بعد تلقيه التهاني والتبريكات من العديد من زعماء العالم، في ظل حسم النتيجة لدونالد ترامب، لم يهنئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الأميركي دونالد ترامب رسمياً على فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، نظراً لأن تلك الانتخابات تُجرى في بلد لا يعد حليفاً لروسيا.
وعلى الرغم من ذلك، لم يُخفِ المسؤولون الروس فرحتهم من هذا الحدث، حيث يرى العديد منهم أن فوز ترامب قد يفتح فرصاً جديدة لإعادة ضبط العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، هذا التفاؤل لدى السياسيين الروس نابع من تصريحات ترامب السلمية التي بدت واعدة، رغم أن رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين في روسيا كانوا أكثر تحفظاً، خصوصا في ظل العزلة الدولية التي تعيشها روسيا حالياً.
ترامب أقرب إلى روسيا من الناحية الأيديولوجية، يمكن القول إن ترامب أقرب إلى روسيا من سابقيه، لكن من الناحية العملية، من غير المرجح أن تُرفع العقوبات المفروضة على روسيا في ظل إدارة ترامب، وهو ما يراه البعض عقبة رئيسية في تحسين العلاقات بين البلدين.
وعلى الرغم من أن الكرملين كان يأمل في فوز ترامب، إلا أن رئاسة ترامب الأولى لم تُسفر عن أي تحسن كبير في العلاقات الثنائية، بل كانت مرتبطة بمواقف متضاربة، خصوصا في ظل التصعيد العسكري الذي شهدته الساحة الدولية، وبالرغم من ذلك، يرى المسؤولون الروس أن ترامب قد يكون أكثر مرونة في التعامل مع قضايا التفاوض، مما يسهل الوصول إلى حلول معينة في الملفات التي تشغل البلدين.
في الواقع، إن العلاقات بين موسكو وواشنطن تمر الآن بأدنى مستوياتها في التاريخ الحديث، ومن غير المتوقع أن يحدث تحسن كبير في الحوار بين الرئيس الأميركي الجديد وروسيا، في هذا السياق، يبقى كل شيء مرهوناً بتوجهات الرئيس بوتين وتصرفاته، وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة حول مستقبل العلاقات الروسية الأميركية في المرحلة المقبلة.
على سبيل المثال، في سبتمبر، كشفت وزارة العدل الأميركية عن بعض الوثائق التي أظهرت أن الكرملين كان يخطط لإطلاق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم "حزب سياسي أميركي أ (في إشارة إلى الحزب الجمهوري) في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو الحزب الذي يتماشى مع سياسات ترامب، التي تدعو إلى السلام مع أوكرانيا وسحب القوات الأميركية من مناطق الصراع حول العالم، هذه الوثائق تدل على أن الكرملين كان يراهن على فوز ترامب، الذي اعتبره خياراً أكثر توافقاً مع مصالح روسيا.
ومن جهة أخرى، إن الاعتقاد الأقرب إلى المنطق، أن بوتين يفضل الفوضى الناتجة عن الانتخابات الأميركية؛ فكلما زادت هذه الفوضى، كان ذلك أفضل لروسيا، إذ يمكن أن يصرف انتباه الغرب عن قضايا روسيا الداخلية، بالإضافة إلى ذلك، تواجه أميركا مشاكل داخلية ضخمة تتطلب حلولاً، وهو ما يعزز فرضية أن بوتين قد يجد في هذا الوضع فرصة للتركيز على شؤونه الداخلية بعيداً عن الضغوط الخارجية.
أما بالنسبة للأعمال الروسية، فقد تكون التوقعات أكثر تحفظاً، ففي حال قام ترامب باتخاذ إجراءات اقتصادية مثل الضغط على البنك المركزي الروسي لخفض معدلات الفائدة، فقد يشكل ذلك خطوة إيجابية، على الرغم من أن الصورة العامة تبقى محايدة، أما بالنسبة للأعمال الأميركية، فقد يكون الوضع أفضل مع ترامب في السلطة، إذ يُعتقد أن الإدارة الجديدة قد تقدم استقراراً اقتصادياً مقارنة بالفوضى المتوقعة تحت إدارة أخرى.
مواضيع ذات صلة ترامب وحرب أوكرانيا أما بالنسبة لأوكرانيا، فإن الفوضى التي قد تنجم عن رئاسة ترامب ستؤثر بشكل كبير على مستقبلها، لكن يبدو أن التوقعات بالنسبة لأوكرانيا غير واضحة، فقد تحدث ترامب في وقت سابق عن قدرته على إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة بمجرد توليه منصبه، من دون أن يقدم تفاصيل عن كيفية حدوث ذلك، ومن الواضح أن ترامب لا يستبعد التنازلات الإقليمية لأوكرانيا كجزء من اتفاق سلام مع روسيا، وهو ما يثير القلق في كييف.
بالتالي، إن نهج ترامب القائم على إبرام صفقات قد يكون الأخطر بالنسبة لأوكرانيا، إذ يعتقد ترامب أن إنهاء النزاع يجب أن يتم عبر صفقة "عادلة" ترضي الأطراف المعنية، وإذا كان من غير الممكن الوصول إلى صفقة مثالية، فقد يقبل حتى بصفقة سيئة إذا كانت ستؤدي إلى إنهاء الحرب، وقد يدفع ذلك إلى تجريد أوكرانيا من الدعم العسكري الأمريكي أو تخفيضه، حيث يمكن أن يستغل ترامب الفشل الأوكراني في الهجوم المضاد عام 2023 كذريعة لوقف المساعدات، بالإضافة إلى تأكيداته السابقة بأن النزاع قد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يعرض ترامب على بوتين تخفيف العقوبات في مقابل تجميد الوضع الحالي على جبهات القتال، وهو ما لا يُستبعد أن يقبل به بوتين في حال تم تحقيقه، وفي حالة إيقاف المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، فإن ذلك قد يؤدي إلى خسارة دونباس بشكل نهائي في يد القوات الروسية.
في النهاية، يبقى عنصر عدم اليقين هو السمة الأبرز في السياسة الخارجية التي قد يتبعها ترامب تجاه روسيا وأوكرانيا، حيث لا يمكن الجزم بما ستؤول إليه الأمور في ظل رئاسة ترامب، إذ سيكون هناك أيضاً تأثير واضح من إدارة بايدن السابقة التي قد تحاول عرقلة بعض خطط ترامب، مما يضيف مزيداً من التعقيد إلى المشهد السياسي الدولي.
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد