سوريا 2024.. تحولات جيوسياسية وعسكرية كبرى تُنهي حكم الأسد

فجر الثامن من ديسمبر الحالي استفاق السوريون على واقع جديد لم يعتادوا عليه منذ 24 عاماً، لا بل منذ 54 عاماً، حينما وجدوا أنفسهم أمام مشهد غير مألوف طوى معه صفحة كاملة من تاريخ سوريا، بدأت مع إعلان الأسد الأب «حركته التصحيحية» عام 1970، وانتهت مع رحيل نجله الرئيس السابق بشار الأسد، لتبدأ حقبة أخرى مع سيطرة فصائل مسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام» على دمشق، وهي مرحلة لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات. لكن هذه الخلاصة لم تهبط فجأة من السماء، بل سبقها تحولات جيوسياسية وعسكرية وأمنية، على الصعيدين الإقليمي والدولي، بدأت مع هجوم 7 أكتوبر الذي انطلق من غزة نحو إسرائيل مروراً بالحرب الأوكرانية وتداعياتها، وصولاً إلى وقف إطلاق النار في لبنان، والذي تزامن مع هجوم الفصائل المسلحة المباغت والسريع في شمال غربي سوريا في 27 نوفمبر الماضي، ثم السيطرة على مدينة حلب، ثانية كبرى المدن السورية، واستكمالاً بالسيطرة على مدينتي حماة وحمص، وانسحاب القوات السورية من محافظات الجنوب، قبل الوصول إلى دمشق. كل ذلك حدث في ظرف 11 يوماً، ما يطرح الكثير من التساؤلات حول قدرة الفصائل المسلحة وحدها على قلب المعادلة الجيوسياسية بهذه السهولة ودون مقاومة تذكر.

مقدمات الانفجار الكبير

وبعيداً عن التفاصيل اليومية لأحداث الأحد عشر يوماً، فإن مجموعة من العوامل الداخلية شكلت مقدمات الانفجار الكبير الذي حدث في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لكنها لم تكن معزولة عن العوامل الخارجية التي لعبت دوراً حاسماً في سيرورة تلك الأحداث الدرامية التي انتهت بسقوط النظام صبيحة الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الحالي.

قبل نحو عام ونصف العام دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأول مرة، الرئيس السوري السابق بشار الأسد إلى لقاء قمة للمصالحة وتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، وهو ما أثار غضب الفصائل المسلحة آنذاك. لكن الأسد لم يستجب للدعوة، مما اضطر أردوغان إلى تكرار دعوته والطلب من الكرملين التوسط بين الجانبين، إذ كان أردوغان يتعرض آنذاك إلى ضغوط داخلية ناجمة عن تردي الوضع الاقتصادي والعبء الذي تتحمله تركيا جراء وجود ملايين اللاجئين السوريين على أرضها وبقائهم لفترة طويلة دون وجود أي أفق لحل مشكلتهم. كما أن الأسد لم يبادر إلى اتخاذ أي خطوة سياسية لفتح حوار وطني مع معارضيه، أو العمل على حل مشكلة اللاجئين، في ظل غياب أي تحركات سياسية جدية، إقليمية ودولية، لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية. وكانت الأوضاع الميدانية مستقرة نسبياً عند حدود اتفاق «سوتشي» لخفض التصعيد، الذي أبرم عام 2020، حيث لم تتبدل الخرائط ومواقع السيطرة والنفوذ منذ ذلك التاريخ. وما كان يهم تركيا آنذاك هدفان رئيسيان، الأول إبعاد القوات الكردية المسلحة من حدودها، والثاني نشوء وضع أمني في سوريا يسمح بعودة اللاجئين. وكان إصرار أردوغان على لقاء الأسد هو محاولة لمعالجة هذين الهدفين، ويشي بأن أنقرة إن فشلت في تحقيق هدفيها ستبحث عن سبل أخرى لضمان تحقيق ذلك وهو ما تحقق لاحقاً بالفعل.

