لا بد أن تقودنا مقولة تبعية المقاومة الفلسطينية لإيران، التي يجري على أساسها تبرير عدم مناصرتها أو حتى مساعدة القضاء عليها، إلى تأمل الصورة الأكبر.
في الحقيقة، يُمكن أن تُفهم علاقة المقاومة الفلسطينية بإيران في سياقها الواقعي الذي يمكن وصفه كما يلي: على مدار عقود، انسحبت الكيانات العربية تباعًا ومنهجيًا من دعم القضية الفلسطينية، ماديًا ومعنويًا، استسلامًا لضغوط القوى الغربية الداعمة للكيان الصهيوني والمعادية للفلسطينيين والعرب- تحت غطاء «السياسة الواقعية». وفي هذا الفراغ، وفاءً لقاعدة كراهية الطبيعة للفراغ، برزت إيران كواحدة من الكيانات القليلة التي أبدت استعدادًا لتقديم الدعم وإن كان بدافع مصالحها الإستراتيجية للفصائل الفلسطينية التي عبّرت عن نيّة مقاومة المشروع الأميركي-الصهيوني. وبدلًا من اعتراف العرب بتقصيرهم تجاه فلسطين، استُخدم هذا الدعم لتشويه صورة المقاومة، وتسفيه غاياتها، وتصويرها كأداة بيد الآخرين بدلًا من كونها نضالًا مشروعًا وحتميًا ضد الظلم الاستعماري. وقد تعمدت هذه الاتهامات تجاهل الحقيقة الأساسية: المقاومة الفلسطينية حركة إنسانية تحررية تسعى إلى استعادة وطنها المحتل، وهو هدف يسمو على أي تحالفات خارجية أو انتماءات أيديولوجية.
وتجدر ملاحظة شيء على الطريق: من ناحية، تُعادي بعض الأنظمة العربية المقاومة الإسلامية في غزة على أساس ارتباطها المفترض بجماعة الإخوان المسلمين، السنيّة. ويُبرر عدم دعم هذه المقاومة في معركة الفلسطينيين الوجودية مع الاستعمار الصهيوني على أساس الخطر المتصور الذي يشكله الإسلام السياسي على الأنظمة. وفي الوقت نفسه، تُعادى نفس المقاومة (الإسلامية السنية) على أساس أنها جزء من الصراع المضخَّم مع الإسلام الشيعي، الذي يهدد، لأنه شيعي، الأمة العربية التي ليس من بينها، كما يبدو، العرب المسلمون الشيعة. وهذا جزء فقط من خطل الخطاب.
المهم، جاء تخلي العرب عن فلسطين في إطار تعليق استقرار أنظمة الحكم على مدى قبولها بالهيمنة الغربية- الأميركية وتبعية الإقليم لهذا المعسكر (تحت وصف «الحلفاء»، أو «الأصدقاء»). وفي الممارسة، يعني التحالف مع الولايات المتحدة التناقض مع شيئين: إرادة ومشاعر الشعوب العربية التي ترفض العيش تحت الهيمنة وتسليم المقدرات؛ وثانيًا: الخطاب الإيراني المعادي للكيان الصهيوني والمعسكر الذي ينتمي إليه لأي سبب من الأسباب. وبذلك وجدت إيران طريقًا إلى العالم العربي بطريقتين أيضًا: أولًا، أنّ خطابها المذكور راق للعواطف الشعبية العربية المعادية للهيمنة الغربية-الصهيونية؛ وأنها سارعت إلى ملء الفراغ في الدول الغربية التي أسقطتها التدخلات الغربية، مباشرة أو بالوكالة، لأنها عبرت عن عدم الرغبة في قبول الكيان الاستعماري الصهيوني، والتي تمتلك قدرات يُمكن أن تُستخدم ذات يوم لدعم موقف العرب وقضيتهم. ويمكن إضافة سبب آخر هو التغريب غير الحصيف للمواطنين العرب الشيعة في أوطانهم التاريخية، في إطار التقسيمات العجيبة التي تنشأ في العالم العربي من اللامكان.
يكتب الكاتب الأميركي دان غليزبروك : «لطالما سعى الغرب إلى تحويل سورية إلى «دولة فاشلة» على غرار النموذج العراقي والليبي، وسمح الوضع الجديد لإسرائيل بتدمير الجزء الأكبر من المنشآت العسكرية في البلاد بين عشية وضحاها تقريبًا، وتوسيع احتلالها في الجنوب». ويمكن قول الشيء نفسه عن لبنان، وربما اليمن. ويلاحظ أن النفوذ الإيراني وجد مكانًا في الفراغ التي تركه.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الغد الأردنية