يشهد العالم مع نهاية 2024 وبداية العام المقبل تحولاً جذرياً في النظام الضريبي العالمي، والسبب دخول الضريبة العالمية الأدنى حيز التنفيذ.
ففي عام 2024 باشرت نحو 34 دولة من الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا العمل بهذا النهج الضريبي، فيما تتحضر 13 دولة لاعتماده في العام المقبل، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي.
وكانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) قد أطلقت هذه المبادرة بالتعاون مع مجموعة السبع واعتمدتها أكثر من 140 دولة مستهدفة الشركات متعددة الجنسيات الكبرى التي تتجاوز إيراداتها السنوية 750 مليون يورو، لضمان دفعها حداً أدنى للضريبة بنسبة 15% في كل دولة تعمل فيها.
وتهدف هذه الخطوة إلى مواجهة تآكل القاعدة الضريبية وتعزيز المنافسة العادلة عالمياً، كما أفاد نيلش أشار، رئيس قسم الضرائب في الشرق الأوسط لدى أف تي أي للاستشارات لـCNN الاقتصادية.
وأضاف «يتمثل التحدي اليوم في إمكانية التنفيذ الفعلي لهذه القوانين من قِبل الجهات الملتزمة، إن تطبيق الضريبة العالمية الأدنى ليس عبئاً، بل هو فرصة لدول الخليج لبناء اقتصاد شفاف قوي ومتنوّع، يضمن نمواً مستداماً ويعزز من ثقة المستثمرين في المشهد المالي المتطور للمنطقة».
الأسباب الموجبة
تكلف ممارسات التهرب الضريبي أو ما يعرف بتآكل القاعدة الضريبية ونقل الأرباح BEPS بين 100 و240 مليار دولار سنوياً، أي نحو 4 إلى 10 في المئة من إيرادات ضريبة دخل الشركات العالمية، وفق تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.
وشرح (أشار) من شأن هذه الضريبة الحد من منع نقل الأرباح من قبل الشركات متعددة الجنسيات إلى الدول ذات الضرائب المنخفضة وضمان جذب الدول للاستثمارات عبر حوافز غير ضريبية، مثل البنية التحتية والعمالة الماهرة والاستقرار الاقتصادي، فهي تهدف الى تكوين نموذج اقتصادي أكثر انصافاً وشفافية يهدف إلى تقليص فجوة التهرب الضريبي وتحقيق استدامة مالية طويلة الأجل.
وأفاد نيلش بأن تبني هذه الضريبة هو حجر زاوية نحو تحقيق عدالة ضريبية دولية بضمان دفع الشركات العالمية للمساهمة بنصيبها العادل من الضرائب في الدول التي تعمل فيها، ما يعزز الإيرادات العامة ويدعم الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، وتتراوح الإيرادات المتوقعة للضريبة العالمية الأدنى على الشركات العالمية بين 155 و192 مليار دولار سنوياً، وفق تقديرات المكتب الدولي للتوثيق الضريبي في 2024.
التطور الخليجي
تتماشى الضريبة الجديدة مع جهود دول الخليج الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد على النفط، ويقول أشار أصدرت البحرين تشريعات بفرض ضريبة مجلية بنسبة 15% بدءاً من 1 يناير 2025، لكننا لا نزال ننتظر اللوائح التنفيذية للقانون، وتلتزم الإمارات بتطبيق هذه الضريبة العام المقبل، وننتظر التسريع الفعلي للقوانين، أما الكويت فدمجت الضريبة ضمن نظام ضريبي شامل يُفرض على الشركات الكويتية والأجنبية، ورغم التزام السعودية بتطبيق قوانين مماثلة فإنها لم تعلن بعد عن قانون ضريبة الحد الأدنى .
ورأى أن تأثير هذه الضريبة على دول مجلس التعاون الخليجي إيجابي، خلافاً للمخاوف السائدة، إذ تشير دراسات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن النظام الضريبي الشفاف يعزز من ثقة المستثمرين، ويقلل المخاطر المتعلقة بالسمعة، ويُحسن التكامل العالمي.
وقال إنه من المتوقع أن تظل اقتصادات دول الخليج، التي تتمتع بأطر حوكمة قوية، قادرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، «فإذا لم تطبّق دول مثل الإمارات أو السعودية هذه الضريبة وتستفيد من عائداتها، فستبقى الشركات العالمية العاملة فيها خاضعة لاقتطاع الفارق الضريبي في الدول الأخرى (مثل الدول التي تقع فيها مقرات الشركات)، فمن خلال فرض الضرائب محلياً، تحمي دول الخليج قاعدتها الضريبية.»
ونوه (أشار) بالحوافز التي أطلقتها الإمارات مؤخراً المتعلقة بحوافز الائتمان الضريبي أو الحوافز المستردة للبحث والتطوير، إذ قدّمت الإمارات حوافز إضافية للتخفيف من العبء الضريبي من جهة، وحوافز لكبار التنفيذيين تتمثل بخصومات ضريبية للشركات التي توظف مسؤولين تنفيذيين يسهمون في النمو الاستراتيجي.
وتتجسد المكاسب الاستراتيجية لدول الخليج من خلال اعتماد هذه الضريبة -برأيه- في حماية الإيرادات الضريبية وتعزيز سمعتها المالية العالمية وجذب الشركات بناءً على مزايا غير ضريبية مثل الاستقرار والبنية التحتية والتوافق مع المعايير التنظيمية الدولية، ما يعزز المرونة الاقتصادية على المدى الطويل.
الكفاءة التشغيلية
وعن التأثير على الشركات متعددة الجنسيات، قدر (أشار) أن فرض الضريبة سيدفع الشركات إلى التركيز على الكفاءة التشغيلية بدلاً من نقل الأرباح لأسباب ضريبية، كما سيصبح الامتثال الضريبي والشفافية المالية أمرين بالغَي الأهمية لعمليات الشركات في دول الخليج، موضحاً عدم تأثر الأفراد أو رواتبهم أو عوائدهم من العقارات أو الاستثمارات الشخصية بالضريبة، فالضريبة تستهدف فقط الشركات الكبرى.
العبء التنظيمي
يأتي تطبيق هذه الضريبة مع عبء تنظيمي وتقني، بالإضافة إلى عبء التنسيق الإقليمي، ويعتقد أشار أن الدور الأكبر يقع على عاتق وزارات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، «ورغم أن أمانة مجلس التعاون قد يكون لها دور تنسيقي، فإن التركيز الأساسي يجب أن يكون على الجهود الفردية لكل دولة»، الوزارات بحاجة إلى التواصل والتنسيق المستمر فيما بينها ومع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، التي وضعت القواعد العالمية، أما أمانة مجلس التعاون الخليجي فيمكنها أن تلعب دوراً في تعزيز التنسيق الإقليمي، مثل توحيد الجهود لتطبيق الأنظمة بطريقة متسقة عبر الدول الأعضاء، ولكن العبء الرئيسي سيكون على وزارات المالية والهيئات الضريبية في كل دولة، لضمان أن التنفيذ يتم بطريقة سلسة وشفافة، وأن يتم التوضيح الكامل للتشريعات والجداول الزمنية المرتبطة بها.
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية