لم يكن وقع خبر سقوط النظام سهلا على العلويين في سوريا لاعتبارات عديدة قد لا ترتبط بمزاعم "الامتيازات" التي حصلت عليها هذه الطائفة في ظل النظام الذي ينحدر منها.
وهذه الامتيازات تبدو محصورة في عدد قليل من الأفراد، كما هو الحال بالنسبة لبقية الطوائف بمقدار ما ترتبط بالخوف التقليدي للأقليات من حكم الأكثرية والإرث التاريخي الذي تحمله الذاكرة العلوية من مذابح ارتكبت بحقهم بتجييش من قبل فتاوى دينية لم ينكرها يوما حكام دمشق الجدد ومن سار في ركبهم، والأهم أن هناك من يحاول تصوير العلويين وكأنهم كانوا يملكون كل شيء في سوريا في حين أن الواقع يقول بأن مناطقهم عاشت في ظل حكم البعث حالة من الفقر المزري وغياب الخدمات على نحو مقصود أريد منه دفع أبناء العلويين للانخراط في صفوف الجيش والأمن ليكونوا درع نظام لم يقف يوماً على خاطرهم وإن باعهم وهم السلطة التي لم ينلهم منها سوى الغرم كما يقول عموم أبناء الطائفة.
الهروب نحو الساحل
فر علي مع عائلته من حي الورود ذي الأغلبية العلوية شمال العاصمة دمشق إلى منزل العائلة في ريف طرطوس.
تقطعت بعلي (اسم مستعار) السبل في الطريق بعدما نفذ بنزين سيارته فاضطر لشراء عبوات من الطريق بأسعار باهظة استهلكته مدخراته القليلة التي جمعها في أصعب ظروف الحرمان وشظف العيش التي مرت بها سوريا منذ عقود.
لكن الأقسى بالنسبة لعلي كما يقول لـ"RT" كان كم الإهانات الطائفية التي سمعها في الطريق وإصرار الحواجز على سؤاله إن كان علويا أو سنيا، واضطراره للكذب بشأن هويته المذهبية، وهو الأمر الذي لم يكن محتاجا لإخفائه في ظل النظام السابق.
يقول علي بأنه وشأن الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفة العلوية لم يهمه مصير بشار الأسد بمقدار ما أهمه مصير الطائفة والخطابات المغرضة التي عمدت إلى شيطنتها والدعوة إلى القصاص منها، مشيرا إلى أن هذا الأمر ينطوي على الكثير من الظلم وتغييب الحقائق عمدا، فهو رغم كونه موظفا في البريد ويعمل في بيع عرانيس الذرة بعد عودته من دوامه لم يستطع شراء بيت له حتى في العشوائيات القذرة التي يعيش فيها أغلبية العلويين في دمشق، وبقي في حالة من الفقر المدقع الذي لازمه كما لازم أباه وجده على مر العمر في ظل حكم البعث وما قبله، ويرجو ألا يلازم أولاده في القادم من الأيام.
بدوره يرى ثائر (أستاذ تاريخ) علوي أن النظام نجح في تدجين المجتمع السوري برمته ولم يتوقف الأمر على العلويين الذين خرجت منهم أصوات كثيرة عارضت النظام فزج بهم في السجون وضيق عليهم واختار بعضهم المنافي وفيهم أبناء عائلات كبيرة ووازنة مثل عائلة العلامة الشيخ سليمان الأحمد التي كان مغضوبا عليها من قبل السلطات السورية فقتلت بعضها ونفت الآخرين إلى بلدان أخرى.
ويضيف ثائر (اسم مستعار) بأن مناطق العلويين كانت محرومة بشكل مقصود من الاستثمارات التجارية والبنى التحتية الاقتصادية والسياحية حتى لا يجد هؤلاء مفرا من الالتحاق بالأمن والجيش في سبيل توفير لقمة العيش التي بالكاد تسد الرمق وحين كان بعض هؤلاء يحاول الإفادة من سلطته المحدودة كان يتهم بأنه شبيح وأنه يسرق أموال بقية السوريين في حين أنه كان يرضى بالفتات من أصحاب المحلات التجارية التي كانت تربح الملايين يومياً، الأمر الذي كرس صورة نمطية ومغلوطة عن العلويين عند أغلبية الطوائف دون أن يتأتى لهؤلاء مشاهدة الصورة التي تقول بأنهم طائفة متعلمة وفيهم مفكرون وأصحاب رأي حر وجريئ.
وهم السلطة
من جانبه يروي أحمد (اسم مستعار) وهو من سكان حي التضامن قصة طريفة حصلت معه حين كان طفلا في ثمانينيات القرن الماضي حيث وقف يوما على الفرن المزدحم فلاحظه صاحب الفرن، وكان لا يعرف عنه سوى أنه من أسرة علوية، فانزوى به قليلا بعد أن أعطاه الخبز قبل غيره من الناس، وسأله أن يطلب من والده المساعدة في تأمين مستحقات إضافية من الطحين مقابل مبلغ مالي محرز.
يقول أحمد لموقعنا إن "صاحب الفرن بنى كل خطته في الحصول على أكياس إضافية من الطحين على فكرة أن أي علوي يمكن له أن يدخل إلى بيت حافظ الأسد متى شاء ويطلب منه حاجته في حين أن صاحب الفرن لو دخل إلى بيتي لكان بإمكانه مشاهدة المياه التي تتسرب من سقفه المتصدع في الشتاء وأثاثه الفقير الذي ينبئ عن المستوى الاجتماعي والمعيشي لوالدي الذي كان مساعدا في الجيش. ولو تحلى صاحب الفرن بقليل من البصيرة لكان بإمكانه الحكم على حالنا البائس من الثياب التي كنت ارتديها وأنا أقف على الفرن".
سجناء.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من قناة روسيا اليوم