في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي، أطلقت القيادة الصينية حملة وطنية لمكافحة البيروقراطية التي تعيق فعالية الحوكمة وجهود إنعاش الاقتصاد.
وبحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، شملت التوجيهات الصادرة عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الصين، الصيف الماضي، دعوات لتقليص الإجراءات الروتينية، وتخفيف الأعباء الإدارية، وتحرير العاملين الحكوميين من الأعباء الزائدة المرتبطة بالتقارير والرقابة.
تأتي هذه المبادرة في إطار أهداف اقتصادية أوسع تسعى إلى زيادة دخل الأسر، وتعزيز الاستهلاك، وتوسيع نطاق الإقراض المصرفي.
ومع ذلك، حذرت قيادة الحزب من أن تحقيق هذه الأهداف قد يتعثر إذا ظل العاملون في الصفوف الأمامية غارقين في المهام الروتينية.
وشدد الرئيس الصيني شي جينبينغ على أهمية تركيز أعضاء الحزب، البالغ عددهم 100 مليون، على تحقيق نتائج ملموسة وتنفيذ السياسات بشكل عملي، بدلاً من الانشغال بالإجراءات الشكلية أو البروتوكولية التي لا تخدم تحقيق الأهداف.
خطوات عملية تضمنت التوجيهات خطوات عملية لتحسين الإنتاجية، مثل تقليل عدد الاجتماعات وتقصير مدتها، وتقليص الأعمال الورقية، وتجنب تكليف المسؤولين المحليين بمهام غير منتجة.
كما دعا الحزب إلى تقليص الاعتماد المفرط على التطبيقات الرقمية لمراقبة الموظفين، وتقليل التقييمات المرهقة للأداء، محذراً من أن هذه السياسات قد تدفع العاملين للتركيز على إرضاء رؤسائهم بدلاً من إنجاز العمل الفعلي.
وأشارت تقارير وكالة أنباء «شينخوا» الصينية الرسمية، إلى أن البيروقراطية المفرطة أثرت سلباً على المسؤولين المحليين، الذين يُطلب منهم تقديم تقارير أسبوعية وشهرية وربع سنوية مكثفة.
هذه المتطلبات تؤدي إلى ضياع الوقت وتشتيت الأولويات.
وأوضحت الوكالة أن عمليات التفتيش والتقييمات غالباً ما تعطل سير العمل اليومي، حيث يبالغ المسؤولون في الاستعداد لاستقبال رؤسائهم الذين يقومون بزيارات قصيرة إلى المواقع.
على سبيل المثال، في مقاطعة «هوتشو» بغرب الصين، طُلب من المسؤولين المحليين تسجيل الدخول يومياً عبر تطبيق مخصص وتقديم تقارير مفصلة عن أنشطتهم. وقد أسفرت هذه المتطلبات عن إرهاق الموظفين وتقليل حماسهم للعمل، ما يعكس المشكلة الأوسع للتشديد الإداري الزائد الذي يعوق كفاءة الأداء.
تحديات تاريخية أوضح التقرير أن البيروقراطية كانت دائماً مصدر قلق للأنظمة المتعاقبة. وقد شدد الرئيس شي جينبينغ مراراً على ضرورة محاربة ما يُعرف بـ «الشكلية والبيروقراطية»، التي تركز على المظاهر بدلاً من النتائج.
ورغم أن الحزب أطلق حملة مشابهة في عام 2019 لتخفيف الأعباء البيروقراطية، أقر المكتب السياسي هذا الصيف باستمرار هذه المشكلات.
ويُشير منتقدون إلى أن المركزية المفرطة في صنع القرار تحت قيادة شي تفاقم المشكلة، فالمسؤولون يواجهون عقوبات صارمة عند الفشل في تحقيق أهداف بكين؛ مما يحد من التجارب الاقتصادية التي كانت أحد أسباب ازدهار الصين سابقاً.
وفي هذا السياق، أوضح لي داوكوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة «تسينغهوا» والمستشار السابق للبنك المركزي الصيني، أن هذا المناخ يدفع المسؤولين إلى التركيز على إظهار التزامهم لتجنب العقوبات بسبب الأخطاء، بدلاً من السعي لتحقيق نتائج ملموسة.
لوائح جديدة لتعزيز هذه الرسالة، كثّفت اللجنة المركزية لفحص الانضباط التابعة للحزب الشيوعي حملتها ضد سوء الإدارة والبيروقراطية. ففي سبتمبر الماضي، خُفّضت رتبة مسؤول سياحي بمقاطعة «شاندونغ» بعد فشل مشروع زراعة العنب الذي أطلقه دون إجراء دراسات جدوى كافية.
وأظهرت بيانات اللجنة ارتفاعاً ملحوظاً في العقوبات المرتبطة بالمخالفات البيروقراطية، حيث عوقب أكثر من 12,000 شخص في مايو الماضي، واستمرت الأرقام في الارتفاع لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ أن بدأ الحزب إصدار هذه البيانات في عام 2020.
وفي أغسطس، عزز الحزب حملته الصارمة بلوائح جديدة. وأوضحت السلطات، في تلخيص القواعد المستحدثة، أنه عند صياغة الوثائق أو عقد الاجتماعات، يجب على المسؤولين الالتزام بمبادئ «الاختصار، والعملية، والإبداع».
كما ألزمت القواعد بحضور الموظفين المعنيين فقط للاجتماعات المرتبطة بالقضايا المطروحة، ومنعت تفويض المهام بشكل غير صحيح إلى المسؤولين المحليين، وهو أسلوب يلجأ إليه بعض الرؤساء للتملص من المسؤولية عن تنفيذ قرارات بكين.
وفي خطوة لتعزيز الابتكار الاقتصادي، أكد المكتب السياسي للمسؤولين أن الأخطاء الناتجة عن حسن النية أو نقص الخبرة لن تؤدي إلى فرض عقوبات.
وتهدف هذه السياسة إلى تمكين القادة المحليين من تعديل السياسات لتلبية احتياجات مناطقهم دون الخوف من العقاب، في تحول ملحوظ عن الدعوات السابقة للالتزام الصارم بالانضباط السياسي.
وأشار التقرير إلى أن مشكلة البيروقراطية، التي تستهدفها حملة الرئيس شي، تمتد إلى ما هو أبعد من نطاق المكاتب الحكومية. فقد انتقدت وسائل الإعلام الرسمية مؤخراً ممارسات أولياء الأمور الذين يشترون عبوات حليب فارغة وأقلاماً مستعملة لمساعدة أطفالهم على استيفاء متطلبات حصص إعادة التدوير المدرسية.
واعتُبرت هذه الظاهرة مثالاً واضحاً على كيفية تسلل «الشكلية» إلى تفاصيل الحياة اليومية، بما يضيف أعباءً غير مبررة على الأسر ويُظهر تأثير البيروقراطية المفرطة خارج نطاقها التقليدي.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس