اتخذت مسيرة «تيك توك» نحو البقاء في السوق الأميركية منعطفاً حاسماً، نظراً لدوره في ظل التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين.
وجاءت هذه التوترات نتيجة المخاوف الأميركية من النفوذ الصيني، واحتمال استخدام التطبيق لجمع بيانات المستخدمين الأميركيين، أو التأثير على المحتوى بما يخدم مصالح بكين.
وفي مايو الماضي، أقرّت الولايات المتحدة قانوناً يهدف إلى حظر «تيك توك»، ما لم يقم مالكه الحالي، شركة «بايت دانس» الصينية، ببيعه بحلول يناير المقبل. حيث أقرّ مجلس الشيوخ نصاً وقّعه الرئيس الأميركي جو بايدن في أبريل الماضي، يلزم الشركة الأم ببيع التطبيق خلال 12 شهراً، وإلا سيُسْتَبْعَد من متاجر أبل، وغوغل بلاي، في الأراضي الأميركية.
في هذا السياق، برز دور طوني الصايغ، الذي كان يتولّى إدارة العلاقات العامة في واحدة في شركة «سوسكوهانا إنترناشيونال غروب»، أحد أبرز المستثمرين في شركة «بايت دانس» المالكة للتطبيق، كما أصبح مستشاراً غير رسمي للتطبيق الصيني لمساعدته في النجاة وسط التوترات الجيوسياسية بين القوى العظمى، وفق تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال».
وأفادت الصحيفة بأن الصايغ بادر بالتحرك فور إعلان إدارة بايدن، في مارس، دعمها لهذا التشريع، واستثمر الصايغ علاقاته الوطيدة بدائرة المقربين من دونالد ترامب، الذي كان حينها المرشح المحتمل للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية.
وتحالف الصايغ مع مستشاري ترامب المقربين، مُدافعاً عن فكرة أنه من غير الحكمة منح الانتصار لكل من بايدن، الذي سيبدو قوياً في مواجهة الصين، ولشركة ميتا (مالكة فيسبوك) التي كان يعتقد ترامب أنها ساهمت في تراجع فرص إعادة انتخابه في 2020.
وبعد ساعات من إعلان البيت الأبيض دعمه لحظر «تيك توك»، ظهر ترامب ليعلن تأييده للتطبيق، قائلاً على منصته «تروث سوشيال»: «إذا تم التخلص من تيك توك، سيضاعف فيسبوك، وزوكيربيرغ، أعمالهما».
تفاؤل داخل «تيك توك»
أثار دعم ترامب موجة من التفاؤل داخل الشركة، خاصة بعد فوزه بالانتخابات الأخيرة. ويرى المديرون التنفيذيون في «تيك توك» أن هذا النصر يمنحهم فرصة جديدة لتعزيز وجود التطبيق في الولايات المتحدة، حيث يمتلك قاعدة مستخدمين ضخمة.
ومع ذلك، ما زالت هناك تحديات كبيرة، إذ إن التشريع الذي يُلزم التطبيق إما بالبيع أو الحظر قد أُقر بتأييد الحزبين.
ورفعت «تيك توك» دعوى قضائية، في مايو، للطعن على القانون، ومن المتوقع صدور قرار المحكمة في ديسمبر. إذا خسرت «تيك توك» الدعوى، فإنها قد تواجه الحظر أو البيع بحلول 19 يناير، أي قبل يوم واحد من تولّي ترامب منصبه.
دور الصايغ
لعب الصايغ دوراً رئيساً في المناورات الإستراتيجية لـ«تيك توك». وهو ابن مهاجرين لبنانيين، شق طريقه المهني من التعليق الإعلامي على «فوكس نيوز».
وفي إدارة ترامب السابقة، شغل الصايغ منصب مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون العلاقات العامة. وبعد ذلك، أصبح رئيساً لشؤون العلاقات العامة في شركة «سوسكوهانا إنترناشونال غروب»، واستفاد من شبكة علاقاته وخبراته لتعزيز موقف الشركة التي تمتلك حصة كبيرة في «بايت دانس».
واستخدم جيف ياس، المؤسس المشارك لـ«سوسكوهانا إنترناشونال غروب» والمتبرع البارز للحزب الجمهوري، نفوذه لحشد المعارضة المحافظة ضد حظر «تيك توك». كما دعمت الشركة جهود الصايغ في محاولة فصل «تيك توك» عن «بايت دانس» للتخفيف من المخاوف الأمنية.
حملة سياسية شاملة
وفقاً للتقرير، سعى المديرون التنفيذيون في «تيك توك» إلى بناء تحالفات سياسية. وبالإضافة إلى جهود الصايغ، استعانت الشركة بإيلون ماسك، مالك منصة «إكس» المنافسة وأحد حلفاء ترامب المقربين، للحصول على رؤى حول الإدارة المقبلة. كما استعانت بشركة «بالارد بارتنرز»، المرتبطة بشكل وثيق بترامب، لتعزيز جهودها في الضغط السياسي.
واستهدفت الشركة أيضاً مؤثرين محافظين، مثل: تاكر كارلسون، وتشارلي كيرك، للتأثير على الرأي العام، بينما حافظ بيل فورد، عضو مجلس إدارة «بايت دانس»، على تواصله مع دائرة ترامب. وقدمت زوجة فورد أكثر من 800 ألف دولار لدعم ترامب ومجموعات محافظة، مما يظهر عمق الروابط السياسية لـ«تيك توك».
وفي محاولة لتعزيز دعم ترامب، اقترح الصايغ انضمام ترامب إلى «تيك توك»، مشيراً إلى قدرة التطبيق على جذب الناخبين الشباب. وبالفعل، أطلق ترامب حسابه على «تيك توك» في يونيو، معلناً نيته «إنقاذ تيك توك».
مستقبل غير مؤكد
رغم أن رئاسة ترامب توفر فرصة لـ«تيك توك»، إلا أن الطريق ما زال محفوفاً بالتحديات. فحتى مع الدعم الرئاسي، يتطلب تعديل القانون أو الالتفاف عليه مواجهة عقبات قانونية وسياسية. وأكد السيناتور ريتشارد بلومنتال أن الرئيس المنتخب لا يمكنه تجاهل القانون، وأي تغييرات ستتطلب موافقة الكونغرس.
ويأمل المديرون التنفيذيون في «تيك توك» أن يؤخّر ترامب تنفيذ الحظر، أو يتوصل إلى صفقة تسمح للتطبيق بمواصلة العمل في الولايات المتحدة. ورغم هذه العقبات، يبرز دور الصايغ في مواءمة أجندة «تيك توك» مع المصالح السياسية لترامب كأحد أبرز مظاهر مرونة التطبيق الإستراتيجية.
وفي ليلة الانتخابات، احتفل الصايغ والمديرون التنفيذيون لـ«تيك توك» في مركز مؤتمرات مقاطعة بالم بيتش بفوز ترامب بولاية ثانية. وحتى الآن، يبقى مستقبل «تيك توك» في أهم أسواقه رهيناً بالمناورات السياسية والمتغيرات في العلاقات الأميركية-الصينية.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس