صهر صدام حسين يحكي عن أن الرئيس العراقي الأسبق طلب منه أن يعرض عليه أي شكاوى حتى ولو كان ضد عديّ وقصيّ. الحلقة الثانية من حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور جمال مصطفى السلطان #خاص_الشرق_الأوسط

لم يتوقع المحيطون بصدام حسين أياماً قاسيةً من قماشة التي عاشوها معه في المعتقل. لم يخطر ببالهم أن تلقي الآلة العسكرية الأميركية بكامل ثقلها فيتداعى النظام ويسقط مع الحزب والجيش، وأن تتقدم قوى حليفة لإيران إلى مواقع القرار في النظام الجديد.

دار الزمان دورة صاعقة وكاملة. الرجل القوي الذي كان ممسكاً بالمصائر تحوّل سجيناً مع شعوره أن موعد إعدامه آتٍ وإن تأخر قليلاً. كان الرجل عنيداً حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. لم تنكسر إرادته ولم يطلب لشخصه شيئاً من سجّانيه. ساهم في رسم صورة ما بعد إعدامه. وأعطاه الحكام الجدد فرصة تثبيت هذه الصورة باختيارهم توقيت الإعدام والتعرض بعده لجثته.

أركان القيادة الذين كانوا يتحلقون حول رئيسهم على طاولة مجلس قيادة الثورة أو مجلس الوزراء توزعوا هذه المرة في زنزانات المعتقل. استجوبهم أميركيون واستجوبهم عراقيون وكان الإعدام مدرجاً منذ البداية على جدول الأعمال.

في هذه الحلقة يتحدث الدكتور جمال مصطفى السلطان عن رحيل رفاقه وأقاربه إلى حبل الإعدام. سيروي أيضاً كيف تزوج حلا أصغر بنات الرئيس صدام حسين، ويتحدث عن السلوك العائلي لصدام وهواياته، وهنا الحلقة الثانية:

سألت جمال مصطفى السلطان عن أبرز الذين أُعدموا خلال وجوده في المعتقل والظروف التي رافقت إعدامهم والملابسات فأجاب:

«السيد الرئيس والأستاذ طه ياسين رمضان، نائب رئيس الجمهورية، وخالي علي حسن المجيد، عضو مجلس قيادة الثورة، وخالي الآخر عبد حسن المجيد، وعواد البندر، وكيل رئيس الديوان، وبرزان إبراهيم الحسن، الأخ غير الشقيق للرئيس، والفريق عبد حمود، سكرتير السيد الرئيس، وفاروق حجازي، وهو كان معاوناً لمدير المخابرات في مرحلة ما ثم سفيراً للعراق في تركيا.

لفهم ما رافق الإعدامات أحيلك إلى فيديو وزّع حديثاً لخضير الخزاعي النائب السابق لرئيس الجمهورية بعد الاحتلال. يعترف الخزاعي بالصوت والصورة أنه لم يجد ما يبرر حكم الإعدام الذي أصدرته المحكمة بحق الفريق عبد حمود. أخطر ما في الأمر اعترافه بأنه ذهب إلى إيران وتشاور مع مرجع قضائي هناك أورد اسمه، وأن الأخير شجعه على التوقيع ففعل. والحقيقة أننا شعرنا منذ البداية أن المحكمة أداة انتقام تعمل بأوامر إيرانية. أبلغوا عبد حمود بنقله إلى المستشفى، وفي المساء قال لنا الحراس إنهم نفذوا بحقه حكم الإعدام.

السيد الرئيس كان يتوقع أن يُعدم. والحقيقة هي أن مجرد وجوده حياً ولو في السجن كان يثير قلقهم. ويمكنني الجزم أن أعضاء القيادة واجهوا بشجاعة قرار إعدامهم ولم يبدر منهم أي ضعف أو يرف لهم جفن. ذات يوم أبلغوا برزان وعواد البندر بقرار الإعدام. كنت أمارس الرياضة مع عواد ولا أبالغ إن قلت إنه كان محتفظاً بتفاؤله. أخذوا برزان وبندر لتنفيذ الحكم ثم أعادوهما وأرجأوا التنفيذ إلى موعد لاحق ثم أعدموهما في اليوم نفسه. وفي موعد آخر عرفنا من الحراس أنهم أعدموا عبد حسن المجيد وفاروق حجازي وهادي حسن (ضابط في المخابرات).

سأعطيك فكرة عما كان يجري. ذات يوم لفقوا لي تهمة مفادها أنني أعطيت قبل الاحتلال السيد خميس الخنجر (سياسي سُنّي) مبلغ مائتين وخمسين مليون دولار. طبعاً لا أساس لهذا الكلام. قالوا لي: إذا لم تعترف بذلك ستبقى في السجن طيلة عمرك.

رفضت أن أخضع وقلت لهم إن علاقتي به عادية كوني كنت مهتماً بملف العشائر. عادوا إليّ لاحقاً بسيناريو مختلف. قالوا ننقلك إلى السفارة العراقية في الأردن وتعترف هناك بأنك سلّمته المبلغ، وبعد الاعتراف يطلق سراحك في عمّان مع مبلغ مالي ضخم. أجبت أنني لن أفعل مهما كان العرض ولن أتخلى عن قيمي للإيقاع بخميس الخنجر الذي كان صديقي. لفقوا لي لاحقاً تهمة المشاركة في عملية تجفيف الأهوار ولم تكن لي أي علاقة بهذا النوع من الملفات».

الاتصال الأول بعد الإعدام

سألته متى اتصل بزوجته حلا لتعزيتها بعد إعدام والدها الرئيس، وكيف كانت أوضاع والدتها السيدة ساجدة خير الله طلفاح التي تعيش معها فأوضح: «بعد خمسة أيام من استشهاد السيد الرئيس، اتصلت بعائلتي فتحدثت مع زوجتي ووجدتها تتمتع بمعنويات عالية جداً وكان إيمانها وصبرها عاليين جداً وفي الوقت نفسه سألتها عن عمتي السيدة أم عدي فطمأنتني وقالت لي إن معنوياتها عالية على رغم الألم. حقيقة المصاب كبير وجلل والتضحيات عظيمة ولكن الله سبحانه وتعالى حباها بالإيمان والصبر والعزيمة والهمة، وكانت الحقيقة قوية جداً، الله يعطيها الصحة والعافية ويطول بعمرها لأننا دائماً نستمد القوة منها والإصرار على المضي في هذا الاتجاه. خسرت عمتي نجليها عدي وقصي ثم خسرت زوجها. وهي في الحقيقة لعبت منذ البداية دوراً كبيراً في دعم زوجها السيد الرئيس منذ بدأ نضاله. كانت تسانده وتدعمه في عمله إلى أن وصل إلى القيادة واستمرت تسانده وتقف إلى جانبه وكان لها دور كبير».

بداية الرحلة مع الرئيس

يسترجع جمال مصطفى بداية رحلته مع صدام حسين على الشكل الآتي: «كان ذلك عندما باشرت عملي بالحماية الخاصة المرافقة للسيد الرئيس. أول لقاء حصل معه ورأيته. ربما كان لدي تصوّر مثل بعض العراقيين والعرب والإخوان أنه شخص صعب، لكن حقيقة رأيته إنساناً أبوياً. عندما تتعامل معه وتقترب منه تتكون لديك رؤية مختلفة عما كنت تعتقده، لأن تعامله أبوي جداً. هذا أول لقاء معه.

سألني عن اسمي ومن أكون. نحن أبناء العشيرة نفسها ونلتقي معه في الجد الرابع أي أننا (أبناء) أعمام. والدتي أيضاً ابنة عمه. في كل الاتجاهات نحن (أبناء) أعمام.

رافقت السيد الرئيس الله يرحمه قرابة 20 سنة، بدءاً من الحماية ثم كلفني بعمل شؤون المواطنين، أي الاهتمام باحتياجاتهم ومشاكلهم ومقابلاتهم معه. كان يهتم جداً بشأن المواطنين ولا يسمح بأن يظلم واحد منهم ويهتم بمعالجة المسائل لأي مواطن إذا كانت لديه مشكلة في الجانب المادي أو علاج أو أي جانب من الجوانب التي يحتاجها المواطن. وحقيقة، كان كثير من القوانين يتغير آنذاك بناء لشكوى قدمها مواطن. تُغيّر أو تُعدّل من خلال شكاوى المواطنين.

كان هناك هاتفان في مكتب السيد الرئيس ولهما اتصال بمكتبي. من لديه مشكلة يستطيع أن يتصل بالسيد الرئيس من خلال تليفونات المواطنين وأنا كنت أجاوب على اتصالاتهم وأسمع مشاكلهم وبعدما أسمع مشاكلهم أحدد لهم مقابلة السيد الرئيس وأحياناً أطلب من المتصل أن يحضر الطلب لنعالج له مشكلته. فكان أحياناً يدخل على التليفون ويتحدث معي ويقول لي: ما هو موضوع المواطن؟ فأخبره، فيقول لي: أعطني المواطن لأتحدث معه. وفعلاً يستمع له ويقول له تعال غداً إلى استعلامات المجلس الوطني لمواجهتي وفعلاً يأتي. وفي القصر الجمهوري والمجلس الوطني كانوا يتلقون طلبات المواطنين ويجلبونها إلى الاستعلامات فتصلنا ونوصلها إلى السيد الرئيس. وهكذا يلتقي خلال الأسبوع مئات المواطنين ويحل مشاكلهم وكان يهتم جداً بهذا الجانب.

أحكي كشخص تعامل معه عن قرب. إنسان حقيقة لا تستطيع أن تصفه ولم أر إنساناً بمثل هذه الطباع. يصغي ويهتم ثم يوجه بالحل. عندما كنت أعرض عليه أمراً أقول له: الموضوع الفلاني كذا كذا. يصغي إلى أن أكمل، ثم يطرح علي ويقول لي: باعتبار هذا العمل عملك واختصاصك، ما هو رأيك؟ فأعطيه رأيي ويأخذ به.

من خلال عملي أسوق لك بعض الأمثلة حصلت معي. كان هناك مؤتمر للشعراء في عمّان، وذهب إليه الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد، وهناك حصلت لقاءات مع عراقيين وغير عراقيين، وهناك من قال له: لماذا لا تبقى أو حاول أن يبقيه في عمّان. كان ذلك قبل الحرب بفترة قصيرة. الرجل ربما تأثر بالكلام الذي قالوه له وكتب رسالة إلى عائلته يحثها على الالتحاق به في عمان. رسالته وقعت في يد جهاز المخابرات. طبعاً أجهزتنا كانت، رغم ظروف الحصار، قوية. جاءتنا الرسالة. بعثتها المخابرات في كتاب وقالوا إن هذا ما حصل مع عبد الرزاق عبد الواحد وهو يحث عائلته على الالتحاق به في عمّان.

عادة عندما تأتيني أمور كهذه،.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشرق الأوسط

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الشرق الأوسط

منذ 11 ساعة
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 9 ساعات
قناة العربية منذ 12 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 6 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 21 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 8 ساعات
قناة العربية منذ 17 ساعة