إن شئنا أن نختار للاتحاد الأوروبي رمزاً يعبر عن حاله، لكانت النعامة هي الأصلح، إذ اعتادت أوروبا دفن رأسها في الرمل متجاهلةً ما يحيق بها، على أمل أن يزول من تلقاء نفسه. حتى أن تكتل أوروبا التجاري تعاطى مع انفصال بريطانيا عنه وما تبع ذلك من فقدان ثاني أكبر اقتصاداته، وكأن شيئاً لم يكن.
القارة التي ألهمت العالم بشعارات مؤثرة مثل "الحرية، العدالة، الأخوة" و"لن نستسلم أبداً"، تبدو اليوم متمسكة بمقولة لآخر من يمكن اعتباره زعيماً لأوروبا، أنجيلا ميركل، التي كان شعارها الشهير "لننتظر ونرى".
تهديدات قد توجع أوروبا
لقد أبدت أوروبا قدرة على المبادرة من وقت إلى آخر، مدفوعة أحياناً بالأمل (كما كان الحال عند إنشاء السوق الموحدة تحت قيادة جاك ديلور في التسعينيات)، ولكن في معظم الأحيان، كان الخوف هو ما يحركها. إن تأسيس الاتحاد بحد ذاته في خمسينيات القرن الماضي جاء كردة فعل (ولو متأخرة) على موجات الشعبوية والحروب، في مسعى لبناء روابط وثيقة بين ألمانيا وفرنسا. وقد اقتصرت آخر خطوات الاتحاد التي تضمنت شيئاً من الجرأة، على زيادة بسيطة جداً في الإنفاق الدفاعي، وحتى ذلك لم يحصل إلا بعدما اجتاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دولة جارة للاتحاد.
لكن إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة يحمل تهديداً وجودياً لمألوف الاتحاد الأوروبي. ثمة اختلاف بين بوتين المغتر بانتمائه إلى قوة كانت عظمى، وترمب الذي يمسك زمام أكبر اقتصاد في العالم والدولة التي تحمي أوروبا فعلياً.
ما جاء خلال الحملة الانتخابية من تهديدات أطلقها ترمب، الذي سبق أن وصف الاتحاد الأوروبي بأنه "أحد أكبر خصوم أميركا"، يدعو إلى القلق؛ مثل وقف الدعم لأوكرانيا والانسحاب من حلف شمال الأطلسي وفرض تعرفة جمركية بنسبة 20% على الواردات الأوروبية (وربما أكثر على بعض أنواع السيارات)، وكذلك الانسحاب من كل المنتديات متعددة الأطراف، بالأخص إذا كانت أغراضها تتضمّن كلمتي "عالمي" و"أخضر".
لكثير من هذه التهديدات نتائج موجعة. يقول بنك "غولدمان ساكس"، إنه يكفي فرض تعرفة جمركية بنسبة 10% لتقليص الناتج الإجمالي المحلي الأوروبي بنسبة 1%، وضرر ذلك على ألمانيا كبير. أما ترك جزء كبير من أوكرانيا لبوتين فسيعرّض دولاً من الاتحاد الأوروبي مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا للخطر. كما أن تحميل الاتحاد الأوروبي أعباء الدفاع عن كييف، سيجبر دافعي الضرائب الأوروبيين على أعباء غير مرغوبة.
لا شك بأن ترمب يميل لإطلاق كثير من الكلام، وهذا ما بدأت "النعامات" بترديده فيما تدفن رؤوسها في رمال بروكسل. وفي الواقع هو لم ينسحب من حلف شمال الأطلسي خلال رئاسته الأولى.
لكن كثيراً مما قد يقدم عليه سيعتمد على من سيلقى منه أذناً صاغية من رهط مستشاريه. لو ترك الأمر لنائبه جي دي فانس، فهو مستعد للتخلي عن كييف بلمح البصر، بينما بعض الجمهوريين الأكثر حذراً لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم يحققون رغبة بوتين. وبالفعل، ترمب نفسه طالب بوتين بعدم تصعيد الحرب في أوكرانيا، وذكره بـ"الوجود العسكري الأميركي الضخم في أوروبا".
وهن القارة العجوز
مع ذلك، لا ينبغي لقيادات أوروبا افتراض أن ترمب سيكون متساهلاً كما كان في ولايته الأولى. فهذه المرة سيحظى على الأغلب بدعم مجلسَي النواب والشيوخ، وسيملأ إدارته بالمؤيدين المتشددين لحركة "لنعد لأميركا عظمتها" (ماغا).
كما أنه يبدي التزاماً فعلياً بالتعرفة الجمركية (التي وصفها لأحدنا بأنها أجمل مفردات اللغة). أمّا الأوروبيون القلائل الذين يحظون بتقديره، مثل فيكتور أوربان في المجر، وجورجيا ميلوني في إيطاليا، ونايجل فاراج المؤيد لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، فعلى الأرجح أنهم لن ينصحوه بالإحجام. حتى لو رغب ترمب بالتوصل إلى اتفاق، فإن أسلوبه الغامض والمبني على تحقيق مصالحه يتناقض بشدة مع البيروقراطيين الأوروبيين المتمسكين بالإجماع والإجراءات.
الأهم أن ترمب بنسخته الأشرس والأقوى سيواجه.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg