ومع تراجع قوة "حزب الله" والنفوذ الإيراني في لبنان، ظهرت ملامح دور أميركي معزز ومتشعّب، وهنا تقول شخصيات دبلوماسية أميركية إن واشنطن تهدف إلى تعزيز الاستقرار وتقوية الموازين المحلية لمصلحة الدولة اللبنانية، وتتوقف عند إنشاء السفارة الأميركية في منطقة عوكر (شمال بيروت) على مساحة ضخمة ومركزية باعتبارها دلالة واضحة على الاهتمام الأميركي بلبنان. كما تعكس إمكانية تواجد عناصر من القوات الأميركية في قاعدة حامات العسكرية في شمال لبنان، التزاماً أمنياً متزايداً من قبل الولايات المتحدة لدعم الجيش وتدريب عناصره لمواجهة أي تهديدات أمنية محتملة.
ومنذ أعوام، والدعم الأميركي للجيش اللبناني يشهد استمراراً وتصاعداً ملحوظين، مقابل تراجع تأثير دول كبرى أخرى وعلى رأسها فرنسا، وهنا يتوقف كثيرون عند ما يصفونه بالتنافس الأميركي الفرنسي على لبنان، ومحاولة كل دولة منهما أن تفرض حضورها في أزمات هذا البلد ومحاولات حلها.
وفي السياق، لا يقتصر الدعم الأميركي على توفير الأسلحة والتدريب، بل يمثل رسالة واضحة للداخل والخارج بأن أميركا ترى في الجيش اللبناني شريكاً رئيساً في مكافحة الإرهاب والحفاظ على استقرار البلاد.
في المقابل، يعتبر قادة "حزب الله" في تصريحاتهم أن هذا الحضور يتجاوز الأطر الدبلوماسية إلى أبعاد أمنية واستراتيجية تهدف إلى التحكم بمفاتيح اللعبة في الداخل والمنطقة، وأن تواجد القوات الأميركية في قاعدة حامات العسكرية يُظهر رغبة الولايات المتحدة في تأمين موطئ قدم قوي في البلاد، مما يمنحها القدرة على التأثير في الأحداث المحلية والإقليمية.
صياغة علاقات جديدة
يتلخص الدور الأميركي في لبنان بمزيج من الحضور التاريخي والتدخلات الحديثة، ويعكس التزاماً طويل الأمد بدعم استقرار البلاد وتعزيز مؤسساته. ومع استمرار الأزمات السياسية والأمنية في المنطقة، يبدو أن واشنطن تعيد صياغة استراتيجيتها بما يتلاءم مع أولوياتها الإقليمية.
تاريخياً، يعود الحضور الأميركي في لبنان إلى القرن التاسع عشر، عندما أنشأت واشنطن أول حضور دبلوماسي لها في بيروت في العام 1833 مع تعيين وكيل قنصلي، ثم تأسست الجامعة الأميركية في بيروت في عام 1866، لتكون منارة للتعليم العالي في المنطقة، وأسهمت بشكل كبير في إنتاج نخبة من القادة والمثقفين الذين لعبوا أدواراً بارزة في لبنان والعالم العربي.
وقد جلا مسؤولون اميركيون عن لبنان في العام 1917 عندما قُطعت علاقات الولايات المتحدة مع الإمبراطورية العثمانية. ثم أعيد تأسيس القنصلية العامة بعد الحرب العالمية الأولى. وبعد استقلال لبنان، تم تعيين الوزير هارولد ماينور ليكون أول سفير للولايات المتحدة في البلاد وبقي في المنصب عامي 1952 و1953.
قوات "مارينز" في بيروت عام 1958
بعد الاستقلال بنحو عقد من الزمن وقبل الحرب الأهلية، كانت الأزمات داخل لبنان آخذة بالتطور بشكل سلبي، وحينها يقول المتابعون إن البلاد شهدت "ميني حرب" أي الحرب المصغرة، وتحديداً عام 1958 في عهد رئيس الجمهورية كميل شمعون، الذي طلب الدعم الأميركي فكان له الأمر عبر إرسال قوات مشاة أميركية إلى بيروت.
في التفاصيل، اشتدت خلال حكم شمعون الخلافات مع المعارضة في الداخل وتحديداً مع زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط، وانضمت إلى المعارضة شخصيات بارزة مثل رئيس الحكومة صائب سلام ورشيد كرامي.
انقسم اللبنانيون بشكل عمودي، داخل لبنان وخارجه في المنطقة ثم جاءت أزمة السويس وحرب 1956، التي شنّتها إسرائيل وفرنسا وبريطانيا على مصر، لتؤجج الخلاف بين شمعون وخصومه، وطالبت المعارضة الرئيس بقطع العلاقات مع الدول الغربية التي هاجمت مصر. لكنّ شمعون رفض فقدم سلام استقالته.
ثم بعد سنوات قليلة اغتيل نقيب المحررين السابق وعضو "الحزب التقدمي الاشتراكي" نسيب المتني الذي كان يعارض سياسة شمعون بشدة، فخرج أنصار المعارضة إلى الشارع وبدأت الاحتجاجات المطالبة باستقالة شمعون، قبل أن تنصب المتاريس داخل لبنان للمرة الأولى قبل الحرب الأهلية.
فما كان من الرئيس شمعون إلا أن طلب من الولايات المتحدة التدخل في لبنان، وفي 15 يوليو (تموز) أرسلت أميركا قوات مارينز إلى بيروت في عملية حملت اسم "الخفاش الأزرق"، وبقيت لأشهر قبل أن تغادر. فيما انتهت الأزمة الداخلية في لبنان بعدم تمديد ولاية شمعون وعدم ترشحه لولاية أخرى.
الحرب وما تلاها
كان للولايات المتحدة دور مهم خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، حيث تواجدت سياسياً وعسكرياً في أكثر من مرحلة، وقد اغتيل سفيرها فرنسوا ميلوي في بيروت عام 1976 على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ولاحقاً دعمت واشنطن في عام 1989 "اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب وشكّل بداية جديدة للنظام السياسي اللبناني. كما دعمت الولايات المتحدة، القوات الدولية المتعددة الجنسيات في لبنان خلال الثمانينيات، على رغم الانتكاسات التي واجهتها مثل تفجير السفارة الأميركية ومقر المارينز في بيروت عام 1983.
في السنوات الأخيرة، زادت الولايات المتحدة دعمها للجيش اللبناني من خلال برامج تدريب مكثفة وتزويده بمعدات متطورة لمحاربة الإرهاب وتعزيز الأمن الداخلي، مما يعكس الرؤية الأميركية لأهمية الجيش كركيزة للاستقرار. وأنشأت واشنطن أيضاً سفارتها الجديدة في منطقة "عوكر"، وباتت تُعد واحدة من أكبر السفارات الأميركية في العالم، مما يشير إلى أهمية لبنان في استراتيجيتها الإقليمية.
عسكرياً، زاد الحضور الأميركي في قاعدة حامات الجوية، حيث تدعم الولايات المتحدة الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود، لا سيما مع استمرار التوترات على الحدود مع سوريا ووجود تنظيمات متطرفة. وتقدم واشنطن مساعدات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية