في شهر نوفمبر/ تشرين ثاني عام 1915 عرض العالِم ألبرت أينشتاين نظرية النسبية أمام الأكاديمية البروسية للعلوم.
ولعل أهم نتيجة لنظرية أينشتاين هي أننا نعرف اليوم، بفضلها، مكونات الكون بشكل أفضل. فنحن نعرف بأن المادة العادية التي منها صُنع كل شيء حولنا تكِّون فقط حوالي 5 بالمئة من الكون، وحوالي الـ 25 بالمئة منه هي مادة معتمة لا نعرف ما هي ولكننا نعرف صفاتها. وأما الـ 70 في المئة الباقية من الكون فهي على شكل طاقة معتمة، لا نعرف عنها الكثير سوى أنها تدفع الكون للتسارع بالانتشار، كما يفعل الثابت الكوني الذي اقترحه أينشتاين عام 1917.
كما تمكننا هذه النظرية أيضا من أن نعرف تاريخ الكون وماذا حدث له في مراحله المختلفة، منذ بدايته وحتى الآن. فأجمل وأعمق ما تمخضت عنه النظرية النسبية العامة، هو أنه بفضل أينشتاين ولأول مرة في تاريخنا كبشر، نحن نفهم علميا قصة كوننا.
وهنالك كثير من التطبيقات العملية لنظريات أينشتاين مثل استعمال نظام الملاحة العالمي (جي بي إس)، الذي يمكننا من الملاحة والتموضع بواسطة الأقمار الصناعية. لكن أهم إنجازاته هي الإنجازات الفكرية التي تمكننا من فهم كوننا وواقعنا الموضوعي بعمق.
فما هي قصة أينشتاين؟ وما هي حكاية نظريته؟ تقول دائرة المعارف البريطانية إن ألبرت أينشتاين وُلد في 14 مارس/آذار من عام 1879 في أولم في فورتمبيرغ بألمانيا وتوفي في 18 أبريل/نيسان من عام 1955 في برينستون بنيو جيرسي في الولايات المتحدة، وهو عالم فيزيائي ألماني المولد طور النظريات الخاصة والعامة للنسبية وفاز بجائزة نوبل للفيزياء في عام 1921 لتفسيره للتأثير الكهروضوئي.
ويعتبر أينشتاين عموماً الفيزيائي الأكثر تأثيراً في القرن العشرين.
وكان والدا أينشتاين من اليهود العلمانيين من الطبقة الوسطى. وكان والده، هيرمان أينشتاين، في الأصل بائع أسِرة، ثم أدار لاحقا مصنعا. أما والدته، بولين كوخ، فقد كانت ربة منزل. وكان لديه أخت واحدة هي ماجا التي وُلدت بعد عامين من ألبرت.
وقد تأثر في سنواته الأولى بأمرين، الأول كان حصوله على بوصلة في سن الخامسة فقد أصابته الحيرة من تلك القوى غير المرئية التي تؤدي لانحراف الإبرة. وحدث الأمر الثاني في سن الثانية عشرة عندما اكتشف كتابا للهندسة التهمه، ووصفه بأنه "كتاب الهندسة الصغير المقدس".
وبات أينشتاين شديد التدين في سن الـ 12 حتى أنه قام بتأليف العديد من الأغاني في مدح الرب وترديد الأغاني الدينية في طريقه إلى المدرسة.
لكن ذلك بدأ يتغير بعد أن قرأ كتبا علمية تناقض معتقداته الدينية.
وكان هناك تأثير مهم آخر على أينشتاين وقد تمثل ذلك التأثير في طالب الطب الشاب ماكس تالمود (لاحقا ماكس تالمي)، الذي غالبا ما كان يتناول العشاء في منزل أينشتاين.
فقد أصبح تالمود مدرسا له حيث قاد أينشتاين للتعرف على الرياضيات والفلسفة.
وقد حدثت نقطة تحول محورية في حياة أينشتاين عندما كان يبلغ من العمر 16 عاما، حيث عرفه تالمود على سلسلة علوم الناشئين التي كتبها آرون بيرنشتاين وهي كتب مبسطة في الفيزياء.
وهنا طرح أينشتاين على نفسه السؤال الذي سيهيمن على تفكيره خلال السنوات العشر القادمة وهو.. كيف سيبدو شعاع الضوء إذا كان بإمكانك الركض بجانبه؟ فإذا كان الضوء عبارة عن موجة فيجب أن يظهر شعاع الضوء ثابتا مثل موجة مجمدة.
وتعطل تعليم أينشتاين بسبب إخفاقات والده المتكررة في العمل. وفي عام 1894، بعد أن فشلت شركة الوالد في الحصول على عقد مهم لتزويد مدينة ميونيخ بالكهرباء انتقل هيرمان أينشتاين إلى ميلان للعمل مع أحد أقاربه وترك نجله في مدرسة داخلية في ميونيخ لينهي تعليمه.
وهرب أينشتاين بعد ستة أشهر متوجها إلى والديه لشعوره بالوحدة واحتمال تجنيده في الخدمة العسكرية وهو الأمر الذي بدأ يلوح في الأفق عندما بلغ من العمر 16 عاما.
وقد أدرك والداه المشاكل الهائلة التي يواجهها نجلهما كمتسرب من المدرسة وهارب من الخدمة العسكرية بدون مهارات وظيفية، حيث لم تكن آفاقه واعدة.
وقد ألحقه والداه بمدرسة ثانوية خاصة يديرها جوست وينتلر في أراو في سويسرا، وتخرج عام 1896 ليلتحق بمعهد زيورخ الفيدرالي للتكنولوجيا، كما تخلى عن جنسيته الألمانية في تلك الفترة.
وقد ظل عديم الجنسية حتى عام 1901 عندما حصل على الجنسية السويسرية. وقد أصبح صديقا مدى الحياة لعائلة وينتلر، التي كان يقيم معها.
وربما وصل أينشتاين في عام 1902 إلى أدنى نقطة في حياته، حين لم يستطع الزواج من حبيبته وزميلة دراسته ميليفا ماريك التي غادرت سويسرا إلى بلدها صربيا بعد حملها نظرا لعدم قدرة أينشتاين على إعالة أسرة بدون عمل كما أفلس والده.
وعمل أينشتاين في تلك الفترة في وظيفة متواضعة لتعليم الأطفال، لكن حتى تلك الوظيفة طُرد منها.
وجاءت نقطة التحول في وقت لاحق من ذلك العام، عندما تمكن والد صديقه مارسيل غروسمان من ترشيحه لمنصب كاتب في مكتب براءات الاختراع السويسري في برن.
وكانت وظيفة أينشتاين في مكتب براءات الاختراع نعمة، حيث ينتهي سريعا من تحليل طلبات براءات الاختراع ليتوفر له الوقت ليدرس ويطلق العنان لأحلامه وتطلعاته العلمية.
الحياة الخاصة ومع دخل صغير ولكنه ثابت لأول مرة، شعر أينشتاين بالثقة الكافية للزواج من ميليفا ماريك، وهو ما فعله في 6 يناير/كانون الأول من عام 1903.
في ذلك الوقت، أصيب والد أينشتاين بمرض خطير وقبل وفاته بقليل بارك زواج ابنه من ميليفا ماريك.
لكن هل كانت هناك مشكلات في سبيل زواجهما؟
"عارضت أمه زواجهما بشدة،" هو التفسير الذي خرج به هانوش غاتفرويند، أحد مؤلفي كتاب "أينشتاين عن أينشتاين: تأملات في سيرته الذاتية والعلمية".
وقال غاتفرويند لـ بي بي سي إن والدة أينشتاين شعرت أن هذا الزواج سيفسد مستقبله: "حتى أنها حذرته من أن حملها (ميليفا) سيكون كارثة. وكان الحمل خارج نطاق الزواج فضيحة كبرى آنذاك".
ويكشف غاتفرويند إن الاثنين كانا مغرمين ببعضهما البعض. ويرجح أن علاقتهما بدأت عندما كان أينشتاين في الثالثة والعشرين، وكانت ميليفا في التاسعة عشرة.
وكان الاثنان يدرسان الفيزياء في معهد زيورخ الفيدرالي للتكنولوجيا، إذ كانت ميليفا هي الطالبة الوحيدة في الصف، وثاني امرأة تتخرج في قسم الرياضيات والفيزياء.
ويقول والتر إيزاكسون، مؤلف كتاب "أينشتاين: حياته والكون"، إن خطابات أينشتاين تكشف عن قوة مشاعره تجاه ميليفا بقدر ما تكشف عن رفض والدته لها.
وكتب في أحد خطاباته: "ينتحب والداي وكأنني مت. يكرران الشكوى بأنني جلبت العار لنفسي بإخلاصي لك. هما يظنان أنك لست بصحة جيدة".
لكن أينشتاين ساير قلبه. وكتب إلى ميليفا أثناء حملها، يعدها بأنه سيكون زوجا جيدا. "المشكلة الوحيدة الباقية أمامنا هي أن نجد طريقة لتبقى ليزيرل (ابنتهما الوليدة) معنا. لا أريد أن أتخلى عنها".
ولدت ليزيرل، الإبنة الأولى لألبرت أينشتاين وميليفا ماريك، عام 1902، وهما غير متزوجين بعد.
ويقول روزنكرانز إن مصير هذه الابنة مجهول "فلا ندرى ما حدث لها بالتحديد بعد ميلادها بعامين. ضاعت ذكراها في تاريخ والدها".
وعلم أينشتاين جيدا مدى صعوبة أن يكون له "طفل غير شرعي" في المجتمع، خاصة بالنسبة لشخص يريد أن يصبح مسؤولا عموميا ذا شأن كبير.
ويبدو أن أينشتاين لم ير ابنته نهائيا، فحين أتى موعد عودة ميليفا إلى سويسرا، تركت ليزيرل مع أقاربها في صربيا.
كما يقول روزنكرانز إن بعض الصحفيين والمؤرخين "ذهبوا إلى صربيا وحاولوا اقتفاء أثر ليزيرل والبحث في أي وثائق أو سجلات أو أوراق رسمية، لكن بائت محاولاتهم بالفشل".
وأضاف: "آخر ذكر لها كان وهي بعمر العامين، إذ أصيبت بحمى شديدة، ولا نعرف إن كانت عاشت بعدها".
واختفاء أي ذكر لـ ليزيرل بعد ذلك أثار كثيرا من التكهنات. "ربما عرضوها للتبني، وربما ماتت. لا نعرف" على حد قول روزنكرانز.
وأغلب الظن أن أينشتاين، الذي توفي عام 1955، لم يخبر أحدا عن ابنته.
حتى أن فريق "وثائق أينشتاين" لم يعلم بوجود الابنة قبل عام 1986، عندما اكتشفوا جزءا من مراسلاته مع ميليفا.
وبحلول عام 1903، عادت ميليفا من صربيا، وتزوجا، وفي العام التالي، رُزقا بابنهما هانز ألبرت. أما ابنهما إدوارد فقد ولد في عام 1910 بعد انتقال العائلة إلى مدينة زيورخ.
وظل أينشتاين يشعر بحزن شديد، عندما يتذكر أن والده قد مات وهو يعتقد أنه فاشل.
مأساة الابن الأصغر كما كانت هناك قصة حزينة أخرى في حياته تتعلق بنجله الأصغر.
ويقول زييف روزنكرانز، رئيس تحرير مشروع "وثائق أينشتاين": "أعتقد أن أينشتاين وجد صعوبة في التأقلم مع مرض ابنه العقلي".
فإدوارد، أو تيتي كما أطلقوا عليه، كان أصغر أبناء أينشتاين.
وكانت الأسرة قلقة بشأن صحته البدنية منذ صغره، إذ لم تظهر مشاكل صحته العقلية حتى أصبح بالغا.
ويقول روزنكرانز لـ بي بي سي إن "حياته كانت شديدة المأساوية".
وعند إصابته بالتهاب رئوي عام 1917، كتب أينشتاين إلى أحد أصدقائه: "حالة ابني الأصغر الصحية تصيبني بكثير من الإحباط".
ورغم ذلك، "تفوق إدوارد في دراسته، وكان مهتما بالفنون، ينظم الشعر ويعزف على البيانو" كما ورد في كتاب "موسوعة أينشتاين".
وانخرط إدوارد في نقاشات مع والده حول الموسيقى والفلسفة، والتي قال عنها أينشتاين إنها كشفت له أن ابنه "يجهد عقله.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي