رغم الوعود الحكومية المتكررة تبقى المشاريع المعطلة في تونس، والتي تقدر ب1126 منشأة لغزاً اقتصادياً وأزمة خانقة تحبط فرص النمو والتنمية، ما يعكس، وفق خبراء «ضعفاً في الأداء الإداري والتنسيق بين الجهات المختلفة»، ويفاقم التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.. التفاصيل في

رغم الوعود الحكومية المتكررة تبقى المشاريع المعطلة في تونس، والتي تقدر بـ1126 منشأة لغزاً اقتصادياً وأزمة خانقة تحبط فرص النمو والتنمية، ما يعكس، وفق خبراء «ضعفاً في الأداء الإداري والتنسيق بين الجهات المختلفة»، ويفاقم التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.

ومع إنشاء لجنة خاصة قبل عامين لتسريع إنجاز هذه المشاريع، واضطرار الرئيس التونسي قيس سعيّد قبل عدة أشهر للاستعانة بالمؤسسة العسكرية لتنفيذ بعضها، يبقى الانتهاء منها حلماً يراود الكثير من التونسيين.

وفي كلمته أمام البرلمان التونسي، الأسبوع الماضي، قال رئيس الحكومة، كمال المدوري، إن بلاده تعاني من تعطل نحو 1126 مشروعاً، بعضها متوقف منذ سنوات طويلة، مثل مشروع ميناء المياه العميقة بالنفيضة في محافظة سوسة الذي يعود تعطله لعام 2006.

قطاعات حيوية

وتقدّر المشاريع المتوقفة منذ عام 2016 بأكثر من 17 مليار دينار (5.45 مليار دولار)، وتشمل قطاعات حيوية ذات تأثيرات بعيدة المدى على الاقتصاد، ومنها: مشاريع البنية التحتية مثل الطرق والجسور، وهو ما يؤثر في شبكة النقل، ويعوق الوصول إلى المناطق الداخلية، مما ينعكس سلباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفق الخبير الاقتصادي أنيس الوهابي.

الوهابي أشار، في حديث لـ«إرم بزنس»، إلى أن هناك أيضاً مشاريع متعطلة في قطاع الطاقة، رغم الحاجة إلى إنجازها، بسبب النقص الذي تعانيه البلاد واضطرارها إلى زيادة الاعتماد على الواردات، مما ساهم في زيادة العجز في الميزان التجاري.

وبحسب الخبير الاقتصادي، تعاني أيضاً بعض مشاريع الإسكان من التعطل، الأمر الذي يؤثر في قدرة الدولة على توفير السكن الاجتماعي لمواطنيها، ويزيد أزمة السكن، بالإضافة لتعثر مشاريع تخص المياه والكهرباء ما يعوق التنمية في المناطق الريفية والنائية.

ما الأسباب؟

تعاني هذه المشاريع من التوقف للعديد من الأسباب، وفق أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي، وتأتي في مقدمتها البيروقراطية وتعقيد الإجراءات التي تتطلب موافقات متعددة من عدة جهات.

ويشير الشكندالي، في حديث لـ«إرم بزنس» إلى أن المستثمرين، سواء كانوا محليين أو دوليين، يعانون من الروتين الإداري الذي يتسبب في تأخير منح التراخيص، مما يؤدي إلى تأخر البدء في تنفيذها أو تعطلها بعد البدء بسبب الإجراءات الطويلة.

ويضيف أنه في ظل الأزمة المالية التي تمر بها تونس، تعاني العديد من المشاريع المعطلة من نقص في التمويل، حيث تعجز الدولة أحيانًا عن توفير الميزانيات اللازمة لاستكمال بعض المشاريع.

ولم تكن المشاريع المعطلة بعيدة عن التأثر بالأزمات السياسية المتكررة وحالة عدم الاستقرار التي عانت منها البلاد خلال السنوات الماضية وتوالي التغييرات الوزارية، حيث أدت إلى تراجع معدلات الاستثمار وتوقف مشاريع عمومية، بسبب الخوف من المخاطرة في بيئة سياسية واقتصادية غير مستقرة.

كما يرى أستاذ الاقتصاد، أن نقص التخطيط الجيد والتنظيم وتنسيق الجهود بين الوزارات والجهات المعنية ساهم بشكل رئيس في إعاقة تقدم المشاريع وإنجازها، حيث تفتقر بعضها إلى دراسات جدوى كافية وتقدير واقعي للتكاليف.

انعكاسات سلبية

بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي آرام بلحاج، أن تعطل المشاريع العمومية يمثل عائقاً كبيراً أمام تحفيز النمو الاقتصادي في تونس، حيث تفتقد البلاد الاستفادة من العوائد المتوقعة من هذه المشاريع.

ويوضح بلحاج في حديث لـ«إرم بزنس» أن لهذه الإخلالات تداعيات اجتماعية، حيث إن توقف المشاريع التنموية لا يؤثر فقط على الاقتصاد الكلي، بل يمتد أثره ليطول جودة حياة المواطنين بشكل مباشر.

في ظل الوضع الحالي، تفقد تونس فرصاً اقتصادية هامة، وفق بلحاج من بينها: تحفيز الاستثمار، حيث يعكس توقف المشاريع صورة سلبية للمناخ الاستثماري في تونس، ويثني المستثمرين المحليين والأجانب عن ضخ أموالهم في السوق التونسي، وهذا بدوره يقلل من فرص خلق الوظائف، ويزيد من معدلات البطالة التي تتجاوز 14%، خصوصاً بين الشباب.

ويعتبر الخبير الاقتصادي أن إنجاز المشاريع العمومية المعطلة ضرورة ملحة لدفع عجلة النمو الاقتصادي، حيث يسهم إتمام مشاريع مثل النقل والطاقة والإسكان في تحسين جودة الحياة، وتسهيل التبادل التجاري، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.

تحركات رسمية

ولمواجهة أزمة المشاريع المتعطلة، أنشأت الحكومة في عام 2022 لجنة خاصة بهدف تسريع إنجاز المشاريع العامة، حيث وضعت هذه اللجنة خططاً لتبسيط الإجراءات الإدارية وتشجيع الجهات المعنية على إكمال المشاريع المتوقفة.

ومع ذلك، بقيت هذه الأزمة قائمة، ولم يتم التوصل إلى حلول فعّالة، مما دفع الرئيس قيس سعيد إلى اللجوء إلى المؤسسة العسكرية، التي تُعرف بقدراتها التنظيمية وكفاءتها العالية في إنجاز المشروعات.

وفي فبراير الماضي، أوكل الرئيس سعيد للمؤسسة العسكرية، ممثلة بإدارة الهندسة العسكرية، مهمة تنفيذ بعض المشاريع المتوقفة، مثل مشروع ساحة "باستور" وإعادة تأهيل المسبح البلدي في منطقة البلفيدير بالعاصمة.

وبالفعل، نجحت المؤسسة العسكرية في إنجاز المشروع الذي ظل مغلقاً لأكثر من 20 عاماً، وإعادة افتتاح المسبح في 21 أكتوبر الماضي بعد 8 أشهر من بدء العمل عليه.

إلى ذلك، تشمل الجهود الرسمية لإنجاز المشاريع المتعطلة، تأكيد الرئيس التونسي في 17 أكتوبر الماضي، خلال اجتماع مع رئيس الحكومة كمال المدوري على أهمية تقليص المدة الزمنية اللازمة لإنجاز عدد من المشاريع المتوقفة أو التي أُعيقت عمداً، بالرغم من توفر التمويل اللازم لها.

ومن بين هذه المشاريع مستشفى الملك سلمان في مدينة القيروان، الذي تم تخصيص تمويله من المملكة العربية السعودية في عام 2017، إلا أنه لم يتم تنفيذه حتى الآن، رغم مرور 8 سنوات على رصد التمويل اللازم له.

واستكمالاً لجهود حل هذه الإشكاليات، أصدرت الحكومة التونسية، في 7 نوفمبر الجاري، منشوراً يهدف إلى تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع ومعالجة المعوقات التي تحول دون إتمامها في الوقت المحدد، وشملت التدابير الحكومية القيام بـ«جرد شامل» للمعوقات جميعها التي تعترض تنفيذ المشاريع العامة والخاصة، و"البدء فوراً بمراجعة كافة النصوص القانونية" واقتراح حلول تنظيمية لمعالجتها.

كذلك منحت السلطات التونسية صلاحيات أوسع للجان الجهوية لمعالجة مشاكل المشاريع العامة والخاصة، بهدف تسريع عملية إنجازها وضمان متابعة تنفيذها بشكل فعال.

الحلول الرسمية لا تكفي

ورغم الجهود الرسمية لعلاج أزمة المشاريع المتوقفة، ترى الباحثة ألفة السلامي، أنها لا تكفي حيث يتطلب إنجازها حلولاً جذرية ومتكاملة، وأهمها تحسين البيئة التنظيمية وتبسيط الإجراءات.

وتقترح السلامي في حديث لـ«إرم بزنس» ضرورة توحيد الصلاحيات لتسريع إنجاز المشاريع، كما دعت إلى إنشاء منصة رقمية موحدة تُسهل للمستثمرين متابعة مراحل تقدم مشاريعهم والحصول على الوثائق المطلوبة في أسرع وقت.

بالإضافة إلى أهمية إعادة هيكلة التمويل، وتخصيص موارد مالية إضافية واستقطاب دعم مالي من المؤسسات الدولية لضمان استكمال المشاريع المتوقفة، حيث سيضمن تمويلاً مستداماً لها دون زيادة الأعباء على الموازنة.

وتؤكد الباحثة أهمية التنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة، لأن غياب التنسيق بينها أدى إلى تعطيل العديد من المشاريع خلال السنوات الماضية، ويجب على الدولة تطوير آليات تعاون فعالة، مشددة على ضرورة تفعيل دور القطاع الخاص الذي يجب إشراكه مع القطاع العام في تمويل وإنجاز المشاريع العمومية، وهو ما يساعد في تخفيف العبء على الموازنة، خاصة في القطاعات التي تتطلب استثمارات كبيرة كالطاقة والبنية التحتية.


هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من إرم بزنس

منذ ساعة
منذ ساعة
منذ 30 دقيقة
منذ 26 دقيقة
منذ 11 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 3 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 13 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 6 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 6 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 16 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 12 ساعة
منصة CNN الاقتصادية منذ 9 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 9 ساعات