على وقع الإعلان التركي بشأن إبرام اتفاقية مع سوريا تتعلق بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، أعربت اليونان عن رفضها لمثل هذا المقترح الذي يعيد إلى الأذهان اتفاقاً مماثلاً أبرمته تركيا مع ليبيا في العام 2019 وهو ما أثار أيضاً في ذلك الحين غضب أثينا وعواصم أخرى أوروبية وعربية، فهل يمكن لأنقرة أن تكرر الاتفاق ذاته مع دمشق عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد سيما وأن الجانب التركي دعمت الفصائل التي أطاحت بالنظام السابق؟
ورغم أن وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، قد قال إن بلاده تعتزم بدء مفاوضات مع سوريا لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط"، مضيفاً أن أي اتفاق بشأن استكشاف الطاقة في البحر المتوسط مع سوريا "في المستقبل سيكون متوافقاً مع القانون الدولي"، لكن طرح هذا المقترح من قبل الوزير التركي للصحافيين أمس الثلاثاء في العاصمة أنقرة يثير الكثير من علامات الاستفهام.
ووفق المحلل والباحث السياسي سركيس قصارجيان فإن أول عقبة تتعلق بالاتفاق مرتقب تكمن في أن تركيا قد رفضت في العام 1982 التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، والتي تعدّ المرجعية القانونية الرئيسة في ترسيم الحدود البحرية.
وقال قصارجيان لـ"العربية.نت" إن "الاقتراح التركي بشأن ترسيم الحدود البحرية مع سوريا يضعنا أمام الواقع الليبي مع وجود بعض الفوارق في التفاصيل من ناحية تقاسم السلطة"، لافتاً إلى أن "الشبه بين الحالتين يمكن في وجود حكومة متحالفة مع أنقرة كما هي الحال في ليبيا لكن في سوريا لا تحظى هذه الحكومة بالشرعية الدولية والداخلية المطلوبة كي تمارس مهامها بعقد اتفاقياتٍ دولية".
الوضع الليبي وتابع أن "الوضع السوري يشبه الوضع الليبي أيضاً من ناحية الخطوات التركية التي تحاول أنقرة الإقدام عليها من جهة ترسيم الحدود البحرية وفرضها وأيضاً موضوع استغلال ما يمكن استغلاله في الداخل السوري على شكل استثمارات تعود بالنفع والفائدة على الجانب التركي، وفي الوقت ذاته يجب أن لا ننسى بأن تركيا أيضاً معنية بالحد الأدنى من الحفاظ على إمكانية استمرار الشرع في الحكم لأنها قدمت نفسها ككفيل ومسؤول عن هيئة تحرير الشام لقيادة سوريا".
كما لفت المحلل السياسي إلى أن "أي انتكاسة أو فشل للهيئة في هذه المهمة سترتد أيضاً على تركيا وتكون مسؤولة عن هذا الفشل، وبالتالي هي من ناحية تحاول الاستفادة اقتصادياً ومن ناحية أخرى تحاول أن تحصل على حد أدنى من الدعم والمساندة الدولية للشرع كي يتمكن من إدارة أمور البلاد خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه سوريا".
هدف استراتيجي.. وفرصة تاريخية ومن جهته قال المحلل السياسي التركي موسى أوزوغورلو المتخصص في العلاقات الدولية إن "سوريا تمثل هدفاً استراتيجياً بالنسبة إلى تركيا خاصة إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم"، لافتاً إلى أن "الحكومة الحالية في تركيا ترى في الظروف الراهنة في سوريا فرصة تاريخية لتثبيت حضورها".
وتابع لـ "العربية.نت": "لدى تركيا أهداف اقتصادية في البحر المتوسط وكذلك تتمسك بالطرق الدولية داخل سوريا ولذلك هي منذ سنوات تتعامل مع الفصائل المسلّحة في سوريا وصولاً إلى الحكومة الحالية في دمشق والتي تتطلع لإبرام اتفاق معها".
اتفاقات سريعة كما شدد الخبير في العلاقات الدولية على أن "تركيا تحاول إبرام اتفاقيات سريعة مع سوريا قبل وجود برلمان وجهات حكومية سيادية قد تعترض على مثل هذه الاتفاقيات ولذلك يمكن أن يكون الاتفاق البحري بين سوريا وتركيا يشبه نظيره الليبي".
وكان وزير النقل التركي قد ذكر أمس الثلاثاء أن بلاده تحضّر لاتفاق حدود بحرية بين بلاده وسوريا وذلك بعد أسابيع من الإطاحة بحكم الأسد.
وأضاف الوزير التركي أن التقدم في التفاوض على صفقة بحرية يتطلب سلطة سياسية مستقرة في سوريا، لافتاً إلى أن تركيا تريد التعاون في مشاريع البنية الأساسية، بما في ذلك الموانئ.
جدير بالذكر أن اتفاقا بحريا مماثلا تم توقيعه بين تركيا وليبيا في عام 2019، كان قد أدى إلى تصعيد التوترات بين الحكومة في أنقرة واليونان، بشأن استكشاف الطاقة في البحر المتوسط.
هذا المحتوى مقدم من قناة الحدث