أحداث الأيام الأخيرة فى سوريا مع تراجع القوات السورية الرسمية سريعًا أمام المعارضة، ثم سقوط النظام كلية، أبرزت الخطيئة الكبرى والأهم، التى دفع ثمنها النظام السابق، ويجب أن يتجنبها المستجدون، وهى فقدان المشروعية الوطنية، حيث يجب أن يكون للجميع يقين كامل أن الدرع الواقية الوحيدة لتجنب النزاعات الداخلية، والذى يصمد أمام الضغوط الداخلية أو المؤامرات الخارجية، هى القوة المتمثلة فى شرعية النظام والقيادات، من خلال دوام التواصل مع الشعوب، والعمل على تحقيق طموحات المواطنين، بما يجعلهم يلتفون حول القيادات ويصونون وحدة البلاد، نتيجة التلاحم الطبيعى بين الدولة والنظام والشعب والمواطن.
والشرعية درع أقوى وأصلب من أى سلاح أو مؤسسات أمنية عسكرية أو شرطية، درع أمين وقادر على مواجهة مخاطر غير مشروعة من الداخل أو الخارج، بل هو الدرع الواقية والشرط الأساسى لاستقرار الدول والأنظمة، وإغفال ذلك خطيئة كبرى غالية، تكون تداعياتها توترات وطنية ومجتمعية، وهزات وعدم الاستقرار للأنظمة، مهما طالت أو قويت، والوقوع فى هذه الخطيئة يحمل المواطن العادى ثمنًا باهظًا على الدوام، بعد أن استأمن قيادات ومؤسسات غير أمينة على رزقه واستقراره.
الخطيئة الثانية التى أبرزتها الأحداث الأخيرة أيضًا، هى عدم صواب اعتماد أى نظام على أطراف خارجية أكثر من اللازم، كان ذلك فى المجالات السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، مهما كانت الصداقة أو قوة العلاقات، وفى مراحل مختلفة كانت هناك علاقات قوية بين النظام السورى وروسيا وإيران، فلا يوجد تطابق كامل ودائم فى المواقف والمصالح، أو صداقات مطلقة غير خاضعة للمراجعة والحساب، ومن شأن حساب التكلفة والعوائد أمام أى ظرف أن يفرز أولويات متباينة، حتى بين أقرب الأصدقاء، ولا مجال للاطمئنان لتحقيق الأمن والاستقرار للوطن أو المواطن أو النظام على سند من طرف خارجى، وينطبق ذلك على ما مضى، وما هو قادم إذا تشابهت الظروف وتم الوقوع فى تلك الخطيئة مرة أخرى.
الخطيئة الثالثة هى تغليب طائفة على أطياف أخرى فى الشعب الواحد، بدلًا من احترام الهوية الإثنية فى إطار المعادلة الوطنية، وهو أقوى وأسرع سبيل إلى زرع بذور الفرقة والانشقاق، فالاستقرار الأساسى والأقوى للشعوب، هو شعور المواطنين بمختلف توجهاتهم أن الهوية الوطنية جامعة وليست رافضة أو طاردة لهم، وهى ركيزة مهمة وشرط أساسى لتحقيق الأمان النفسى والاستقرار الوطنى عامة، خاصة فى دول متعددة الطوائف والفئات، درس لم يحترم فى الماضى، ويجب تجنبه حاضرًا ومستقبلًا.
الخطيئة الرابعة لأى نظام جديد منتخب أو ثورى بل أمام الشعب السورى الشقيق أيضًا، ويجب عدم الانزلاق إليها مهما كانت قسوة التاريخ أو فجاجة ممارسات المخلوعين، هى الرد على البطر بمثله، والدخول فى دوامات قاسية وخطرة من الثأر الدموى، وأقدر وسيلة للرد على أخطاء الماضى والتجاوزات فى حقوق الأطياف أو المواطنين، هى بناء مؤسسات تمنع وتبنى ممارسات تجنب تكرارها، وإذا استقر الأمر على المحاسبة على تجاوزات الماضى، فيفضل أن يتم ذلك بشفافية وبغية المحاسبة للتصالح مع معاناة وتجاوزات الماضى وتجنب تكرارها، ولعله يحتذى بتجربة جنوب إفريقيا بعد التخلص من حكم التمييز العنصرى المسمى بـ«الأبارتهايد»، حيث لم تهمل المحاسبة، وإنما دون السقوط فى دوامات القسوة والثأر والتشفى واستبدال العنف والدم بمثيله.
الخطيئة الخامسة أن يغلب الغضب الشعبى مما مضى، والرغبة فى هدم وتفكيك ما كان، فهناك فارق كبير بين الحفاظ على مؤسسات الدولة وتغيير رؤسائها أو سياساتها، وعلى الجميع إظهار الحماس والحكمة والصبر فى تطوير أو بناء مؤسسات سياسية والاتفاق على ترتيبات سليمة لإدارة الدولة الحديثة، وفقًا لنظام مؤسسى قانونى عادل، مع تجنب تكرار الأخطاء والتجاوزات والعودة إليها مرة أخرى، والتحدى الأكبر ليس فى الهدم رغم ضرورته، وإنما فى بناء المستقبل الآمن للكل والأمين على مختلف المصالح، بما يوفر المشروعية السليمة والضمانات السياسية المؤسسية، بعد تجاوزات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من جريدة الشروق