أكدت دراسة سياسية جديدة صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّه بعد سقوط نظام بشار الأسد، تُمثّل المرحلة الانتقالية في سوريا فرصةً تاريخيةً لإعادة بناء سوريا على أسس ديمقراطية وعدالة شاملة، وإنشاء نظام يحظى بشرعية شعبية.
واعتبرت الدراسة التي حملت عنوان "سورية الجديدة: خارطة طريق للمرحلة الانتقالية"، أنّ النظام الجديد يجب أن يستند إلى مبادئ الحكم الرشيد، والمشاركة الشعبية، واحترام حقوق المواطن وحرياته، والتعددية السياسية والثقافية والدينية والمذهبية للمجتمع السوري.
وأضافت أنّ هذه المرحلة تتطلّب مواجهة التحديات الكبيرة، المتمثّلة في ضعف مؤسسات الدولة، وانهيار بعضها (الجيش والأمن)، وانعدام الثقة بين مختلف الفئات الاجتماعية، والتدخلات الخارجية، والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ما يتطلّب خطة واضحة للانتقال تسمح بالتغلّب على هذه التحديات.
ما هي خطوات الانتقال السياسي الضرورية؟ وشدّدت على أنّ نجاح هذه المرحلة يعتمد على وضوح الرؤية وشمولية الإجراءات والوحدة الوطنية لإنجاح الانتقال، ودعم المجتمع الدولي، من خلال: تشكيل مجلس انتقالي قوي، وإعلان دستوري شامل، وصياغة دستور ديمقراطي يضمن الحقوق العامة، ويمكّن من تحقيق انتقال سياسي مستدام وبناء سوريا المستقبل التي تطمح إليها الأجيال المقبلة.
1- تشكيل هيئة حكم انتقالية رأت الدراسة أنّ تشكيل هيئة حكم انتقالية ضرورة، لفهم عملية صنع القرار في المرحلة الانتقالية وإضفاء الشرعية القانونية عليها.
وأشارت إلى أنّ هذه الهيئة يجب أن تتشكّل من شخصيات عسكرية ومدنية يجري اختيارها بناءً على معايير واضحة لضمان الكفاءة والقدرة على مواجهة تحديات المرحلة، بينما تعكس تركيبتها تضافر الجهود بين المقاتلين الذين كان لهم الدور الأبرز في هزيمة نظام بشار الأسد وإسقاطه، ومجموعة من التكنوقراط أصحاب الخبرات المناسبة، والسياسيين من ذوي الشعبية الواسعة، ممّن شاركوا في النضال ضد نظام الأسد. ويرأس مجلس الهيئة قائد إدارة العمليات العسكرية بصفته هذه.
ما هي مهام الهيئة الانتقالية؟
أوضحت الدراسة الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّ مسؤوليات الهيئة الانتقالية تشمل:
توفير الأمن والاستقرار من خلال وضع أسس لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بطريقة احترافية.
إعادة بناء الجيش الوطني والإشراف على جمع السلاح، بما في ذلك من الفصائل المقاتلة، ودمج عناصرها في إطار الجيش الوطني الجديد.
الإشراف على إدارة الشؤون الخارجية، بما في ذلك وزارة الخارجية، مع التركيز على بناء علاقات دولية تخدم المصلحة الوطنية السورية.
الإشراف على تشكيل حكومة تسيير أعمال تتولى إدارة المهمات اليومية للدولة، بما في ذلك تقديم الخدمات الأساسية، وضبط الأمن.
ممارسة صلاحيات تشريعية استثنائية تُمكّن المجلس من معالجة الأوضاع القانونية المتراكمة من النظام السابق، تشمل ما يلي:
إعلان دستوري مؤقت.
إلغاء القوانين القمعية، بما في ذلك قوانين الطوارئ ومكافحة الإرهاب، وأيّ قوانين أخرى تمنح أفراد السلطة العامة حصانات تحميهم من المحاسبة القانونية، لضمان عدم إفلات أيّ مسؤول من العقاب.
تشريع قوانين جديدة (محدودة) متعلّقة بالمرحلة الانتقالية تدعم الانتقال الديمقراطي، مثل قانون الانتخابات المؤقت، وقانون الأحزاب المؤقت، وقانون إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية، وسنّ تشريعات أساسية لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والقضائية بما يضمن حياديتها واستقلاليتها.
تحدي إعادة هيكلة الجيش.. أحد أهم ملفات الإدارة الجديدة في سوريا
ما هي معايير أعضاء الهيئة الانتقالية؟
ووفقًا للدراسة، تتمثّل معايير اختيار أعضاء الهيئة الانتقالية في:
الكفاءة المهنية والخبرة، بما في ذلك امتلاك الخبرة العملية في مجالات الإدارة والأمن والعلاقات الدولية، مع وجود ما يُثبت القدرة على العمل في ظروف استثنائية، والإلمام بالآليات السياسية والقانونية اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية.
النزاهة والاستقلالية، حيث يجري اختيار أعضاء سجلّهم خالٍ من الفساد والتجاوزات، وليس لهم ارتباط بالنظام السابق ولم يشغلوا مناصبَ قيادية فيه.
الالتزام بالمبادئ التي قامت عليها الثورة السورية، مثل الحرية والكرامة والعدالة.
التمثيل الوطني، بما يشمل ضمان تمثيل كافة المكونات الوطنية، والتنوع المجتمعي السوري، وأن يكون العضو ذا قبول في منطقته ومجتمعه.
الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، والإيمان بسيادة القانون، واحترام التعددية السياسية، والعمل على تعزيز مشاركة مختلف الأطراف الوطنية.
التحلّي بالمرونة والقدرة على العمل الجماعي ضمن فريق متعدد الخلفيات والخبرات.
ما هي آلية اختيار أعضاء الهيئة الانتقالية؟
تذكر الدراسة الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّه من الممكن اعتماد الآليات التالية في اختيار الأعضاء:
التوافق والمشاورات، بحيث تُعقد مشاورات مكثفة بين مختلف القوى الوطنية بقيادة إدارة العمليات العسكرية للوصول إلى توافق يعكس الإرادة الشعبية.
الاستعانة بلجنة لتقديم توصيات، يكون من مهماتها التحقق من السيرة الذاتية والخبرات العملية للمرشحين.
2- حكومة تسيير الأعمال أكدت الدراسة أن حكومة تسيير الأعمال التي تعمل تحت إشراف الهيئة الانتقالية، تُعدّ ركيزة أساسية للمرحلة الانتقالية. وتهدف إلى تحقيق استقرار الحياة اليومية للسكان ووضع اللّبنات الأولى لإعادة بناء الدولة السورية على أسس سليمة. وتتعاون مع الهيئة في بذل الجهود لرفع العقوبات عن سورية.
ما هي أهداف حكومة تسيير الأعمال؟
أوضحت الدراسة أنّ الأهداف الرئيسية لحكومة تسيير الأعمال تتمثّل في ما يلي:
إدارة شؤون الحياة اليومية وتوفير السلع الأساسية، وتشغيل القطاعات الحيوية، بما في ذلك قطاعَا الصحة والتعليم.
إعادة تشغيل المرافق الحيوية، مع التركيز على إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء التي تضررت بسبب الحرب، وضمان توزيعها على نحوٍ مستدام وعادل.
إدارة المؤسسات الحكومية وإعادة تنظيم عملها لتقديم الخدمات بكفاءة وشفافية، بما يضمن وصول الخدمات إلى جميع المناطق من دون تمييز.
إغاثة الفئات الأشدّ تضررًا، ووضع خطط طوارئ لمساعدة النازحين، بما يشمل توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية.
وضع الأسس الاقتصادية والاجتماعية الممهّدة لإعادة الإعمار والتنمية، وتطوير سياسات اقتصادية لمعالجة التضخم والبطالة، وتوفير فرص عمل للشباب والمجتمع المحلي.
إطلاق عمليات إعادة إعمار البنية التحتية من خلال دراسة المشاريع العاجلة لإعادة بناء الطرق والجسور المدمرة، وربط المناطق الريفية بالمدن، وإعادة بناء المدارس والمستشفيات.
تأهيل القطاعات الاقتصادية، ودعم القطاعات الزراعية لإحياء الإنتاج الزراعي، وضمان الأمن الغذائي.
تقديم التسهيلات لإعادة تشغيل المصانع والمنشآت الصناعية الصغيرة التي كانت قائمة قبل الحرب.
تعزيز التماسك الاجتماعي، وإنشاء برامج دعم اجتماعي تركز على إعادة النازحين واللاجئين إلى أماكن سكناهم الأصلية، ورعاية الأيتام وأسر الشهداء، وتوفير فرص تدريب وتأهيل مهني لهم.
العمل على توفير بيئة سياسية تتيح حرية الرأي والتعبير، وضمان حق التجمع السلمي وإشراك المواطنين في صنع القرار.
توفير بيئة آمنة تمهد الطريق لحوار وطني جامع يشمل كلّ مكونات الشعب السوري، وإطلاق منصات للحوار تشمل جميع المكونات السياسية والاجتماعية، بغرض التوصل إلى رؤية مشتركة حول شكل الدولة الجديدة مع إشراك ممثلين عن الشباب والمرأة والأقليات في عملية الحوار لضمان التنوع والشمولية.
العمل على إرساء مبادرات مصالحة محلية تهدف إلى حل النزاعات القائمة بين المجتمعات المحلية، وتقديم الدعم لآليات بناء الثقة بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية بما يضمن التماسك الوطني.
وضع إطار مبدئي للعدالة الانتقالية يركز على وضع أسس قانونية ومرجعية لإنصاف ضحايا الانتهاكات، والكشف عن الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، بما يضمن التمهيد لمصالحة مستدامة.
ما هي الآليات التي تتبعها حكومة تسيير الأعمال؟
وفقًا للدراسة، تتبع حكومة تسيير الأعمال في عملها الآليات التالية:
إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وفقًا لمعايير الكفاءة والنزاهة لضمان تقديم خدمات فعالة لجميع المواطنين.
الاستعانة بالكفاءات الوطنية في الداخل والخارج، بما يضمن توفير خبرات قادرة على إدارة التحديات المعقدة التي تواجه الحكومة المؤقتة.
التعاون مع المجالس المحلية والمنظمات غير الحكومية لتوفير حلول سريعة ومبتكرة للتحديات اليومية، مع ضمان إشراك المواطنين في عملية صنع القرار.
العمل على تأمين دعم مالي دولي وإقليمي لإعادة الإعمار، مع توجيه هذه الموارد بشفافية لتلبية الاحتياجات الملحّة.
3- الإعلان الدستوري أوضحت الدراسة أنّ المرحلة الانتقالية تُدار بموجب إعلان دستوري يمثّل مرجعيةً قانونيةً للسلطات التي تُديرها، ويُعدّ الوثيقة القانونية المؤقتة التي تنظّم شؤون الدولة.
وأضافت أنّ هذا الإعلان الدستوري، لا يحدد مستقبل سوريا بل يُحدّد قواعد لإدارة البلاد في هذه المرحلة. وإلى جانب تحديد الحقوق الأساسية وآليات الرقابة، فإنه يمنح بعض الصلاحيات التشريعية للمجلس الانتقالي لضمان تحقيق العدالة والبدء في عملية بناء الدولة على أسس قانونية عادلة وتعلنه الهيئة الانتقالية.
ما هي مهام الإعلان الدستوري؟
ووفقًا للدراسة، يجب أن يُعنى الإعلان الدستوري بما يلي:
الحقوق المدنية والسياسية: يمثّل الإعلان الدستوري ضمانةً أساسيةً لحماية الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، بما في ذلك ضمان حرية الرأي والتعبير من دون خوف من الملاحقة، وحماية الصحافيين ووسائل الإعلام من التضييق أو القمع، وتمكين المواطنين من التجمع السلمي للتعبير عن آرائهم ومطالبهم، مع ضمان حماية هذا الحق من أيّ تعسف. وبموجب الصلاحيات الممنوحة للهيئة الانتقالية، تُلغى القوانين الاستثنائية التي قيّدت الحريات العامة، من قبيل قوانين الطوارئ التي تُستخدم أداةً لقمع المعارضة، وتأكيد مبدأ المساواة التامة بين جميع المواطنين أمام القانون، من دون تمييز أو محاباة.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الصعبة وحالة عدم الاستقرار في المرحلة الانتقالية: تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في الإعلان الدستوري الحق في التعليم (المجاني) لجميع الفئات العمرية (مع وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الأطفال المتضررين من النزاع)، والحق في الصحة (مع ضمان توفير الرعاية الصحية المجانية لجميع المواطنين، وإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الطبية، وإنشاء برامج لمعالجة جراح الحرب النفسية والجسدية، خاصة للفئات الأشدّ ضعفًا).
إلغاء القوانين التي تمنح حصانات خاصة لأفراد السلطة العامة، والتي تُستخدم، غالبًا، لحمايتهم من المحاسبة على أفعالهم غير القانونية.
إعادة الإعمار والتنمية، بإطلاق خطط قصيرة ومتوسطة الأجل لإعادة بناء البنية التحتية، ودعم النشاطات الاقتصادية لتحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
آليات الرقابة وحماية حقوق المواطنين: تضمن آليات الرقابة المضمّنة في الإعلان الدستوري حماية المواطنين والمساءلة.
لتحقيق العدالة الانتقالية.. تحرك أممي لصون الأدلة على جرائم نظام الأسد
كيف يُمكن تنفيذ مضامين الإعلان الدستوري؟
ولتنفيذ مضامين الإعلان الدستوري بفاعلية، يجري اعتماد هيكل إداري مؤقت، يضمُّ:
الهيئة الانتقالية: ذات صلاحيات واسعة لتوجيه المرحلة الانتقالية، بما في ذلك التشريع ومراقبة أداء حكومة تسيير الأعمال.
حكومة تسيير الأعمال: تتولى إدارة الشؤون اليومية للدولة، وتنفيذ السياسات المنصوص عليها في الإعلان الدستوري.
الهيئات التابعة للحكومة والمجلس: مثل هيئة العدالة الانتقالية.
4- الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع شدّدت الدراسة على ضرورة أن تتولى الهيئة الانتقالية مسؤولية الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع باعتبارها الجهة المخوّلة بإدارة المرحلة الانتقالية. ويهدف المؤتمر إلى توحيد الجهود الوطنية ورسم ملامح سورية المستقبل على أسس تشاركية وشاملة.
ما هي أهداف المؤتمر الوطني الجامع؟
وفقًا للدراسة، تشمل أهداف المؤتمر الوطني الجامع ما يلي:
عزمي بشارة: الوحدة الوطنية هي الضمانة لمواجهة المرحلة المقبلة في سوريا
جمع ممثلين عن كافة مكونات الشعب السوري ومختلف القوى السياسية، بما في ذلك الأحزاب، والجمعيات غير الحكومية والأهلية والاتحادات، والنخب الفكرية والأكاديمية؛ للمساهمة في بناء رؤية وطنية متكاملة.
وضع رؤية وطنية مشتركة تحدد الأولويات المستقبلية، مثل إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية والانتقال الديمقراطي، والاتفاق على المبادئ الأساسية لبناء دولة مدنية حديثة تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من التلفزيون العربي