روسيا قلقة في سوريا الواقفة فوق صفيح ساخن

تراقب روسيا بحذر شديد مشوب بتشاؤم عميق كل ما يجري في سوريا، منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن ديسمبر (كانون الأول) الجاري وتأمل في التمكن من إخراج قواتها وأسلحتها من هناك بأقل قدر ممكن من الخسائر، بحال لم تستطع الاتفاق مع السلطات الجديدة على استمرار عمل قاعدتيها العسكريتين في كل من طرطوس وحميميم السوريتين.

واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الخميس في مؤتمره الصحافي السنوي الذي تناول فيه نتائج عام 2024 أن ما يحدث في سوريا لا يمثل "هزيمة" لروسيا. وقال، "كنا نسعى إلى عدم تشكيل بؤرة للإرهاب مثل أفغانستان، وقد حققنا أهدافنا بصورة ما. والجماعات التي حاربت الجيش العربي السوري تغيرت. وإذا كانت الدول الغربية تسعى اليوم إلى الحوار مع هذه الجماعات، فإن ذلك يعني أن هناك تغيرات طرأت على هذه الجماعات بالفعل".

الوضع مقلق

الأستاذ المشارك في قسم الأعمال الدولية بكلية العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي إيغور ماتفييف المتخصص في شؤون سوريا ودول شرق البحر الأبيض المتوسط والخليج يعتقد أن "الوضع الحالي في سوريا مقلق للغاية ولا يمكن التنبؤ به، وهناك احتمال أن نشهد حرباً جديدة وفوضى في هذا البلد في بدايات عام 2025".

وقال رداً على سؤال حول الآفاق السياسية في سوريا بعد الأحداث الأخيرة، "كمتخصص أشك بصورة أساس في جاهزية، والأهم من ذلك، في قدرة مجموعات المعارضة التي استولت على السلطة في انتهاج سياسة مستقلة". وأضاف، "الحقيقة هي أنهم في البداية سيكونون موجهين بصورة واضحة من قبل القوات الأجنبية المهيمنة، مثل تركيا والولايات المتحدة، وهو ما لن يسمح لهم بالطبع بالاستقلال، على رغم أنه سيُتخذ بعض الإجراءات المستقلة على ما يبدو، إلا أنني أذكركم بأن تركيا لم تفعل ذلك كرمى لعيون المتمردين ومن أجل تركهم يأخذون راحتهم في تبني السياسات والمواقف التي تناسبهم".

وأبدى ماتفييف قلقه حول مستقبل الوضع في سوريا الجديدة، قائلاً إن "هذا الوضع يقلقني كثيراً لأنه ربما في أوائل العام المقبل، ومع تزايد التنافس على السلطة بين الفصائل المختلفة، ستواجه سوريا حرباً فوضوية أخرى، بالتالي قد يؤدي ذلك إلى جولة جديدة من العنف طويل الأمد في سوريا".

اضمحلال التأثير الروسي

ونظراً إلى أن روسيا ليست في وضع يسمح لها بالتأثير في مصير ومستقبل الأوضاع في سوريا، قالت وزارة الخارجية الروسية، إن "مستقبل سوريا ينبغي أن يحدده السوريون، ويجب عليهم البدء بحوار شامل بينهم".

وذكرت الخارجية الروسية في بيان الثلاثاء في الـ17 من ديسمبر، بتصريحات قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) التي أعلن فيها أن ممثلي الإدارة الموقتة سيديرون مؤسسات الدولة ويضمنون النظام والأمن ويمنعون الأعمال الإجرامية والإعدامات خارج نطاق القانون.

وأكد البيان الروسي على أن "سوريا يجب أن تكون وطناً لجميع المواطنين، بغض النظر عن الدين"، مشيراً إلى أن "المسيحيين والمسلمين عاشوا معاً في سوريا منذ قرون". وأضافت الخارجية الروسية أن "الطريق لتحسن الوضع في سوريا يكمن في إطلاق حوار شامل بين السوريين بما يتماشى مع المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن رقم 2254، يهدف إلى ضمان الوحدة الوطنية". وتابعت، "من المهم بالنسبة إلى روسيا أن مستقبل سوريا يجب أن يحدده السوريون بأنفسهم".

إخفاق روسيا في أهدافها الجيوسياسية في سوريا

ويرى مراقبون أن التدخل الروسي في أحداث سوريا منذ عام 2015 حافظ على سلامة النظام السوري، وتمكن من القضاء على الجماعات الإرهابية الأكثر تطرفاً، ومنع المتطرفين الذين وصلوا من دول شمال القوقاز ومنطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي من المساهمة في السيطرة على سوريا واستخدامها لمهاجمة روسيا وحلفائها في أوراسيا. كما توسع الوجود العسكري الروسي في قاعدة طرطوس البحرية، ورُبطت بقاعدة سيفاستوبول البحرية، لتوفر لقواتها البحرية حضوراً قوياً ومؤثراً في البحر وضمان التوازن في البحر الأبيض المتوسط، نظراً إلى الدور الإقليمي للأسطول السادس الأميركي، كما أن تشغيل عديد من القواعد الجوية وبطاريات الدفاع الجوي وأنظمة الدفاع العسكري الأخرى في سوريا وفر لموسكو أيضاً وجوداً عسكرياً قوياً، لكن النجاح العسكري الروسي في سوريا لم يؤد إلى زيادة ثقة دول وشعوب المنطقة في موثوقيته، لا سيما بعد انهيار النظام السياسي الذي دعمته منذ تسع سنوات، وفرار رئيسه إلى روسيا، وهكذا جرى التشويش بقوة على فتح آفاق جديدة أمام روسيا لتطوير علاقاتها مع دول المنطقة، لا سيما مع دول الخليج.

والآن لم يعد الوجود الروسي في سوريا خارج الجدل أو النقاش سواء داخل المعارضة السورية، أو في دول المنطقة، أو حتى في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على رغم أن هذا الوجود يمكن أن يشكل ضمانة لعدم تحول سوريا إلى قاعدة أمامية لتدريب القوى المتطرفة. وعلى العكس، فإن دول المنطقة، وحتى حلفاء الولايات المتحدة بمن فيهم إسرائيل، لا يثقون بأن الوجود الروسي يمكن أن يشكل ضماناً لاستقرار سوريا، هذا فضلاً عن أطراف دولية أخرى، لذلك يمكن القول إن موسكو تلقت صفعة جيوسياسية في سوريا ليست أقل إيلاماً من تلك التي تلقتها في أوكرانيا عند الانقلاب على حليفها فيكتور يانوكوفيتش عام 2014 واضطراره إلى الفرار من البلاد.

آفاق قاتمة

في 24 ساعة، انهار ما بناه النظام السوري على مدار 50 عاماً، وهو جيشه. لقد دفع المهاجمون الباب، ولم يكن هناك أحد، تبخر الجميع وتناثروا في أماكن متفرقة، الجميع "ذابوا" مثل فص من الملح. المحافظون والأجهزة الأمنية وقيادة الجيش لم يعودوا في منازلهم ولم يتمكن أحد من العثور عليهم.

ويعترف مدير مركز أبحاث الشرق الأوسط والقوقاز في روسيا ستانيسلاف تاراسوف بأنه "كانت هناك عناصر من المؤامرات. الاستخبارات الإيرانية، وحتى المرشد علي خامنئي يقول: إننا حذرنا. هناك أدلة على أن الاستخبارات الروسية حذرت الأسد، وحذرت تركيا، على رغم المشكلات التي كانت قائمة بين أردوغان والأسد. وبالمناسبة، فقد أرسلت الاستخبارات الإسرائيلية أيضاً رسائل عبر وسطاء أوروبيين إلى بشار الأسد".

ويجمع المتخصصون في روسيا على أنه حان الوقت للاعتراف بأن سوريا لم تكن قصة نجاح روسية، وبأن ما حدث هناك لا بد سيترك تأثيره في علاقات روسيا مع كل من مصر، والسعودية والإمارات وقطر والأردن، على رغم أن مصلحة هذه الدول العربية تكمن في أن تكون سوريا مستقرة، وليست تحت سيطرة الجماعات المتطرفة أو الجهات الخارجية، وألا يُنشأ كيان كردي انفصالي في شمال البلاد.

ومع ذلك قد تمثل عملية التغيير في سوريا بداية استعادة تدريجية للثقة بين موسكو وواشنطن في ظل إدارة ترمب، لا سيما أن بوتين أعلن أنه يمكنه الحديث مع بشار الأسد الذي لم يلتقِ به بعد مجيئه إلى موسكو، في شأن الصحافي الأميركي أوستن تايس المفقود في سوريا منذ 12 سنة. كما يمكن لبلاده أن توجه السؤال أيضاً إلى المسؤولين عن السلطة في سوريا اليوم.

ويمكن لروسيا أن تأخذ زمام المبادرة للتواصل مع كل فصائل المعارضة السورية والتركيز على أولئك الذين يسيطرون على المنطقة، فضلاً عن الإسلاميين الذين يؤكدون أهدافهم الجديدة المتمثلة في القومية السورية بدلاً من الأممية.

وبناءً على ذلك أعلن الرئيس الروسي في الـ19 من ديسمبر في مؤتمره السنوي، "نعول على أن يعم السلام والهدوء في سوريا، ونبني علاقاتنا مع جميع المجموعات التي تسيطر على السلطة هناك، ومع دول المنطقة. سنفكر في بقاء قواعدنا في سوريا، وسنقرر ما إذا كنا سنبني علاقات مع القوى السياسية التي تسيطر أو ستسيطر على مقاليد الحكم في سوريا. هذا يتطلب البحث من قبل الطرفين عن أرضية مشتركة". وأضاف، "لقد اقترحنا على شركائنا بمن فيهم الموجودون على الأراضي السورية استخدام القاعدة الدولية في حميميم لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على القاعدة الخاصة ببحريتنا في طرطوس".

وفي حال توصلت موسكو إلى اتفاق مع الحكومة السورية الجديدة في شأن وجودها العسكري ودورها في سوريا المستقبلية وموقفها من باقي المكونات الوطنية والدينية السورية، فمن الممكن أن تدعو قادة سوريا الجدد لزيارة موسكو، على غرار ما أقامته من اتصالات مع حركة "حماس" بعد انتخابات عام 2006 وحركة "طالبان" بعد سيطرتها على أفغانستان عام 2021. فالكرملين يعتبر أن رفض التواصل مع التنظيمات السياسية التي تسيطر على سوريا اليوم يمكن أن يشجعها على التحرك نحو اتصالات أوثق مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى كارثة على المصالح الروسية. فهذه الحركات نشأت أمهاتها وأصولها بدعم أميركي بعد دخول القوات السوفياتية إلى أفغانستان عام 1979، ومنذ ذلك الحين استخدمت لمهاجمة المصالح الروسية في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في دول ما بعد الاتحاد السوفياتي. وهناك الآن فرصة لبناء حوار فعال مع عديد من هذه الحركات، يؤدي إلى إقامة علاقات متبادلة المنفعة.

وينبغي لروسيا اتخاذ المبادرة الآن، ومحاولة قيادة عملية التغيير السياسي. ومن الممكن أن تكون إحدى الخطوات الأولى استضافة المؤتمر الأول لجميع فصائل المعارضة السورية، بمن في ذلك ممثلو الدوائر العسكرية والسياسية والإسلامية والمدنية.

موقف الجولاني

أعلن زعيم المعارضة المسلحة رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع أن القيادة السورية الجديدة سعت إلى عدم استفزاز روسيا وأعطتها الفرصة "لإعادة النظر في العلاقات". وأكد الكرملين محاولات إقامة اتصالات "مع أولئك الذين يمكن أن يشاركوا في ضمان الأمن".

وقال الشرع للتلفزيون السوري، "منحت سوريا روسيا الفرصة لإعادة النظر في العلاقات مع الشعب السوري بما يخدم المصالح المشتركة"، هذا مع العلم أن هيئة تحرير الشام، معترف بها كمنظمة إرهابية ومحظورة في روسيا. وسبق أن صرح المعارض السوري محمد علوش أن "السلطات السورية الجديدة ستناقش مصير القواعد العسكرية الروسية"، وأعلن الشرع صراحة أن السلطات السورية الجديدة تعتزم إبرام اتفاقات دفاع مشترك مع عدد.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 3 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ ساعتين
منذ 9 ساعات
منذ 4 ساعات
قناة يورونيوز منذ 6 ساعات
قناة العربية منذ 20 ساعة
قناة العربية منذ 21 ساعة
قناة يورونيوز منذ 4 ساعات
سي ان ان بالعربية منذ 11 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 10 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 6 ساعات
بي بي سي عربي منذ 3 ساعات