شؤون عُمانية| ثرياء بنت محمد الحومانية تكتب: تأثير الأفكار الدخيلة على الترابط الأسري والهوية الوطنية. *المقال الفائز بالمركز الثاني في مسابقة صحيفة شؤون عمانية للمقال

ثرياء بنت محمد الحومانية- طالبة بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصحار

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، تبرز أهمية تعزيز الهوية الوطنية وترسيخ قيم الترابط الأسري، خاصةً في مجتمعات كالمجتمع العماني، الذي يتميز بخصوصيته الثقافية وقيمه الراسخة.

ومع الانفتاح على العالم من خلال التكنولوجيا الحديثة والتواصل العابر للحدود، تتسرب العديد من الأفكار الدخيلة التي قد تهدد تماسك الأسرة وخصوصية الهوية الوطنية.

الهوية الوطنية تُعرف بأنها مجموعة من السمات والمعتقدات والأفكار والقيم والتقاليد الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي تكونت خلال فترة زمنية طويلة وتميز مجتمعًا عن غيره وتجعل من أفرادها يشعرون بالفخر للانتماء لها (المعمري، 2022).

ويمكن لهذه الأفكار، مهما تنوعت أشكالها ومظاهرها، أن تهدد تماسك الأسرة وخصوصية الهوية الوطنية، وبغض النظر عن مصدرها، يمكن أن يكون لهذه الأفكار تأثير سلبي على القيم الاجتماعية الأصيلة.

ولذلك، ومن أجل الحفاظ على القيم الوطنية والتماسك الأسري، يجب على المجتمع والأسرة أن يلعبوا دورًا مستنيرًا وفعالًا في مواجهة هذه التحديات.

وفي هذا المقال سأتناول تعريف الأفكار الدخيلة وأمثلة عنها، وتأثيرها على الهوية الوطنية والترابط الأسري، ومن ثم سأناقش دور الأسرة في مواجهة هذه الأفكار الدخيلة والتمسك بالهوية الوطنية، كما سيوضح هذا المقال أهمية التوازن بين الانفتاح على الثقافات الأخرى والحفاظ على الهوية، ودور المجتمع العماني ككل في حماية الهوية الوطنية وتعزيزها للأجيال المقبلة.

تُعرّف الأفكار الدخيلة بأنها مجموعة من المفاهيم والتوجهات التي تأتي من خارج ثقافة المجتمع، وتتغلغل عبر وسائل الإعلام والأفلام وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة.

ومن خلال ملاحظتي، أرى أن الأفكار الدخيلة تتسلل إلى المجتمع كالنار الهادئة، تحرق الجذور بهدوء قبل أن يدرك أحد حجم الضرر.

ومن أمثلة الأفكار الدخيلة، التأثر بأنماط الحياة الأجنبية والمجتمعات الغربية، وغيرها من الأفكار التي تحيد عن ثقافة وأصالة المجتمع العماني ومعتقداته، وهذا النوع من التأثير قد يكون تدريجيًا، ولكنه قد يؤدي على المدى الطويل إلى تشويه الهوية الشخصية للأفراد وفقدان التماسك الاجتماعي والأسري.

وتؤثر الأفكار الدخيلة بطرق متعددة على الهوية الوطنية، فمن خلال ملاحظتي أن الاحتكاك بهذه الأفكار قد يولد صراعاً حاداً بين التمسك بالهوية والمعتقدات الاصيلة وبين الانجذاب إلى الإغراءات وعوامل الجذب التي تقدمها تلك المفاهيم والتوجهات الحديثة، وهذا الصراع قد يؤدي ببعض الأفراد إلى فقدان شعورهم بالانتماء إلى جذورهم، حيث يظهر هذا التأثير بشكل خاص لدى الأجيال الشابة، باعتبارهم من أكثر الفئات التي تنجذب نحو العولمة والتغيير وتميل إلى بشكل أكثر إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة والتي سهلت من الانفتاح على ثقافات العالم ومهدت طرق التفاعل معها.

وهذا الانفتاح الثقافي وما يجلبه من أفكار ومعتقدات جديدة أصبح واقعا يهدد ارتباط الأفراد بالعادات والتقاليد المحلية.

وبحسب ما قال الدكتور عبد الله أحمد جاد الكريم، العولمة هي عملية يتم بمقتضاها إلغاء الحواجز بين الدول والشعوب، فتنتقل فيها المجتمعات من حالة الفُرقة والتجزئة إلى حالة الاقتراب والتوحد، ومن الصراع إلى التوافق، ومن التباين والتمايز إلى التجانس والتماثل (جاد الكريم، ٢٠١٥) كما أن هذه الأفكار التي تبرزها العولمة والتغيرات العالمية تضعف الترابط الأسري، وتعزز الفردية والاستقلالية المفرطة، مما يتسبب في خلق فجوات بين أفراد الأسرة.

ولذلك، فإن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا يشجع على الفردية ويضعف الروابط الأسرية، كما أن الاعتماد على نماذج الحياة المستوردة يؤدي إلى نوع من الاغتراب الثقافي، حيث يشعر الأفراد بأنهم بعيدون عن جذورهم الأصلية (العفيفي،٢٠٢٣).

وتعد الأسرة العمانية بمثابة خط الدفاع الأول في المجتمع، وتعد حجر الأساس الذي يقوم عليه حماية أفراده من التأثيرات السلبية للأفكار الدخيلة، وتعمل على غرس وتعزيز القيم الثقافية والوطنية وتحرص على ترسيخها، إلى جانب ذلك فهي تسهم في تشكيل شخصية الأفراد وهويتهم وتجعلهم أكثر ثباتاً وتعينهم على مواجهة الأفكار الدخيلة.

وتلعب الأسرة دورا كبيرا في تقوية الروابط الاجتماعية، وتعزيز قيم التضامن والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، كما ان للأسرة دورا كبيرا في حماية الهوية الوطنيّة والثقافية عبر التواصل المستمر مع أفرادها، لأجل نقلها للأجيال المقبلة، فالأسرة العمانية تلعب دورًا هاما ورئيسيًا في حماية الأفراد من التأثيرات الخارجية، فهي التي تزرع في الأفراد منذ الصغر القيم الوطنية والأخلاقية التي تميز المجتمع.

ولتحقيق ذلك، تحتاج الأسرة إلى بذل جهود إضافية، مثل التحدث والتحاور مع الأطفال حول أهمية الهوية الوطنية والحفاظ عليها، وإشراكهم في الأنشطة التي تعزز ارتباطهم بتراثهم الثقافي، كذلك، يجب أن تتعاون الأسر مع المؤسسات التعليمية المختلفة لأجل تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على القيم المحلية في ظل التغييرات العالمية والأفكار الدخيلة.

ومن الضروري أن يتم تحقيق التوازن بين الانفتاح على الثقافات الأخرى والحفاظ على الهوية الوطنية، حيث تعتبر العولمة من بين أهم التحديات التي تواجه الهوية والثقافة الوطنية والقيم الاجتماعية، ولذلك لابد من تحقيق التوازن الدقيق كما أشار صامويل هنتنغتون (هنتنغتون،١٩٩٦).

ويجب على المجتمع العماني أن يعزز قيمه الوطنية لأجل مواكبة هذه التغيرات العالمية وتحقيق التوازن المطلوب، حيث يمكن تحقيق ذلك عبر تطوير البرامج والندوات التعليمية والتي تركز على التراث والثقافة العمانية والهوية الوطنية، وإعادة صياغة المناهج التعليمية لتتسع وتشمل القيم الوطنية والتوجه نحو العولمة ما تحمله من معرفة وخبرات عالمية، فلا بد من تمكين المجتمع على التكيف مع هذه التغيرات دون المساس بالهوية الوطنية والثقافية.

وفي ظل هذا السياق، يعد الإعلام أحد أهم الأدوات المهمة والتي تلعب دورا فعالا في تشكيل الوعي الثقافي لافراد هذا الوطن، وترسخ فيهم أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية في ظل التغيرات العالمية كالعولمة، فمن خلال وسائل الإعلام المختلفة مثل الصحافة الرقمية والتلفزيون والراديو وغيرها من وسائل الإعلام يمكن نقل القيم الاجتماعية والثقافة إلى أفراد المجتمع مما يعزز التماسك الاجتماعي.

ويعد الإعلام مساهما رئيسياً في تحقيق التوازن بين التمسك بالهوية الوطنية والثقافة الخاصة وبين الانفتاح على الأفكار والثقافات العالمية، لأن الإعلام يعد أداة قوية تسهم في تشكيل وترسيخ الهوية والثقافة الوطنية من خلال الآراء والأفكار التي يتم نشرها وتداولها عبر هذه الوسائل والقنوات الإعلامية.

وفي عصر الانفتاح العالمي تبرز الحاجة إلى تعزيز الترابط الأسري والهوية الوطنية، لأجل مواجهة الأفكار والثقافات الدخيلة التي قد تؤثر على ترابط المجتمع العماني وهويته، لأن الحفاظ على القيم والتقاليد العمانية أصبح يشكل تحديا في ظل التغيرات العالمية المتسارعة، لذا نتيجة لذلك أصبح من المهم التكاتف والتعاون بين أفراد الأسرة والمجتمع من أجل حماية هويتها للأجيال الجديدة القادمة وصونها من التأثيرات السلبية، وهذا ليس مسؤولية فردية فحسب بل هو جهد جماعي مشترك، وعلى الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية بمختلف أنواعها أن تدرك أن الهوية الثقافية والوطنية هي أساس قوة هذا الوطن وأن تعمل ككل على ترسيخ هذه الهوية بين أفراد المجتمع ومواجهة التحديات الحديثة كالعولمة والتكيف مع التغيرات العالمية بما لا يمس مع الهوية الوطنية والثقافة العمانية.

ومن الجهود التي يمكن تعزيزها، تنظيم حملات توعية لتعليم الأسر مقاومة التأثير السلبي للأفكار الخارجية، حيث تساعد مثل هذه الجهود في الحفاظ على المجتمع وتعزيز الروابط الأسرية ونقل القيم الوطنية إلى الأجيال القادمة وضمان التماسك الاجتماعي في مواجهة التغير العالمي السريع.

وبالإضافة إلى ذلك، يتطلب تعزيز الهوية الوطنية أيضًا تعزيز دور وسائل الإعلام في تشكيل الوعي الثقافي، وينبغي أن تركز وسائل الإعلام المحلية على المحتوى الذي يعكس القيم العُمانية، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الشعور بالانتماء، كما ينبغي تشجيع المجتمعات المحلية على المشاركة في المناسبات الثقافية والوطنية، مثل الأعياد والمهرجانات، حيث إن ذلك يعد فرصة لتقوية الروابط الأسرية وتعزيز الاعتزاز بالتراث.

ومن الضروري أيضا أن تدرج المؤسسات التعليمية القيم والتقاليد العمانية في المناهج الدراسية وذلك لغرس أهمية الهوية الوطنية في نفوس الشباب، إلى جانب تنظيم ورش عمل وندوات والدورات المجتمعية لأجل تعزيز التفاهم والتفاعل مع الثقافات المختلفة بشكل إيجابي لا يمس هويته هذا الوطن وتراثه.

وفي الختام، سيساهم التعاون الفعال بين الأسرة والمجتمع وسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات التعليمية ككل في الحفاظ على الهوية والثقافة الوطنية العمانية وضمان بقاء القيم والتقاليد في مواجهة التحديات العالمية.

المراجع:

1. دراسة. (د.ت.). الوصف. تم الاسترجاع من https://drasah.com/Description.aspx?id=7621

2. الرؤية. (2021، 24 فبراير). الهوية الوطنية: الأهمية والدلالة. تم الاسترجاع من https://alroya.om/post/303765/الهوية-الوطنية-الأهمية-والدلالة

3. اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (إسكوا). (2005، 19 ديسمبر). الأسرة ودورها في تعزيز التفاعل الواعي مع العولمة. تم الاسترجاع من https://www.unescwa.org/sites/default/files/event/materials/19dec05ghalioun.pdf

4. ميلينسكو. (د.ت.). أثر الأسرة في تشكيل التفاعل الواعي مع العولمة. تم الاسترجاع من https://milunesco.unaoc.org/mil-articles/أثر-الأسرة-في-تشكيل-التفاعل-الواعي-مع-و/

5. نقيب الهند. (د.ت.). العولمة اللغوية: تحدياتها وتبعاتها. تم الاسترجاع من https://naqeebulhind.hdcd.in/العولمة-اللغوية-تحدياتها-وتبعاتها-ال/#_edn4

6. الآلوكة. (2016، 2 أغسطس). اللغة العربية وترويض العولمة. تم الاسترجاع من https://www.alukah.net/literature_language/0/86130/اللغة-العربية-وترويض-العولمة-word/

7. هنداوي. (2018). أثر العولمة في الثقافات المحلية. تم الاسترجاع من https://www.hindawi.org/books/83793037/


هذا المحتوى مقدم من شؤون عُمانية

إقرأ على الموقع الرسمي


صحيفة الرؤية العمانية منذ 16 ساعة
صحيفة الرؤية العمانية منذ 12 ساعة
صحيفة الرؤية العمانية منذ 19 ساعة
هلا أف أم منذ 8 ساعات
صحيفة أثير الإلكترونية منذ 9 ساعات
صحيفة الرؤية العمانية منذ 11 ساعة
برق للاخبار - عُمان منذ 11 ساعة
إذاعة الوصال منذ 15 ساعة