شكّلت التأثيرات الثقافية التي كونتها الحضارة المصرية القديمة والثقافة الأمازيغية والحضارة العربية على مسارها التاريخي تأثيرات واضحة على ثقافة المجتمع القبلي وتقاليده ومظاهر التراث المادي في واحة سيوة، من خلال تفاعل أهل الواحة مع مظاهر الطبيعة والبيئة، والتكيف والتعايش معها، وتشجيع الصناعات المحلية الداعمة لتوجه الحفاظ على التراث، وتعزيز تجارب القبائل البدوية في الحفاظ على الموروث الشعبي وتوفير الممارسات التقليدية والحرف الفريدة لهذه المجتمعات خاصة في مجال تصنيع الأزياء، وإعادة انتاج الملابس التراثية، والتي تهدف إلى تحسين جودة الحياة، وضمان تطوير أساليب التنمية المستدامة المحلية.
هذه الرؤية كانت حاضرة عند الدكتورة مرام محمود ثابت، مدرس بقسم الديكور، شعبة الفنون التعبيرية، بكلية الفنون الجميلة جامعة الأقصر، وذلك خلال ورقتها التي ألقتها أمام المؤتمر الدولي الأول لكلية التصميم والفنون الإبداعية بجامعة الأهرام الكندية.
واحة سيوة .. عبقرية المكان وعبق التاريخ تقع واحة سيوة في أقصي الشمال الغربي للصحراء الغربية على بعد حوالي 50 كم من حدود مصر مع ليبيا، وعلى بعد 300 كم من ساحل البحر المتوسط، وهي الواحة الأقرب للغرب وللشمال من الواحات المصرية، وهي الحصن الشرقي للقبائل الأمازيغية التي تمتد على ساحل أفريقيا في بلدان المغرب العربي.
تضم واحة سيوة سلسلة من الكتل الجبلية، وقديماً شُيدَت القرى المحصنة أعلاها، وبُنِيَت بها مساكن من حجر الكرشيف (الصلصال الملحي)، واليوم أطلال هذه القرى مازالت موجودة على السفوح، وتوجد المساكن الرئيسية للمدينة حاليًا أسفل قلعة شالي التي بُنيَت في القرن 13، مما يعزز من الموقع الفريد لواحة سيوة.
أدى دخول الفتح الإسلامي إلى مصر ومنه إلى سيوة في عام 640 إلى حدوث نوعًا من التقارب والاختلاط بين العرقيات المختلفة من سكان واحة سيوة والوافدين إليها من قبائل البدو العربية، والقبائل الأمازيغية (الناطقة باللغة البربرية)، مما أنتج التنوع السكاني الثريّ والتعدد الثقافي، وعزز لديهم الشعور بالتقارب والانتماء، وأصبح معظم السكان يتحدثون اللغتين؛ العربية (باللهجة المصرية)، والسيوية (مزيج من اللغة الأمازيغية والعربية)، وبذلك شَكِّل سكان الواحة مجتمعـًا مُركَّبـًا يتجلى فيه التقاء التأثيرات الثقافية المتنوعة.
أطلال قلعة شالي القديمة والمبنية بالحجر الكرشيف في واحة سيوة
التواجد الأثري للحضارة المصرية القديمة والرومانية في سيوة يُعد معبد آمون واحدًا من أهم المزارات السياحية، وأقدم بناء تاريخي في الواحة، ويعود تاريخه إلى العصر اليوناني، وهناك ارتباط وثيق بينه وبين الإسكندر الأكبر. كذلك وجود جبل الموتى، أحد أهم المزارات السياحية على حدود الواحة، ويعود تاريخه للعصر اليوناني، كما يحتوي الجبل على عدد من المقابر المزخرفة والملونة من الداخل لعدد من كبار الكهنة، كما توجد بالواحة العيون الكبريتية وهي ينابيع مائية ذات قيمة علاجية عالية لاحتوائها على عدة عناصر معدنية وكبريتية، لذا تستخدم للشراب والاستشفاء، وتضم الواحة نحو 1000عين، بقي منها 200 عين.
ـ البُعد التاريخي لقبائل سيوة تعتبر واحة سيوة موطناً للقبائل الأمازيغية المنحدرة من أهل الصحراء من الأمازيغ القاطنين في شمال الساحل الأفريقي، والممتد من الصحراء الغربية في مصر ومرورًا بدول المغرب العربي (ليبيا، وتونس، والجزائر والمغرب). بينما عاش الأمازيغ في سيوة في العصر الفرعوني، هاجرت غالبيتهم إلى سيوة بعد الفتوحات الإسلامية بسبب الجفاف في شمال أفريقيا. والسكان الحاليون لواحة سيوة هم مزيج من القبائل الأمازيغية والعربية مع مزيج ثقافي بين الثقافتين، كلهم يتحدثون السيوية، وهي إحدى لهجات اللغة الأمازيغية.
التأثير الثقافي للحضارة المصرية على الطابع الشكلي والزخرفي للأزياء التراثية في سيوة تظهر العديد من التأثيرات الواضحة للتراث والهوية المصرية وتأصيلها على الملابس التراثية لأهل سيوة، من خلال العودة إلى الطابع الشكلي والوحدات الزخرفية المستمدة من حضارة المصريين القدماء، وهذا ما تؤكده الباحثة المصرية شهيرة محرز، التي قامت بتسليط الضوء على العناصر الزخرفية وخاصة التطريز الثقيل حول فتحة الرقبة في الأزياء السيوية والمتشابه مع قلادة القميص المخصص للملك توت غنخ آمون، وقد اتخذ والده الملك اخناتون رمز الشمس لعبادة التوحيد، ولعل هذا ما يُفسر وجود الخطوط الاشعاعية في منطقة الصدر لزي المرأة السيوية، والمتأثر إلى حد كبير برمز إله الشمس.
التأثيرات الثقافية المختلفة للزخارف المطرزة في ثوب زفاف العروس السيوية يتفق عدد من الباحثين في التراث المصري - منهم الباحث سعد الخادم - أن هناك تأثيرات واضحة للحضارة المصرية القديمة على شكل الزخارف المطرزة في ثوب العروس السيوية، حيث يتشابه التطريز الموجود في النصف العلوي للثوب مع رمز مفتاح الحياة الذي وُجد مطرزاً على قميص الملك توت عنخ آمون، حيث يحفّ فتحة عنق الثوب حلقة دائرية مزخرفة تنتهي باستطالة إلى أسفل منطقة البطن، وقد طُرزت سبعة أشكال مربعة وملونة حول فتحة عنق ثوب الزفاف للعروس، وكل منها مقسمة إلى أربعة أرباع، يُسمى هذا الشكل (خاتم) ويستخدم لحماية العروس من العين الحاسدة مع الزوايا الحادة للمثلثات لحمايتها، ويُعتقد أن مواضعهم تشير إلى الخصوبة حيث إن أكبر مربع يقع فوق منطقة رحم المرأة. هذا ما يؤكد أن عناصر التراث السيوي مستمدة من الحضارة المصرية القديمة، وهي تشبه في شكلها القلادة الفرعونية، كما نلاحظ وجود خط مستعرض لمفتاح الحياة يشغل مساحة مستعرضة على شكل مربعين: أيمن وأيسر، وكل واحد مقسم إلى أربع مثلثات تستخدم كأحجبة أو تمائم (حرز) لمنع الحسد، يؤكد هذا الرأي أن أركان كل مربع محدد بأزرار صدفية كبيرة يتوسطها زر خامس، فيصبح في منطقة الصدر رموز خماسية واقية كالخمسة والخميسة.
على الجانب الآخر، تظهر تأثيرات الثقافة الأمازيغية على بقية التطريزات الموجودة في الجهة الأمامية من ثوب العروس، حيث يتشعب من الطوق المطرز حول الرقبة مجموعة من الخطوط الإشعاعية تبدأ من المنتصف وحتى الأطراف، ويبدو أن المعنى الذي تشير إليه هذه الخطوط هي أشعة الشمس المبسوطة على كامل.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بوابة الأهرام