في ولاية كاليفورنيا، يجد فيكاس شودهاري وريدهي سانهي نفسيهما في نقاش مستمر حول مسألة واحدة: إلى أي مدى يجب أن نكون لطفاء مع برنامج «تشات جي بي تي» للذكاء الاصطناعي؟.
فيكاس شودهاري، مؤسس شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في بالو ألتو، يعرب عن امتنانه الكبير للروبوت المحادث الذي طورته «أوبن إيه آي»، منذ أن ساعده في حل مشكلة معقدة في كوده البرمجي. «أنت نجم!»، هكذا قال في أحد الأيام لـ«تشات جي بي تي». ويضيف: «أنا ممتن له للغاية وأشكره كثيراً، خاصة عندما أشعر أنني كنت قاسياً معه قبل قليل».
لكن زوجته، ريدهي، لا تشارك الرأي نفسه. تقول: «عندما أستخدم الميكروويف، لا أقول له: 'عزيزي إل جي، هل يمكنك من فضلك تسخين الطعام؟' أضغط على الزر وأتابع حياتي». ريدهي، التي تعمل أيضاً في مجال التكنولوجيا، تعتبر استخدام «تشات جي بي تي» كعلاقة ذات طابع عملي فقط، حيث تستخدمه لتصميم بطاقات تهنئة بمناسبات مثل ولادات الأطفال.
لعبة اللطف مع الذكاء الاصطناعي
مع تزايد تفاعل المستخدمين مع روبوتات المحادثة بشكل طبيعي أكثر من أي وقت مضى، يواجه الكثيرون سؤالاً أخلاقياً: بما أن هذه الروبوتات مبرمجة لتكون مهذبة، فهل يجب علينا أن نكون مهذبين أيضاً عند التحدث إليها؟. هل يعد الحديث بفظاظة مع هذه البرامج أمرًا سيئاً؟.
هذا النقاش أصبح موضوعاً متداولاً على منصات التواصل الاجتماعي بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، حيث يعتقد العديد من الأشخاص أنه من الضروري أن نكون مهذبين حتى مع الروبوتات. لكن، في المقابل، يرى البعض أن إظهار هذه المودة لبرنامج حاسوبي يعد إهدارًا للوقت.
وكتب أحد المستخدمين على موقع «ريديت»: «أعلم أن الذكاء الاصطناعي ليس شخصاً، لكنني أشعر بأنني غير مهذب إذا لم أقل مرحباً وشكراً». وقد أثار هذا المنشور العديد من التعليقات والنقاشات حول ما إذا كانت الروبوتات تتذكر من كان مهذباً معها.
قواعد للتعامل مع الروبوتات
وفقاً لدراسة أجرتها «توكير ريسيرش»، فإن الأميريكيين منقسمون بشأن هذه القضية. فقد أظهر الاستطلاع الذي شمل 2000 شخص، أن حوالي 48% منهم يرون أنه من المهم أن نكون مهذبين مع الذكاء الاصطناعي، بينما يعتقد 27% من المشاركين أنه لا يوجد ضرر في أن نكون فظين أو قاسين مع الروبوتات.
وأظهرت دراسة أخرى في اليابان، التي تعد فيها آداب الحديث جزءاً من ثقافة الحياة اليومية، أنه من الأفضل أن نكون مهذبين عند التفاعل مع «تشات جي بي تي»، حيث أشار الباحثون إلى أن العبارات غير اللائقة قد تؤدي إلى إجابات منحازة أو حتى رفض للرد. ووجدوا أن هذه الظاهرة تتكرر، سواء كان المستخدم يتحدث بالإنجليزية أو اليابانية أو الصينية.
تأثير اللطف على الذكاء الاصطناعي
تعتبر شركة «مايكروسوفت» أن الذكاء الاصطناعي لا يتفاعل بشكل جيد مع سلوكيات غير لائقة، إذ يُبرمج على محاكاة ردود الفعل البشرية. وتوضح جايمي تيفان، رئيسة العلوم في مايكروسوفت، أنه إذا كنت تصرخ في تعليماتك للروبوت، فعليك أن تتوقع أنه سيكون أكثر صعوبة في التعامل معك أيضًا.
وفقًا للمهندسين، يمكن أن يكون من المفيد تحفيز الذكاء الاصطناعي بالعبارات اللطيفة، حيث تبين أن «تشات جي بي تي» يقدم إجابات أكثر تفصيلًا عندما يتم «مكافأته» بشكل إيجابي.
الذكاء الاصطناعي والمجاملات
لا يقتصر استخدام «تشات جي بي تي» على المساعدة في حل المشاكل البرمجية أو المهنية فقط، بل يتم استخدامه أيضاً كأداة لتحسين تفاعل المستخدمين مع زملائهم في العمل. فمثلاً، في فرانكفورت، يستخدم لزلزو ديك، مهندس الكمبيوتر، «تشات جي بي تي» لتحويل غضبه إلى تعبيرات أكثر تهذيباً عند توجيه النقد لزملائه في العمل.
وفي دبي، يقول مازن لحام، مدير تنفيذي في مجال التكنولوجيا، إن الذكاء الاصطناعي في شركته يتفوق على الموظفين البشريين في التعامل مع العملاء الغاضبين والمعتدين، حيث يتسم بالهدوء والمهنية التي يصعب تحقيقها في البشر.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يعكس تعاملنا اللطيف مع «تشات جي بي تي» أفضل ما فينا، أم أن الأمر مجرد عادة ثقافية لا علاقة لها بالذكاء الاصطناعي نفسه؟ في المستقبل، قد نحتاج إلى أن نحدد إذا ما كان ينبغي أن نعزز هذه السلوكيات اللطيفة ضمن نظام تفاعلنا اليومي مع التكنولوجيا.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس