب المدارس الدينية. وقد درس العديد من كبار أفرادها في مدرسة حقاني، وهي مدرسة دينية في قم ارتبط اسمها بالتيار المتشدد.
وفي عام 1984، أنشأت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية جامعة الإمام محمد باقر لتدريب عملاء الأمن والمحللين، وتستند عملية الاختيار الصارمة إلى المؤهلات الدينية والإيديولوجية.
اغتيال المعارضين والخطف في البداية، وتحت إشراف وزير الاستخبارات محمد ريشهري في الثمانينيات من القرن الماضي، ركزت وزارة الاستخبارات والأمن على القضاء على عناصر المعارضة الإيرانية، وخاصة منتسبي حركة مجاهدي خلق، وهي المجموعة التي كانت نشطة في الداخل والخارج.
وبعد عام 1989، حولت وزارة الاستخبارات والأمن تحت إدارة علي فلاحيان، وهو خريج آخر من شبكة حقاني، انتباهها إلى اغتيال المعارضين الإيرانيين.
وقد وقعت أولى الحوادث البارزة في يوليو/تموز 1989، عندما قُتِل عبد الرحمن قاسملو في العاصمة النمساوية فيينا. وفي أغسطس/آب 1991، قُتِل رئيس وزراء الشاه السابق شاهبور بختيار في العاصمة الفرنسية باريس.
ووقعت واحدة من أكثر الحوادث شهرة بعد عام واحد في برلين، حيث اغتال عملاء وزارة المخابرات منشقين أكراد إيرانيين في مطعم ميكونوس.
وفي عام 1994، ورد أن وزارة المخابرات تعاونت مع قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني في تفجير مركز مجتمعي لجمعية التعاون الأرجنتينية الإسرائيلية في بوينس آيرس، مما أسفر عن مقتل 85 شخصاً وإصابة 300 آخرين. واستمرت هذه الموجة من العنف المستهدف حتى نهاية رئاسة علي أكبر هاشمي رفسنجاني في عام 1997.
وخلال نفس الفترة، اعتقلت وزارة المخابرات أيضًا وقتلت العديد من الناشطين والكتاب داخل البلاد، بما في ذلك وزير الصحة السابق كاظم سامي، والكاتب سعيدي سرجاني.
وفي حادثة سيئة السمعة في عام 1996، حاولت الوزارة التخلص من حافلة كان على متنها 21 مثقفًا إيرانيًا في طريقهم إلى مؤتمر شعري في أرمينيا من خلال دفعهم من على جرف، ولحسن الحظ، نجوا.
وقد برر النظام الإيراني هذه الإجراءات بوصفها جزءاً من مكافحة "الغزو الثقافي". ومن وجهة نظر النظام، كانت الدول الغربية عازمة على تقويض الثقافة الإسلامية وإفساد الأخلاق الإيرانية من خلال الترويج لثقافتها وأساليب حياتها المادية.
وفي نفس العام، حاول أحد عملاء وزارة المخابرات والأمن زرع قنبلة في تجمع لمجاهدي خلق في باريس.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2019، قتلت وزارة المخابرات والأمن مسعود مولوي فاردانجاني، وهو مسؤول سابق في الوزارة انشق وفر إلى تركيا.
وكانت عمليات الاختطاف متفشية أيضًا ففي يوليو/تموز من عام 2020، اختطفت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية المعارض جمشيد شارمهد في دبي، وبعد 3 أشهر، اختطفت حبيب شعب، وهو زعيم انفصالي عربي إيراني في تركيا.
ورغم أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية طورت درجة من التطور والكفاءة من خلال أربعة عقود من الخبرة، فإن مستوى نجاحها كان متفاوتاً.
وبشكل عام، كانت عملياتها ضد المعارضين أكثر نجاحاً في البلدان التي تعاني من فساد أكبر، أو حيث تمتلك إيران المزيد من الحلفاء والموارد.
ففي يونيو/حزيران 2020، على سبيل المثال، قتلت وزارة الاستخبارات والأمن القاضي الهارب غلام رضا منصوري في المجر بعد إغرائه بالخروج من ألمانيا. ومع ذلك، فإن سجل الوزارة ضعيف في أمريكا الشمالية وأوروبا بفضل الأجهزة الأمنية الكفؤة وسيادة القانون في هذه الدول. وذلك بحسب دراسة سعيد جولكار، الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية والخدمة العامة في جامعة تينيسي تشاتانوغا، والمنشورة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
الغطاء الدبلوماسي في كتابه "وزارة الاستخبارات الإيرانية: تاريخ موجز"، يقول ستيفن آروارد إن ضباط وزارة الاستخبارات يعملون في الخارج انطلاقاً من منشآت دبلوماسية إيرانية وغيرها من الجبهات. وعادة ما يخدم الضباط المعينون في سفارة إيرانية لمدة تتراوح بين 3 و5 سنوات، وهو ما يسمح لهم باكتساب خبرة محلية كبيرة ويوفر الوقت اللازم لتجنيد وتطوير الجواسيس.
وكشف تحقيق أوروبي أجري في عام 2018 أنه في إحدى الحالات، عمل ضابط من وزارة الاستخبارات والأمن الداخلي انطلاقاً من سفارة إيران في فيينا لأكثر من عقد من الزمان.
وقد كشفت التحقيقات المختلفة في الأنشطة الإيرانية أن الوزارة استخدمت على مر السنين أشكالاً متعددة من الغطاء غير الرسمي، وفي بعض الحالات، أنشأت وزارة الاستخبارات والأمن قواعد استخباراتية في المنظمات الثقافية والخيرية والمساجد.
وبالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن ضباط وزارة الاستخبارات والأمن عملوا كصحفيين وطلاب وموظفين طبيين، فضلاً عن عملهم كموظفين في شركات خاصة، وفروع البنوك الإيرانية في الخارج، وشركة الخطوط الجوية الإيرانية المملوكة للدولة.
تجنيد الجواسيس تقوم وزارة الاستخبارات والأمن بتجنيد الجواسيس من خلال الحوافز المادية، كما يستخدم ضباط وزارة الاستخبارات الجواسيس للمساعدة في تجنيد آخرين.
وتتضمن أساليب التجنيد استخدام الإنترنت وتطوير قصص تغطية مفصلة، وكشف تحقيق إسرائيلي أسفر عن اعتقال 5 مهاجرين يهود من إيران في أوائل عام 2022، وأن ضباط الاستخبارات الإيرانية استخدموا حوافز مالية لتجنيدهم حيث تم الاتصال بهم في البداية ثم توجيههم عبر الإنترنت. وأفاد الإسرائيليون أن الضباط الإيرانيين استخدموا أفراد عائلات العملاء في إيران لنقل الأموال إليهم في إسرائيل.
وفي عام 2012، جندت وزارة الاستخبارات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي