التهجي الموسيقي #مقالات

تحدَّثَ المتأملون عن مصادرِ الجَمال في القرآن، وطرقوا أبوابًا تنحو نحو الإعجاز العاديّ وما فوقَ العادي، وربما التفتوا إلى أنَّ موسيقاه مبهرة، وهو ما يَجذب السامعَ له قبل أن يفهم المعنى، لهذا هل يمكن أن تكون الحروف المقطّعة موسيقى معنوية في ذاتها؟ فنحن نتلو: «حم» هكذا: (حا ميم) بمَدِّ الألفِ مدًّا يَصعد بالروحِ إلى السماء، ثم النزول مع لفظِ (ميم) نزولًا يُشجي السمعَ، ويُذكّره أنَّه على الأرض، وبهذا يكون اللسانُ يُغنّي بحرفين ساكنين، كل حرف على حدة، وقد قيل إنَّ الغناء سُمّي غناءً؛ لأنه يُستغنَى به عن الأحاديث، والأحاديث -هنا- هي التي تتطلَّب المعنى المتداول حين تجتمع الحروف، فجاءت الحروفُ المُقطَّعة؛ لتُغنِي الروحَ بالمعنى الموسيقي.

الحروفُ المقطّعة سُمِّيَت مقطّعة؛ لأنَّها في مَوضعِ تَهجٍّ، أي تقطيع اللفظةِ بحروفها مع حركاتها، وسُمّيت حروفًا؛ لأنَّ الحرفَ من كلِّ شيءٍ ناحيته، أو طرفه؛ لهذا يُقال: (حرف الجبل) أي طرفه، ويُقال (انحرف باتّجاه اليمين)، أي أنَّه نحا نحو اليمين، وهذا يعني أنَّ اليمينَ طرف في الطريق، وجزء منه، والحرف طرف الكلمةِ وجزء منها لا يستقيم الكلام إلا به، سواءً كان حرف مبنى أم حرف معنى؛ لهذا يُطلَق الحرفُ على القراءةِ القرآنية، كما يُقال (حرف ابن مسعود)، وبهذا تكون الحروفُ المقطّعةُ هي الموسيقى التي قُطِّعَت معانيها؛ لتكون إيقاعًا خاصًا لكلِّ قارئ. ولكنَّ المهم أنَّنا نتلو الحروفَ المقطّعة -في مطلع السور- كأنَّنَا نتهجّى الكلمات؛ لأنَّنَا نَجهل المعنى الدقيق، ثم نتلو ما بعدها بنغمةٍ أخرى مُتَّصلة كالذي يَعرف المعنى بثقة؛ فلفظُ (التَهجّي) يُصاحِبُ التَدرّبَ على القراءةِ عند الجاهل، وهذا ما سينقلني إلى سؤال: هل في الموسيقى والغناء حروف مقطّعة؟ هل نُغنّي ونكتُب الموسيقى بثقةِ العارفِ، أم بجهالةِ المُتهجّي، أم بالجمعِ بينهما كالقرآن؟

من أشهر القَصائد المُغنّاة (أعطني النَّاي وغنِّ)، وهي جملة ضمن قصيدةٍ طويلةٍ لجبران خليل عنوانها (المواكب)، وهي مواكبُ حياةِ الإنسانِ بين المدينة التي يُمثّلها واقعُ التناقضات المُضلِّلة، والغابة التي يُمثلها عالم الوحدة الذي ينفي المتناقضات، وتنتهي فقرة الغابة دومًا بــمقطع (أعطني الناي وغنِّ)، وتقود المواكبَ فرقةٌ تُوصِل الموسيقى إلى ذروةِ التجلّي الوجودي.

أهمية هذا الحوار بين المدينة والغابة أنه يُنتِج معنى الغناء والتساجل في ذاتها، وطالما أنه يُنتِج الغناءَ في ذاتِه فإنَّه مدعاة إلى جعل المعنى العميق لا يظهر مباشرة، وإذا تحولت هذه الحوارية إلى أن تُغنَّى بصوتِ فنانةٍ يسمعها العالم العربي كله، فإنَّ ذلك سيُضيع المعنى العميق أضعافًا مضاعفة، والمراد أنَّ هذه القصيدة الحوارية الطويلة تغوص في معنى الحياة وتناقضاتها وصوتٍ خارجها يسكن الغابةَ، وينتصر للموسيقى -ضدَّ الكلام والألفاظ والمعاني المتداولة- ولمَّا وصلت إلى أسماعِ الناسِ -عبر صوتِ فيروز العابر لأوطانِ العرب- أنسى السَّامعَ أنَّ القصيدةَ.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن السعودية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الوطن السعودية

منذ 4 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 9 ساعات
صحيفة عكاظ منذ 10 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ 10 ساعات
صحيفة عكاظ منذ 15 ساعة
صحيفة عكاظ منذ 15 ساعة
صحيفة سبق منذ 6 ساعات
صحيفة سبق منذ 18 ساعة
صحيفة سبق منذ 4 ساعات
قناة الإخبارية السعودية منذ 20 ساعة