صدحت الزغاريد في شارع ديدوش مراد في
بالفعل، خرج أربعة موسيقيين نحو الرصيف من صالون لتصفيف شعر، تتبعهم نسوة يتألقن بسترات مخملية بألوان المجوهرات النفيسة، تُعرف باسم "كاراكو". مع تعالي نغمات الفرح، أطلت العروس، وتوجهت نحو سيارة بيضاء رباعية الدفع. هناك، وسط ازدحام المارة، وجدت نفسي مشدوداً إلى الحشود، أصفق معهم فيما يتمايل الجميع على إيقاع الدربوكة... وفجأة مثلما بدأ الاحتفال بعفوية، انتهى بلمح البصر.
انغلاق طال عقوداً
لطالما كنت شغوفاً بالموسيقى الجزائرية، من أغاني الراي الشهيرة التي أسرتني بصوت ملكها الشاب خالد، إلى أغاني الهيب هوب العصرية بصوت سولكينغ. فلا عجب أن أقع على تلك الصدفة في بداية استكشافي لأكبر دولة في قارة أفريقيا.
كان ذلك يومي الأول في الجزائر ضمن رحلة سياحية من تنظيم شركة المغامرات البريطانية "وايلد فرونتييرز" (Wild Frontiers)، تمكنت خلالها من استكشاف الجوانب المختلفة لهذه اللوحة المتوسطية متعددة الأبعاد، بأطلالها الرومانية ومساجدها البيضاء وقصورها العثمانية، المتناغمة مع إرث معماري رائع يحمل بصمات الأسلوب النيوكلاسيكي والحقبة الجميلة والأرت ديكو، خلّفها 132 عاماً من الاحتلال الفرنسي.
للجزائر نجومها على الساحة الدولية، من أسطورة كرة القدم الفرنسية زين الدين زيدان إلى الموسيقيين دي جي سنيك والشاب مامي، حتى إيف سان لوران وألبير كامو، جميعهم إما ولودوا في الجزائر، أو ينحدرون من أصول جزائرية.
ولكن إن كنت غافلاَ عن هذه البلاد، فذلك عن قصد منها. فقد انطوت الجزائر على نفسها بعد فصلين مؤلمين من تاريخها: ثورة دامية استمرت ثمان سنوات أنهت الحكم الفرنسي عام 1963، وحرب أهلية طاحنة بين الجيش وجماعات إسلامية، جعلت تسعينيات القرن الماضي العقد الأسود في ذاكرة الجزائريين.
اليوم، عاد الاستقرار إلى الجزائر، الدولة التي ظلّت تقاوم العولمة حتى وقت ليس ببعيد، ساعيةً للحفاظ على هويتها التي كانت مهددة في الماضي.
يقول الروائي حمزة كودري الذي التقيته في معرض "دوجو" الذي يُستخدم أيضاً كمركز اجتماعي "احتفالاتنا وثقافتنا هي لنا... وهذا لن يستمرّ طويلاً إذا أتتنا الثقافة السياحية".
تأشيرات عند الوصول لكن بشروط
انطلقتُ من الجزائر العاصمة، المدينة الفاتنة التي يستظلّ فيها المتحف الوطني للفنون الجميلة بمبناه الفخم الذي شيده الفرنسيون، في فيء مقام الشهيد الشامخ الذي يخلد ذكرى أرواح 1.5 مليون جزائري سقطوا في حرب الاستقلال.
وفي المدينة العتيقة "القصبة" التي تتدرج نحو خليج الجزائر، تغيب المجموعات السياحية والباعة المتطفلون.
جلست على ديوان في مطعم "دار البركة" عند سطح أحد المباني، أتناول طبقاً من الرشتة، مكوّناً من شعيرات المعكرونة المقدمة مع الدجاج والبيض المسلوق وصلصة غنية بالقرفة، تحيط بي مجموعة حيوية من السكان المحليين، وسلحفاة ضلت طريقها كانت تتجوّل قرب قدميّ.
رغم ما تقدمه الجزائر لزوّارها من مناظر ساحرة في كلّ زاوية، الوصول إليها ليس بالأمر السهل. فمواطنو سبع دول فقط (أغلبها دول جارة) يحق لهم دخول البلاد من دون تأشيرة، ما يجعل الجزائر واحدة من الدول الأكثر انغلاقاً على نفسها في العالم. ولا تتجاوز مساهمة السياحة في الناتج الإجمالي المحلي 2%، فيما يسهم قطاع النفط بـ25%، حتى أن معظم زوارها، البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين سنوياً يأتون بهدف زيارة الأقارب.
بدأت هذه الأرقام تتغير في الآونة الأخيرة. في عام 2023، أطلقت الحكومة برنامج التأشيرة عند الوصول كخطوة أولى نحو بناء اقتصاد سياحي قوي يهدف إلى استقبال 12 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2030. ومع اتجاه دول مثل السعودية نحو السياحة للتقليل من الاعتماد على النفط، سيتعين على الجزائر أن تتنافس مع جارتيها المغرب وتونس على استقطاب الزوار الأجانب، أو المخاطرة بالتخلف عن الركب.
حالياً، تقتصر التأشيرة عند الوصول على المسافرين الذين يخططون لقضاء 70% من وقتهم في استكشاف المناظر الصحراوية الخلابة في الجنوب. أما بالنسبة للبقية، فلا تزال عملية الحصول على التأشيرة الجزائرية معقدة وتتطلب أكواماً من الأوراق، وبعض الحظ أيضاً. علاوةً على ذلك، على الأجانب السفر عبر وكالات سياحية وبمرافقة دائمة من الشرطة، وذلك لأسباب بيروقراطية أكثر منها أمنية. في المتاجر الراقية التي تعرض خزفيات باهظة وقفطانات حريرية أنيقة، لا تُقبل البطاقات الائتمانية، وخارج الفنادق البسيطة ولكن.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg