"مصر هبة النيل"، هي مقولة الفيلسوف اليوناني هيرودوت في القرن الخامس، وقصد بها أن نهر النيل الذي يعد من أطول أنهار العالم ويمر عبر هذا البلد، هو الذي ساهم في صنع حضارته وأصبح المصدر الرئيسي للماء، وبالتالي الحياة.
وفي موسوعته "قصة الحضارة"، قال ويل ديورانت عن علاقة النيل ومصر: "استقر المصريون القدماء على ضفاف نهر النيل، وكانت الوحدة السياسية ضرورة تستجوبها رغبة المصريين العارمة في دخول التاريخ، وحدثت الوحدة مع بدايات الأسرة المصرية الأولى، وكانت بداية الانطلاق نحو الكتابة والتدوين والخروج من عصور ما قبل التاريخ إلى رحابة العصور التاريخية".
ومن المعروف أن أزمة السويس عام 1956 ارتبطت بالنيل بسبب تراجع الغرب عن تمويل إنشاء السد العالي، مما دفع الزعيم المصري آنذاك جمال عبد الناصر إلى تأميم القناة وهو الأمر الذي أدى إلى قيام بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بمهاجمة مصر.
ولكن هناك أمرا آخر ارتبط بالنيل له علاقة بتلك القضية، ففي خضم الأزمة فكر البريطانيون في قطع النيل عن مصر للضغط على عبد الناصر لحمله على التخلي عن السيطرة على قناة السويس.
وأُسدل الستار على أزمة السويس في 22 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1956 عندما أنهت القوات الفرنسية والبريطانية انسحابها من مدينة بورسعيد المصرية، ولكن ما هي علاقة بريطانيا بالنيل؟ وكيف خططت لقطعه عن مصر؟
قصص مقترحة نهاية
أدرك البريطانيون أن النيل هو شريان الحياة لمصر. وبعد احتلالهم البلاد، دافعوا عن مصالح مصر المائية في نهر النيل، ولكن تغير الأمر بعد ذلك خلال أزمة السويس.
الدفاع عن مصالح مصر منذ احتلالها مصر في عام 1881 وحتى عام 1956 عمدت بريطانيا إلى الدفاع عن مصالح مصر المائية من خلال عدة معاهدات وهي:
اتفاقية 1891 بين بريطانيا، نيابة عن مصر والسودان، من جانب، وإيطاليا، التي وقعت باسم إثيوبيا، من جانب آخر، وتقضي بالامتناع عن إقامة أية منشآت على نهر عطبرة، من شأنها التأثير بدرجة ملحوظة على مياه النيل.
اتفاقية 1902 بين بريطانيا، نيابة عن مصر والسودان، من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر، وتعهدت فيها الأخيرة بعدم القيام بأعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا قد تؤثر في مياه النيل إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية.
اتفاقية 1925 بين بريطانيا وإيطاليا تكفل اعتراف الأخيرة بحقوق مصر والسودان في مياه النيل الأزرق والأبيض، وتعهدها بعدم إقامة أي إنشاءات من شأنها أن تؤثر تأثيرا ملحوظا في المياه التي تصل إلى النهر الرئيسي.
اتفاقية 1929 بين بريطانيا، نيابة عن عدد من دول حوض النيل وهي أوغندا وكينيا وتنزانيا، من جانب، ومصر من جانب آخر، وهي الاتفاقية التي تضمنت إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، كما تمنح المعاهدة مصر حق الاعتراض على إقامة أي مشاريع على نهر النيل من شأنها أن تؤثر على حصتها من المياه.
لكن قُبيل الهجوم الثلاثي على مصر أو ما عُرف بأزمة السويس في عام 1956، وضعت الحكومة البريطانية خطة سرية غريبة لقطع نهر النيل عن مصر، وذلك في محاولة للسيطرة على قناة السويس.
وقد بدأت المناقشات حول هذا الأمر خلال سبتمبر/أيلول من عام 1956 حين كانت أزمة السويس تتصاعد إلى نقطة الغليان.
أزمة السويس تقول دائرة المعارف البريطانية إن تلك الأزمة اندلعت في يوليو/تموز من عام 1956 عندما قام الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس، التي كانت تسيطر عليها فرنسا وبريطانيا.
وكانت قناة السويس قد قدمت لبريطانيا طريقا بحريا أقصر إلى إمبراطوريتها. ومع بزوغ القرن العشرين وازدياد أهمية النفط، وفرت القناة طريقا بحريا قصيرا إلى حقول النفط في الخليج العربي، لذلك كانت بريطانيا ملتزمة بحمايتها.
وتعرضت قناة السويس للهجوم خلال الحربين العالميتين.
فبعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب العالمية الأولى، أعلنت بريطانيا مصر محمية، وتم إرسال القوات البريطانية والهندية لحماية القناة، فيما أرسلت تركيا، التي دخلت الحرب كحليف لألمانيا في عام 1914، قوات للاستيلاء على القناة في فبراير/شباط من عام 1915.
وقد تم صد ذلك الهجوم، وبحلول عام 1916 تم دفع الخطوط الدفاعية البريطانية إلى عمق صحراء سيناء لمنع أي محاولة أخرى.
وقد أعلنت المعاهدة الأنجلو-مصرية الموقعة في لندن عام 1936 أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة، لكنها سمحت للقوات البريطانية بالاستمرار في التمركز في منطقة قناة السويس لحماية المصالح المالية والاستراتيجية لبريطانيا في القناة حتى عام 1956، الذي سيتقرر فيه مدى الحاجة إلى وجود تلك القوات ويعاد التفاوض بشأنها إذا لزم الأمر.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1954، تم التوقيع على معاهدة جديدة بهذا الشأن من قبل جمال عبد الناصر رئيس وزراء النظام الجديد في مصر، الذي أطاح قبل عامين فقط من ذلك التاريخ بالملك فاروق، وأنتوني نوتينغ، وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، وكان من المقرر أن تستمر هذه الاتفاقية لمدة 7 سنوات.
وبمقتضى تلك المعاهدة كان من المقرر سحب القوات البريطانية من مصر بحلول يونيو/حزيران من عام 1956، وأن تتم إدارة القواعد البريطانية بشكل مشترك من قبل فنيين مدنيين بريطانيين ومصريين.
ووافقت مصر على احترام حرية الملاحة عبر القناة، وتم الاتفاق على السماح للقوات البريطانية بالعودة إذا تعرضت قناة السويس للتهديد من قبل قوة خارجية.
وفي تلك الفترة كانت مصر تسعى لبناء السد العالي الجديد في أسوان، وقد تعهدت الولايات المتحدة وبريطانيا في يناير/كانون الثاني من عام 1956 بالمساعدة في تمويل بنائه.
لكن الموقف الأمريكي تغير، إذ باتت الولايات المتحدة مقتنعة بأن مشروع السد لن ينجح، وأرادت تقليص الإنفاق على المساعدات الخارجية.
كما كانت واشنطن قلقة بشأن شراء عبد الناصر للأسلحة السوفيتية.
و أبلغ وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس السفير المصري في واشنطن في 19 يوليو/ تموز أن حكومته قررت عدم تمويل بناء السد.
واتخذ سلوين لويد وزير الخارجية البريطاني حينها نفس الموقف الأمريكي.
وبعد ذلك رفض البنك الدولي تقديم ما تعهد به لمصر وهو مبلغ 200 مليون دولار.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن عبد الناصر رد على القرار الأمريكي والبريطاني بإعلان الأحكام العرفية في منطقة القناة وتأميم شركة قناة السويس في 26 يوليو/تموز من عام 1956، متنبئا بأن الرسوم المحصلة من السفن التي تعبر القناة ستدفع تكاليف بناء السد في غضون 5 سنوات.
وقد خشيت بريطانيا وفرنسا من أن يغلق عبد الناصر القناة، ويقطع شحنات النفط المتدفقة من الخليج العربي إلى أوروبا الغربية.
الخطة البريطانية هكذا كانت الأمور تتصاعد صوب نقطة الغليان، ومن هذا المنطلق فكر البريطانيون في قطع شريان الحياة عن مصر للضغط على عبد الناصر لحمله على التخلي عن السيطرة على قناة السويس.
وذكرت وثائق بريطانية حكومية تعود لفترة الخمسينيات من القرن الماضي أن بريطانيا خططت سرا لقطع تدفق مياه نهر النيل خلال المواجهة مع عبد الناصر أثناء أزمة السويس.
فقد طُلب من المخططين العسكريين البريطانيين أن يتوصلوا إلى خطة حول كيفية خفض تدفق النهر بشكل كبير، الأمر الذي من شأنه أن يشيع الاضطرابات في صفوف المزارعين المصريين.
واعتقد المخططون العسكريون البريطانيون آنذاك أن بوسعهم استخدام أحد السدود في أوغندا لخفض منسوب مياه نهر النيل لجعله يتدفق بشكل.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي