يتجه قطاع العملات المشفرة نحو 2025 بخطى ثابتة. فبعد شهر على انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة، تخطت عملة "بتكوين" عتبة 100 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها، فيما يتوقع مؤيدوها أن ذلك يبشر بموجة صعود جديدة للقطاع.
تبدو هذه الموجة مختلفة عن سابقاتها من دورات الصعود والهبوط التي ميّزت بدايات العملات الرقمية. فلأول مرة، سيكون لدى الولايات المتحدة رئيس يعلن تأييده للعملات المشفرة، بل وأطلق رمزه الرقمي الخاص.
بدأ ترمب بالفعل بتعيين مؤيدين للأصول الرقمية في مواقع قيادية داخل الحكومة. بعد وعده الانتخابي خلال مؤتمر "بتكوين" السنوي في يوليو الماضي بإنشاء "احتياطي وطني استراتيجي من بتكوين"، يدور نقاش جاد بين المحللين اليوم حول ما إذا كانت البلاد ستقدم فعلاً على مثل هذه الخطوة.
نفوذ سياسي من العملات المشفرة
حتى قبل الانتخابات، بادرت شركات كبرى مثل "بلاك روك" وغيرها من المؤسسات المالية إلى إطلاق صناديق استثمار متداولة تتيح للمستثمرين تداول العملات الرقمية عبر حسابات الوساطة التقليدية، ما فتح الباب أمام شريحة أوسع من المستثمرين لدخول السوق. هكذا، انتقلت العملات الرقمية، التي لطالما تبنت أيديولوجية معادية للحكومات والمؤسسات، لتصبح جزءاً من النظام القائم بحد ذاته.
هذا الصعود المفاجئ هو ثمرة سنوات من العمل. فمع تراجع الاهتمام بالعملات الرقمية خلال فترة ركودها، انكب المديرون التنفيذيون والاستراتيجيون في القطاع على العمل بعيداً عن الأضواء. ولكن عملهم لم ينصب على تطوير التطبيق الثوري الذي لطالما وعدوا أنه سيثبت الجدوى العملية لسلاسل الكتل (بلوكتشين)، بل ركزوا جهودهم على إطلاق حملة غير مسبوقة لكسب النفوذ السياسي.
تُرجمت هذه الجهود إلى إنفاق سياسي يزيد عن 130 مليون دولار خلال دورة انتخابات 2024، مصحوباً بحملة علاقات عامة مكثفة هدفت إلى إقناع المرشحين بضرورة كسب ود الناخبين المهتمين حصراً بالعملات الرقمية، وهي شريحة استحدثها الخبراء الاستراتيجيون بالكامل.
تداخل بين سوقي العملات المشفرة والتقليدية
إلى ذلك، ركزت الحملات الداعمة لقطاع التشفير على نشر رواية تتهم الهيئات الفيدرالية بشن حرب شاملة ضد العملات المشفرة، وتنفيذ حملات غير رسمية لمعاقبة الشركات الناشئة المبتكرة من دون مبرر.
قد تبدو هذه السردية مألوفة لكل من استمع إلى تصريحات ترمب ومؤيديه حول القوانين الناظمة في قطاع التكنولوجيا، رغم تناقضها مع الواقع، حيث أن قطاع التشفير لطالما تجاهل القوانين المعمول بها، بينما يطالب الحكومة بسن تشريعات أكثر تساهلا. قالت هيلاري ألن أستاذة القانون في الجامعة الأمريكية ومؤلفة كتاب "Driverless Finance" : "قطاع التشفير مبني على أساس من عدم الامتثال للقوانين الناظمة".
في غياب القواعد الناظمة، شهدنا العديد من عمليات الاحتيال الكبرى، لكن تبعاتها ظلت محدودة نسبيا. فالأزمات المالية تتحول إلى كوارث حقيقية عندما يتسبب انهيار أحد القطاعات في إلحاق الضرر بأخرى. (على سبيل المثال، لم يكن من الضروري أن يكون لديك رهن عقاري ضخم على منزل انخفضت قيمته فجأة لكي تشعر بتداعيات أزمة 2008 المالية).
أما الجانب الإيجابي لانهيار العملات المشفرة في 2022 الذي أطاح بعدد ضخم من المستثمرين والشركات الكبرى الناشطة في القطاع، هو أن الأشخاص الذين لم ينساقوا خلف موجة العملات المشفرة ظلوا في مأمن من الخسائر. مع ذلك، قد لا يصمد الحاجز الذي يفصل بين أسواق العملات المشفرة المتقلبة والمعرضة للاحتيال، وبين القطاع المالي التقليدي في ظل إدارة ترمب، وقد لا يحمينا هذا الحاجز من الركود المقبل في سوق العملات المشفرة.
يُتوقع أن يتولى مؤيدون لقطاع التشفير، مثل بول أتكينز، مرشح ترمب لرئاسة لجنة الأوراق المالية والبورصات، مناصب قيادية في الهيئات الفيدرالية الرئيسية، ما يمكن أن يعني اختفاء القيود المحدودة التي كانت مفروضة على القطاع. فقد أظهرت الإدارة المقبلة عزمها إضعاف أو حتى تفكيك الهيئات والقوانين التي تحمي المستهلك، وتحافظ على الثقة بالسوق والشركات.
قد يسفر ذلك عن مزيد من التداخل بين قطاع التشفير والقطاعات الأخرى. قالت ألن: "المفارقة الكبرى هي أن قطاع التشفير يسعى الآن للاندماج مع النظام المالي السائد ليحظى بدعم البنوك المركزية نفسها، رغم أنه أُنشئ في الأصل من أجل التصدي لها".
تخفيف القيود
على الرغم من الأصوات المعارضة التي تصاعدت في القطاع، استمرت القوانين الناظمة في كبح انخراط معظم البنوك بشكل مفرط في مجال العملات المشفرة، ما حماها مما حصل من انهيارات في القطاع.
تجلّت أهمية هذا الفصل بوضوح في مارس 2023، عندما انهار مصرفان كانا متورطين بشكل كبير في قطاع العملات المشفرة. في تلك الفترة، كانت معظم صناديق التقاعد محصنة من هذا القطاع، ويرجع ذلك جزئياً إلى الإرشادات التي كانت تحث القائمين على هذه الصناديق على عدم تقديم خيار العملات المشفرة ضمن خطط التقاعد، ولعدم توفر الأصول الرقمية عبر شركات الوساطة التقليدية.
مع ذلك، بدأت بعض هذه الضمانات تتآكل، حيث وافقت لجنة الأوراق المالية والبورصات، رغم شهرتها كخصم لهذا القطاع، على منتجات متداولة مرتبطة ببتكوين وإيثريوم، ما وضع هذه العملات بشكل أكبر في متناول المستثمرين التقليديين والصناديق. كما بدأ المزيد من مديري حسابات التقاعد، بما في ذلك أولئك الذين يديرون خطط التقاعد الممولة من قبل أصحاب العمل، في عرض الاستثمار في العملات الرقمية.
عمل هذا القطاع جاهدا على تفكيك القيود المفروضة على البنوك الخاضعة للقوانين الناظمة التي ترغب في الانخراط في مجال العملات المشفرة، وضغط لإلغاء "نشرة المحاسبة للموظفين رقم 121" الصادرة عن لجنة الأوراق المالية والبورصات، التي تفرض على البنوك الكشف عن الأصول المشفرة التي تحتفظ بها نيابة عن.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاقتصادية