تقول براء بهدوء وتفكير عميق: "حتى الآن لا أعرف كيف تخلصنا من هذا الكابوس".
هي الآن طالبة في الجامعة وعمرها 20 عاماً. وخرجت الأحد إلى الشارع لتشارك في الاحتفالات التي غمرت سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
أختاها، آلاء وجنى، تهزان رأسيهما موافقتين بينما نجلس متلاصقين في هذا اليوم الشتوي البارد على أريكة قديمة مترهلة في منزلهما المتواضع بمدينة حمص.
كان والدهم فرحان عبد الغني ذو اللحية البيضاء، يجلس متربعاً على الأرض ويضيف: "لم نكن نريد الحرب. لم نكن نريد رئيساً أبدياً يبني لنفسه النُصُب التذكارية".
منذ ما يقرب من عقد، التقينا للمرة الأولى في أسوأ أيام تلك الحرب، التي شُنَّت باسم رئيسهم.
براء، تلك الطفلة الصغيرة التي عانت من صدمة نفسية عميقة، كانت عيناها تتحركان بقلق شديد وهي تكافح للحديث في ذلك الوقت.
قالت فجأة بينما كانت تجلس في قاعة ولائم مهجورة تعج بمسؤولي الإغاثة وقوات الأمن السورية وعائلات منهكة: "أحياناً كان الناس يقتلون القطط ليأكلوها".
لأشهر، لم يكن لدى الكثيرين ما يأكلونه سوى العشب من الأرض، وأوراق الشجر المسلوقة بالماء مع الملح وأحياناً القرفة.
"بدلاً من أن أتعلم القراءة والكتابة، تعلمت عن الأسلحة"، قالت لنا براء حينها بلهجة عادية للغاية.
كانت حمص تُلقب ذات يوم بـ"عاصمة الثورة" من قِبَل المتظاهرين السلميين الذين خرجوا إلى الشوارع في ربيع عام 2011، مطالبين بالتغيير، قبل أن تتحول الاحتجاجات إلى حرب شاملة.
براء وعائلتها كانوا من بين ألف مدني تم إنقاذهم من المدينة القديمة خلال هدنة إنسانية نادرة أشرفت عليها الأمم المتحدة في فبراير/شباط 2014.
نجوا بصعوبة من الحصار المؤلم الذي استمر لعامين كاملين على الحي القديم، حيث فرضت القوات السورية أول طوق "استسلم أو مت جوعاً" في هذه الحرب القاسية.
تحولت هذه الإستراتيجية، التي أشبه بتعذيب من العصور الوسطى، إلى واحدة من أكثر أسلحة النظام قسوة، مستخدمةً ضد معاقل المعارضة واحدة تلو الأخرى.
وبعد أشهر، حصل المزيد من المدنيين على ممر آمن للخروج من المدينة القديمة، إلى جانب المقاتلين الذين انتقلوا لمواصلة معاركهم في مناطق أخرى من سوريا.
كانت السنوات التي مرت حتى هذا الأسبوع قاسية على هذه العائلة وعلى الكثير من العائلات الأخرى.
تقول براء بينما تعدل الحجاب الأبيض الذي ترتديه هي وأخواتها: "كنت أشعر وكأنني نائمة وفقدت الأمل. كنا دائماً نخاف من قول الشيء الخطأ، حتى في الجامعة".
لكن الآن، كحال كثير من السوريين، تشعر بفرحة واضحة وتفاؤل ملموس في هذه الأيام الأولى والمثيرة من البداية الجديدة.
وتضيف بحماس: "أحلم بالكثير من الأشياء الآن، أن أنهي دراستي الجامعية، وأن أدرس الماجستير، وأن أحسن لغتي الإنجليزية". ثم ينخفض صوتها تدريجياً وكأن أحلامها الكبيرة تملأ الغرفة الصغيرة المتواضعة.
تحولت الطفلة الخائفة التي تبدو بريئة كمعنى اسمها، إلى شابة ناضجة بثقة لافتة ترتدي بنطالاً جينزياً أنيقاً وسترة زرقاء فاتحة اللون.
والدها الحنون، "فرحان"، يبتسم بفخر. استطاع بمفرده أن يربي بناته بعدما قُتلت والدتهنّ بصاروخ اخترق المطبخ. كان الأطفال هم من وجدوا جثتها هناك، منحنية فوق الموقد.
اعتمد في إعالة أسرته على دخله الضئيل من عربة لبيع الخضار والفواكه، وعلى كرم الأصدقاء الذين وقفوا بجانبه، ليواصلوا السعي نحو حياة أفضل.
يقول بحماس: "كل شيء أرخص الآن، حتى الطعام والكهرباء"، مشيراً إلى انخفاض الأسعار في الأسواق نتيجة فتح الطرق واختفاء الجنود من نقاط التفتيش الذين كانوا يوقفون البضائع أو يطلبون الرشاوى.
هذا التحسن يُعد نعمة لبلد تقول الأمم المتحدة إن 90% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر. ويضيف بفرحة غامرة: "اليوم استطعت حتى شراء اللحم".
الجروح القديمة ما زالت مفتوحة ومؤلمة. مثل عشرات الآلاف من.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي