حرفة الحرف #مقالات

الاهتمام بشكلِ الحَرفِ له قيمتُه الإبداعية؛ سواء في شكلِ الخطِ الجمالي، المتَّسِق مع فكرةِ المضمون، أو بتنسيقِ الكتابة بما يتوافق مع الفكرةِ التي تدور في عَقل منشئها، فما زال يُقَال كان (الحرف) فنًّا تشكيليّا قبل أن يَتزوّج المعنى، ثم يختطفه اختطافًا كاملًا، ولعلَّ من هنا كانَ مفهوم الفن التشكيلي القديم يُحَلِّق فِي سَماءِ الحرفِ الحر. وربما ما زال بعضنا يَقرأ - بهدوء - تاريخًا لتشكيل الحرف بوصفه قطرةً في كأسِ الحداثة، وأعني ما فعله بودلير في كتابه رسّام الحياة الحديثة عام 1859، حيث كان يُمِيلُ حروفَ لفظِ (الحداثة)؛ ليقول - بتعريب وجودي عربي: «أقيموا بني أمي صدور مطيكم/فإني إلى قوم سواكم لأَمْيَل»، وهذا الميل البودليري كان تدشينًا -من طرفٍ خفي- للحداثةِ الفَنيّة التي تُريد أن تجعل مادةَ الفَنّ مما هو راهِن مُتغير. وستكون الحداثة - إذن - دعوة لأن تُفكّ المعاني عن حروفها، لجعل الحرف يتنفّس مما هو راهنٌ متغيّر، لكنَّنا نجد بودلير يُشير في مواضِع أخرى إلى أنَّ الحداثةَ نصفُ الفن بما أنَّها عابرةٌ وعارضة، والنِّصف الآخر هو الثابت الخالد، وليس لأحدٍ الحقّ في أن ينحاز إلى نصفٍ ويترك النصفَ الآخر.

هذا التذبذب بين المتغير والثابت أنتجَ (حِرفة الحَرف) وهي احتراف تَشكيل المعاني المتجددة من الحروفِ ذات الامتداد التاريخي الطويل، فالمقالةُ تُلاحظ أنَّ بين الحَرف والحِرفة تَشابها واضحا، على أساس أنَّ الحرفَ هو الشكل القديم الذي نعرفه، وأما الحِرفة فهي التي تُجدِّده لنا، مثل علاقة التأثيث بالمنزل، فلفظُ الحداثةِ أول ما ظهر في نصوص بودلير يعني اللحظة التي يُفكّر فيها المجتمع الحديث في ذاته.

إذن حين نحترف الإبداعَ المعنوي بتغيير شكل الحرف الذي يظهر للمتلقي، فإننا نُشكِّل واقعًا جديدًا من قلبِ القديم، وربما هنا نُمسِك أولَ خيطٍ في سِر الإبداعِ ودهشته.

يهم المَقالةُ أن تنصّ على أنَّ (الإبداع التشكيلي) هو فَنٌ واقعيٌ من حيث إنَّه يُشكِّل الواقعَ، وهذا ما يجعله يَلتقي مع فَنِّ الكتابةِ الإبداعيةِ، وستورد المقالةُ نموذجًا استخدم تشكيلَ الحَرف ليُغيّر الواقع، وهو الحركة الحروفية التي أسَّسها فضل الله الاسترابادي، في القرن 8هـ/14م، وقد كان خَيّاطًا لأغطيةِ الرأس، أي محترفًا بتغيير شَكل الرجل، وفي الوقتِ نفسِه كان شاعرًا؛ والشاعر الحقيقي هو من شَكَّل من الحَرفِ لعبةَ معنى جديد؛ لهذا جاءت حركتُه الحروفيّة على كفّتين، الأولى: أنَّ فهم القرآن لا يقوم إلا على أصالةِ الحرف (الظاهري)، وحِرفة المعنى (الباطني). والأخرى : أنَّ اقتصادَ بلاد فارس في ذلك القرن اهتمّ بالحِرَف وزاد من حظوظها، في مقابل انكماش الاقتصاد الريفي، وقد قامت انتفاضةٌ أهليّةٌ في أصفهان - عام 789هـ - بعد أن فرضَ تيمورلنك المغولي ضرائبَ كبيرة على الحِرفيين، و كان من (التكتيكات) التي واجه الحرفيون بها (إستراتيجيةَ) تيمور، هي توسيع المجال الدلالي للفظِ الحِرفة، أي دخلت الطبيعةُ كمصدر إنتاجٍ مادي ومعنوي في تغيير الوعي الحِرفي، فولِدَت فرقةُ الحروفيّة، جاعلةً الإنسانَ مركزًا يصنع.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن السعودية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الوطن السعودية

منذ 4 ساعات
منذ ساعتين
منذ 9 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
موقع سعودي منذ 9 ساعات
صحيفة عكاظ منذ 21 ساعة
صحيفة عكاظ منذ 6 ساعات
صحيفة عاجل منذ ساعتين
قناة الإخبارية السعودية منذ 5 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ 17 ساعة
موقع سعودي منذ 10 ساعات
صحيفة عكاظ منذ 5 ساعات