المسار السياسي والميدان

كان تعطيل المسار السياسي يواكبه استعدادات من جانب الفصائل التي اختارت التوقيت المناسب للقيام بهجومها المباغت والسريع لتسيطر أولاً على أرياف إدلب وحلب الخاضعة لسيطرة النظام، ثم تتقدم إلى مدينة حلب ثم إلى مدينتي حماة وحمص وأخيراً إلى دمشق. ولم تشفع محاولة إحياء المسار السياسي وفق صيغة «أستانا» حيث عقد الاجتماع الأخير وفق هذه الصيغة في الدوحة، وفي الساعات الأخيرة قبل سقوط النظام، بمشاركة الدول الضامنة الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، وعدد من الدول العربية، إلى جانب مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون. ورغم أن الاجتماع أصدر بياناً دعا فيه إلى وقف فوري لإطلاق النار، والمباشرة بحوار وطني وإطلاق عملية سياسية لحل الأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254، إلا أن الميدان كان له كلمة الفصل، حيث لم تعد مجدية أي مسارات سياسية في مثل هذه الحالات. وسواء صح الحديث عن صفقة إقليمية ودولية لإسقاط النظام السابق، أو لا، فإن الثابت أن الداعمين الخارجيين للنظام السوري لم يكونوا قادرين على توفير الدعم الكافي له، فضلاً عن الاستنزاف الذي طالهم، حيث روسيا غارقة في حرب أوكرانيا وربما تنتظر صفقة هناك مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وإيران خارجة من تداعيات هجوم 7 أكتوبر على حلفائها وخاصة «حزب الله» في لبنان.

أسئلة حول مستقبل سوريا

وبالمحصلة، تطرح الأوضاع الجديدة في سوريا، وما تبعها من «هرولة» غربية نحو الإدارة الجديدة في دمشق، ومحاولات رفع «هيئة تحرير الشام» من قائمة الإرهاب، سعياً لاستغلال الفرص على حساب المبادئ الأخلاقية التي يروج لها الغرب، أسئلة كثيرة يبحث الجميع عن إجابات لها، سواء أكانوا مسؤولين يريدون فهم كيفية التعامل المستقبلي مع سوريا، أم حتى رجل الشارع العادي الذي يسعى لإشباع رغبته في معرفة ما يجري من تطورات دراماتيكية سريعة قادت إلى متغيرات جوهرية يمكن أن تمتد تداعياتها إلى كل منطقة الشرق الأوسط، وربما يكون لها خلال المرحلة المقبلة ارتباطاً وثيقاً بمعادلات أكبر من المنطقة. ولعل أبرز الأسئلة التي ينتظر الجميع الإجابة عنها، ما يتعلق بطريقة تعاطي الفصائل المسلحة في الفترة القادمة، وهل عناصر وقيادات هذه الفصائل ما زالت تعيش في «جلباب التنظيمات الإرهابية» التي عملت معها ولها لسنوات طويلة مثل «داعش» و«القاعدة» وغيرها؟ أم أننا أمام تحول ونضج في تفكير وسلوك تلك الفصائل الجديدة في حكم سوريا؟ وهنا يظهر السؤال حول مدى إيمان هذه الفصائل بمشروع الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها وخاصةً الجيش السوري، وإلى أي مدى تمتلك هذه الفصائل الإرادة السياسية والتصميم للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وهل سيطرة إسرائيل على مساحات واسعة في جنوب سوريا وتدميرها البنية التحتية للجيش السوري،.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الخليج الإماراتية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الخليج الإماراتية

منذ 6 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 9 ساعات
موقع 24 الإخباري منذ 9 ساعات
خدمة مصدر الإخبارية منذ ساعتين
برق الإمارات منذ ساعتين
برق الإمارات منذ 6 ساعات
برق الإمارات منذ ساعة
موقع 24 الإخباري منذ 8 ساعات
وكالة أنباء الإمارات منذ 3 ساعات
وكالة أنباء الإمارات منذ 10 ساعات