اقترب مسبار باركر الشمسي من الشمس، أمس الثلاثاء، خلال تحليق قياسي، وأصبح ما يفصله عن الشمس 3.8 مليون ميل فقط (6.1 مليون كيلومتر)، وهي أقرب مسافة من نجم عرفتها البشرية.
للتبسيط؛ إذا كانت المسافة بين الأرض والشمس بطول ملعب كرة قدم أميركية، فإن المركبة الفضائية ستكون على بعد نحو 4 ياردات من منطقة النهاية، وفقاً لوكالة ناسا.
وفق المخطط تطير المركبة الفضائية غير المأهولة بالبشر بسرعة 430 ألف ميل في الساعة (692 ألف كيلومتر في الساعة)، وهي سرعة كافية للوصول إلى طوكيو من واشنطن العاصمة في أقل من دقيقة، وفقاً لوكالة ناسا، ومن شأن التحليق السريع أن يجعل المسبار أسرع جسم من صنع الإنسان في التاريخ، كما أعلنت الوكالة في 16 ديسمبر خلال عرض تقديمي مباشر لوكالة ناسا على يوتيوب.
كانت المهمة تستعد لهذا الإنجاز التاريخي منذ إطلاقها في 12 أغسطس 2018، وهو حدث حضره عالم الفيزياء الفلكية الذي يحمل اسم المسبار، الدكتور يوجين باركر، الذي كان رائداً في مجال أبحاث الطاقة الشمسية في الفيزياء الشمسية.
كان باركر أول شخص حي يتم تسمية مركبة فضائية تيمناً به، ولكنه توفي عن عمر يناهز 94 عاماً في مارس 2022، بعد أن أحدثت أبحاثه ثورة في فهم البشرية للشمس والفضاء.
أصبح المسبار أول مركبة فضائية تلامس الشمس من خلال الطيران بنجاح عبر الغلاف الجوي العلوي للشمس (هالة الشمس) لأخذ عينات من الجسيمات والحقول المغناطيسية لنجمنا في ديسمبر 2021.
على مدار السنوات الست الماضية من مهمة المركبة الفضائية التي استمرت سبع سنوات، جمع مسبار باركر الشمسي بيانات لتثقيف العلماء حول بعض أعظم ألغاز الشمس.
لطالما تساءل علماء الفيزياء الشمسية عن كيفية توليد الرياح الشمسية، وهي تيار مستمر من الجسيمات التي تطلقها الشمس، بالإضافة إلى سبب كون هالة الشمس أكثر سخونة من سطحها.
يريد العلماء أيضاً فهم كيفية هيكلة الانبعاثات الكتلية الإكليلية، أو السحب الكبيرة من الغاز المؤين المسماة البلازما والحقول المغناطيسية التي تنفجر من الغلاف الجوي الخارجي للشمس.
عندما تستهدف هذه الانبعاثات الأرض يمكن أن تسبب عواصف أرضية مغناطيسية، أو اضطرابات كبيرة في المجال المغناطيسي للكوكب، التي يمكن أن تؤثر على الأقمار الصناعية وكذلك البنية التحتية للطاقة والاتصالات على الأرض.
تحدي الغبار والحرارة
قالت هيلين وينترز، مديرة مشروع مسبار باركر الشمسي من مختبر الفيزياء التطبيقية بجامعة جونز هوبكنز، في بيان «سيغير مسبار باركر الشمسي مجال الفيزياء الشمسية، بعد سنوات من تحدي الحرارة والغبار في النظام الشمسي الداخلي، وتلقي انفجارات من الطاقة الشمسية والإشعاع التي لم تشهدها أي مركبة فضائية من قبل، يواصل مسبار باركر الشمسي طريقه».
حلق باركر في نحو الساعة 6:53 صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة في عشية عيد الميلاد، ليكون الاقتراب الأول من ثلاثة اقترابات للمركبة الفضائية، ومن المتوقع حدوث الاثنتين الأخريين في 22 مارس و19 يونيو من العام المُقبل.
قال عالم مشروع باركر الشمسي، نور روافي، إن المركبة الفضائية صُممت لتحمل أقصى درجات حرارة الشمس وحلقت عبر الانبعاثات الكتلية الإكليلية في الماضي دون أي تأثير على المركبة.
المركبة الفضائية مجهزة بدرع من رغوة الكربون يبلغ سمكه 4.5 بوصة (11.4 سم) وعرضه 8 أقدام (2.4 متر)، وعلى الأرض قبل الإطلاق، تم اختبار الدرع وكان قادراً على تحمل درجات حرارة قريبة من 2500 درجة فهرنهايت (نحو 1400 درجة مئوية)، وفي عشية عيد الميلاد يمكن أن يواجه الدرع درجات حرارة تصل إلى 1800 درجة فهرنهايت (980 درجة مئوية).
في الوقت نفسه، ستكون درجة حرارة الجزء الداخلي من المركبة الفضائية مريحة بحيث يمكن للأنظمة الإلكترونية والأجهزة العلمية العمل كما هو متوقع، حيث يحافظ نظام التبريد داخل المركبة على درجة حرارة ثابتة تبلغ 320 درجة فهرنهايت (160 درجة مئوية)، حتى أثناء الاقتراب من الشمس.
وقال روافي إن مسبار باركر سيرسل إشارة تسمى (نغمة المنارة) إلى مركز التحكم للتأكيد على نجاح التحليق في نحو منتصف الليل بين الخميس والجمعة، «المجموعة الهائلة من البيانات والصور التي تم جمعها أثناء التحليق لن تصبح متاحة لمركز التحكم حتى يبتعد باركر عن مدار الشمس، وهو ما سيحدث بعد نحو ثلاثة أسابيع في منتصف يناير».
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية