تشكل شركة إكواتيك الأمريكية إحدى الموجات الجديدة للشركات الناشئة، التي تحاول اكتشاف آلية لاستخدام المحيط لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتخزينه لفترة طويلة في المياه، لكنها فكرة لم يقتنع بها جميع العلماء حتى الآن.
ويعتقد الكثير من العلماء في الوقت الحالي أن تقنيات التقاط الكربون وتخزينه أضحت أمراً حيوياً ومطلوباً، وذلك لأهميتها على الأقل في الحد من الارتفاع الخطير لدرجات الحرارة والتغيرات المناخية.
ومع ذلك، هناك تحدٍ آخر يضاف إلى تنقية الهواء من الكربون، ألا وهو الطلب المتزايد على الهيدروجين الأخضر، كونه البديل الأمثل للوقود الأحفوري في مجالات مثل الصناعة والشحن والطيران، ويتمثل هذا التحدي في أن إنتاج الهيدروجين الأخضر حالياً لا يزال ضئيلاً.
وبناء على ما سبق، فإن إعلان شركة إكواتيك الناشئة، ومقرها في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، عن ابتكارها آلة قادرة على تخليص الهواء من الكربون باستخدام مياه المحيط، يعد إعلاناً جذاباً ومثيراً للاهتمام؛ لأنه يوفر حلاً للمشكلتين في آن واحد: ارتفاع معدلات الكربون في الهواء، وضعف إنتاج الهيدروجين.
وقال إدوارد ساندرز، الرئيس التنفيذي لشركة إكواتيك: "لدينا تقنية تهتم بكلا الأمرين بشكل جيد للغاية؛ الأمر الأول هو أننا نخلص الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون ونخزنه بشكل دائم. والأمر الثاني هو إنتاج الهيدروجين الأخضر".
وتعد شركة إكواتيك من بين الشركات التي تبحث في إمكان استخدام المحيط لالتقاط وتخزين الكربون على المدى البعيد، كبديل للمقترح الشائع بحقن الكربون في الصخور تحت سطح الأرض، وتقول إنها الشركة الوحيدة التي تنتج أيضا الهيدروجين الأخضر في هذه العملية.
ومع ذلك، هناك من لا يستحسن فكرة تخليص الكربون من الجو باستخدام مياه المحيط.
وتقول ماري تشيرش، مديرة حملة الهندسة الجيولوجية في مركز القانون البيئي الدولي (Ciel)، وهي شركة محاماة بيئية غير ربحية مقرها جنيف في سويسرا، إن هناك "مخاطرة كبيرة عند التخلص من ثاني أكسيد الكربون باستخدام مياه المحيط".
وتشرح ماري أن هذه العملية "يمكن أن تغير كيمياء المحيط، ما يؤدي إلى تغير مستويات المغذيات ووفرة أنواع الكائنات البحرية، وله عواقب وخيمة على النظم البيئية".
ويشعر آخرون بالقلق حيال جدوى عملية التخلص من الكربون باستخدام مياه المحيط، وحجم تأثيرها على الانبعاثات الكربونية.
ومع تدفق عشرات ملايين الدولارات الآن على شركات مثل إكواتيك، فإن تنقية الهواء بالكيفية المذكورة تشهد سعياً حثيثاً كي تحتل قمة جدول أعمال المناخ. ويقول المنتقدون إن الجهات التنظيمية وبقية العالم، في حاجة إلى مواكبتها.
ويلعب المحيط بالفعل دورا كبيرا في حماية البشر من التغيرات المناخية، رغم عدم الاعتراف بهذا الدور؛ حيث يمتص المحيط أكثر من 90 في المئة من الحرارة الناتجة عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، كما يمتص ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على الأقل.
ويتزايد الاهتمام العلمي حالياً بحجم ثاني أكسيد الكربون الذي سيخزنه المحيط بشكل طبيعي في المستقبل.
وأدى التزايد المستمر للانبعاثات العالمية إلى اعتقاد كثير من العلماء بضرورة التدخل للتخلص من كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. وحتى الآن، ينصب الاهتمام على التقنيات الموجودة على اليابسة لا في الماء، مثل امتصاص ثاني أكسيد الكربون باستخدام الأشجار أو غيرها من النباتات، أو التقاطه مباشرة من الهواء، ثم دفنه في باطن الأرض.
وتحاول عملية تنقية الهواء من الكربون في المحيط استخدام الآلية ذاتها المعتمدة على صرف الكربون الزائد في المحيط، إلا أنها لا تزال قيد التجربة حتى الآن ولم تستخدم على نطاق واسع، بل ولم تخضع لاختبارات دقيقة بعد، لكنها في تصاعد، لاسيما مع تخصيص عشرات ملايين الدولارات لهذا القطاع من جانب شركات عملاقة في مجال التكنولوجيا، مثل مايكروسوفت وشوبيفاي، فضلاً عن العديد من شركات الطيران.
وتقول سيفانج تشين، مستشارة العلوم والابتكار في شركة كاربون 180، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن تدافع عن حلول التخلص من ثاني أكسيد الكربون: "المحيط شاسع للغاية، والتخزين الطبيعي يشكل ميزة أساسية [مقارنة بالتقنيات القائمة على اليابسة]".
وتضيف سيفانج، "تخزين ثاني أكسيد الكربون المُزال [في الماء] أقل تكلفة، ولا نحتاج إلى نفس البنية الأساسية كخطوط الأنابيب التي نستخدمها لالتقاط الكربون من الهواء مباشرة".
وتوضح أيضاً أن الكربون الملتقط "مستقر للغاية"، قائلة إن إكواتيك إلى جانب شركة إب كاربون، ومقرها سان كارلوس في كاليفورنيا، التي تعمل تقنيتها أيضاً على تقليل حموضة المحيطات، من المتوقع أن تتمكنا معاً من وضع الكربون في الماء بشكل مستدام لأكثر من ألف عام.
وتعمل تقنية إكواتيك بالشكل التالي: أولاً، تضخ مياه البحر في جهاز التحليل الكهربائي، وهو جهاز يستخدم الكهرباء لتقسيم الماء إلى هيدروجين وأكسجين، وتشغله إكواتيك بالكهرباء النظيفة المتمثلة في طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية أو الطاقة الكهرومائية.
ويحوّل هذا الجهاز مياه البحر إلى غاز الهيدروجين وغاز الأكسجين وتيار حمضي ومزيج قلوي من مواد تعتمد على الكالسيوم والمغنيسيوم. وفور تعرض المزيج القلوي للهواء فإنه يسحب ثاني أكسيد الكربون ويحتجزه، ثم يصرفه في مياه البحر.
والخطوة الأخيرة هي تحييد تيار النفايات الحمضية بتمريره على الصخور لتترسب فيها هذه النفايات، قبل تصريفها في البحر، لتجنب زيادة حموضة المحيطات.
وتقول الشركة إن ثاني أكسيد الكربون الذي تلتقطه ينتهي به الأمر في المحيط على هيئة أيونات بيكربونات مذابة وكربونات معدنية صلبة، وهي الأشكال التي يظل ثاني أكسيد الكربون فيها ثابتاً لمدة 10 آلاف عام بل وحتى مليارات السنين.
وتتفق سيفانج مع هذا الرأي، وتقول: "في الطرق الكهروكيميائية التي تحوّل ثاني أكسيد الكربون إلى كربون مستقر مثل الكربونات الصلبة، يجرى حبس أو تخزين ثاني أكسيد الكربون بشكل دائم، ويظل مستقراً في الماء ولا يمكن إطلاقه في الجو مرة أخرى، ما لم تتعرض مياه المحيط، التي تحوي الكربونات، للتسخين إلى درجة حرارة عالية تبلغ حوالي 900 درجة مئوية، وهو أمر مستحيل مستقبلاً".
ومع ذلك، هناك من لا يتفق مع هذا الرأي.
يقول جيمس كيري، عالم البحار والمناخ في أوشن كير، المنظمة غير الربحية للحفاظ على البحار ومقرها سويسرا، والأستاذ في جامعة جيمس كوك في أستراليا، إن "إزالة ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في البحار بصورة كبيرة، قد يضر بالدور المهم الذي تلعبه المحيطات في المناخ والأمن الغذائي وإنتاج الأكسجين".
وعن التقنيات المستخدمة، يوضح كيري أن هذه التقنيات تشكل "تهديدات كبيرة لحقوق الإنسان والبيئة، خاصة فيما يتعلق بنطاق استخدامها".
رداً على هذا الانتقاد، يوضح شين تشين، كبير العلماء والمؤسس المشارك في شركة إكواتيك، أن "مفتاح عملية الشركة هو تطوير أنود (مَصعَد أو قطب كهربائي) انتقائي للأكسجين، يسمح بإجراء التحليل الكهربائي المباشر لمياه البحر الخام لإنتاج الهيدروجين، بدون إنتاج غاز الكلور أيضاً".
ويعد الكلور غازاً ساماً يسبب التآكل، وينشأ أثناء تحليل مياه البحر بالكهرباء، ما يعني أن مياه البحر تحتاج عادة إلى تحلية لإزالة الأملاح (كلوريد الصوديوم) قبل استخدامها في التحليل الكهربائي لتجنب إنتاج الكلور.
ويقول تشين إن التقنية الجديدة "كالكأس المقدسة لخبراء الكيمياء الكهربائية، حيث يمكنهم إجراء التحليل الكهربائي المباشر لمياه البحر دون خطوات إضافية لتحلية مياه البحر".
ويركز مختبر تشين حالياً على إنتاج قطب كهربائي خالٍ من مجموعة نادرة ومكلفة من العناصر، تسمى معادن مجموعة البلاتين.
ويقول إن الإمدادات المحدودة من هذه المعادن النادرة، قد "تعطل سلسلة التوريد" مستقبلاً، في حال توسع أعمال شركة إكواتيك. ويوضح أن الفريق أنشأ بالفعل قطباً كهربائياً من الجيل الثاني بدون استخدام هذه المعادن، لكن داخل المختبر، ويحتاج الآن إلى اختباره خارج المختبر.
ورغم أن الأمر لا يزال مبكراً بالنسبة لشركة إكواتيك، إلا أنها تعمل على التوسع في نشاطها.
ففي أوائل عام 2023، بدأت الشركة تشغيل مصنعين تجريبيين على الصنادل وهي مراكب أو عبّارات مسطحة، في سنغافورة ولوس أنجلوس، ونجح كل منها في إزالة ما يقرب من 30-40 طناً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أي ما يعادل الانبعاثات الكربونية السنوية لحوالي ثماني سيارات.
وتعمل الشركة الآن على بناء أكبر مصنع لإزالة ثاني أكسيد الكربون في العالم في سنغافورة، على أن يكون أكبر بمقدار 100 مرة من المصنعين التجريبيين، حيث يزيل 4000 طن من ثاني أكسيد الكربون وينتج نحو 100 طن من الهيدروجين سنوياً.
وتعمل الشركة أيضاً في المراحل الأولى لبناء مصنع لجمع الكربون على نطاق تجاري واسع في مقاطعة كيبيك بكندا، يعمل بالطاقة الكهرومائية.
وتخطط الشركة لرفع قدراتها لسحب أكثر من 100 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون، وإنتاج 3600 طن من الهيدروجين. ويقول ساندرز إن المصنع، الذي سيغطي حوالي 30 فدانا (12 هكتارا)، سيبدأ العمل في نهاية 2026 على أقرب تقدير.
وتعد سياسة التوسع في إنشاء المصانع ضرورية لبدء تشغيل مشروع التخلص من الكربون، وتخفيف الضغوط التي تواجهها الشركة فيما يتعلق بخفض التكاليف وإثبات أن تقنيتها الخاصة بسحب الكربون، قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
ويقول ساندرز، الرئيس التنفيذي لإكواتيك، إن الشركة صممت هذه التكنولوجيا للامتثال للوائح البيئية الحالية. موضحاً أن التحدي تمثل في تصميم نظام قوي يتوافق مع تصاريح التخطيط المعمول بها حالياً، ويكون منخفض التكلفة ليصبح في متناول الجميع على نطاق واسع.
وتستهدف الشركات العاملة في التخلص من الكربون مثل إكواتيك، الحصول على تعويض الكربون أو أرصدة الائتمان الكربوني التي تعرف بـ (كربون كريديت).
وتعمل آلية الائتمان الكربوني من خلال تفعيل مخطط لالتقاط كمية محددة من ثاني أكسيد الكربون، وتخزينها بشكل دائم (نظرياً على الأقل)، وتباع كمية الكربون التي نجحت الشركة في سحبها من الهواء كرصيد ائتماني أو تعويض، بحيث يمكن لشخص آخر.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي