تحول المشهد العالمي لرأس المال المخاطر في عام 2024، إلى التركيز على النمو المستدام والتأثير القابل للقياس، بالرغم من تراجع مؤشراته. فقد بلغ إجمالي تمويل رأس المال المخاطر عالميًا خلال أول 9 أشهر من العام حوالي 203.83 مليار دولار، بانخفاض نسبته %3.7 مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2023، وفقًا لتقرير (S&P Global). كما شهد عدد الصفقات انخفاضًا ملحوظًا، حيث تراجع من 13,068 صفقة في عام 2023، إلى 11,286 صفقة في عام 2024.
المشهد الاستثماري في المنطقة أما إقليميًا، فقد جمعت الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 1.6 مليار دولار خلال أول 9 أشهر من عام 2024، بانخفاض نسبته %12.5 مقارنة بـ1.8 مليار دولار سُجلت خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بقيادة الإمارات والسعودية ومصر، نشاط التمويل في المنطقة وفقًا لبيانات منصة ومضة.
وعلى الرغم من التحديات الاستثمارية، استعادت السعودية في سبتمبر/ أيلول الماضي مكانتها في تصدر مشهد التمويل في المنطقة، حيث جمعت 170.8 مليون دولار عبر 23 صفقة. وبناء على هذا الزخم، أغلقت شركة (Mala) السعودية للتكنولوجيا المالية جولة تمويل ما قبل الأولية بقيمة 7 ملايين دولار في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بقيادة (VentureSouq) ومشاركة مستثمرين آخرين، لسد فجوة الائتمان في المنطقة. حينها صرح سونيل جوخالي، الشريك المؤسس والإداري في (VentureSouq) قائلًا: "لا تزال هناك فجوة ائتمانية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونحن متحمسون تجاه مساهمة (Mala) لحل هذه المشكلة الحقيقية لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة في السعودية".
من فكرة إلى شركة رائدة تعود فكرة تأسيس شركة (VentureSouq) التي أصبحت الآن من الشركات الرائدة في مجال رأس المال المخاطر في الشرق الأوسط، مع 250 مليون دولار من الأصول المدارة حتى ديسمبر/ كانون الأول 2024، إلى حفل ميلاد سونيا ويمولر، أحد الشركاء المؤسسين، في دبي عام 2011. آنذاك، كان الشركاء المؤسسون والإداريون للشركة، سونيا ويمولر، وتامر القدومي، وسونيا وسونيل جوخالي، قد انتقلوا إلى الإمارات لتعزيز مسارهم المهني. وسرعان ما ارتبطوا بشغف مشترك تجاه الشركات الناشئة المبتكرة.
ففي بداية الألفية، كان مشهد الشركات الناشئة في دول مجلس التعاون الخليجي لا يزال في مراحله الأولى، مما كان يعني توافر خيارات محدودة للمستثمرين المحليين، لاستكشاف فرص رأس المال الاستثماري. وبإدراك منهم لهذه الفجوة، استضاف مؤسسو (VentureSouq) لقاءات غير رسمية عام 2013، لمناقشة ودعم الشركات الناشئة العالمية والواعدة. كان نهجهم بسيطًا لكنه مؤثر: جمع المهنيين للتواصل المباشر مع رواد الأعمال، وتبادل الأفكار، وطرح الأسئلة. وإذا ما لاقت شركة ناشئة صدى وتأثيرًا، فإنهم يستثمرون فيها بشكل مستقل.
يوضح القدومي: "بدأت المحادثات غير الرسمية بشكل طبيعي، ثم تطورت إلى نشاط منظم لشبكة استثمارية حيوية من المستثمرين الملائكة. كنا نحدد الشركات المثيرة للاهتمام، ونجتمع بالمجموعات لمناقشة وطرح الأسئلة. وإذا كانت التوجهات متوافقة، يمكن لأي شخص في المجموعة الاستثمار".
مع مرور الوقت، أخذت هذه التجمعات طابعًا رسميًا، حيث استخدمت (VentureSouq) شركات ذات أغراض خاصة (SPV) لتجميع الاستثمارات، مما أتاح التوسع، وتحويل تلك الاستثمارات الفردية التي تراوحت بين 25 ألف دولار و50 ألف دولار إلى صفقات جماعية تصل إلى 500 ألف دولار. يضيف القدومي، مستذكرًا: "بدأنا بشكل طبيعي كمجموعة أصدقاء، وبنينا الشركة من الألف إلى الياء. ومن خلال التركيز على موضوعات محددة، أنشأنا نموذجًا لا يشجع التعاون فحسب، بل يضع (VentureSouq) كلاعب جاد في القطاع الناشئ في المنطقة".
بحلول عام 2016، انتقلت (VentureSouq) من كونها شبكة غير رسمية إلى منصة استثمارية احترافية تموّل ذاتها بالكامل، مما منحها استقلالية تامة وملكية كاملة لأعمالها. ومكّن هذا النهج الشركة من إدارة صناديق مدعومة من مؤسسات كبرى، مع جذب الشركات الناشئة من جميع أنحاء العالم، وربطها بالمستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي الذين يتطلعون إلى تنويع محافظهم الاستثمارية. كما جاء تطور الشركة متناغمًا مع التحول الجوهري في المنطقة، حيث بدأت الحكومات بوضع التكنولوجيا والابتكار في صميم استراتيجياتها الاقتصادية.
تقول سونيا جوخالي: "لقد كان تحول القطاع في دولة الإمارات استثنائيًا. قبل سنوات، كان من الصعب العثور على مؤسسين محليين ذوي كفاءة عالية، حيث كانت غالبية الكفاءات المتميزة ملتزمة بوظائفها في الشركات. أما اليوم، مع تحسين الوصول إلى التمويل، وتوافر إطار تنظيمي مشجع، ارتفعت جودة المؤسسين بشكل ملحوظ، ربما بمقدار 10 أضعاف".
تحول المشهد التمويلي حَفَّزت الجائحة هذا التحول بشكل كبير، حيث جذبت سياسات العمل عن بُعد، وبرامج التأشيرات المبسطة، والإدارة الفعّالة للأزمة الصحية، رواد الأعمال من مختلف أنحاء العالم إلى دبي وأبوظبي. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أطلقت وزارة الاقتصاد الإماراتية المرحلة الأولى من مشروع "موطن ريادة الأعمال" الذي يتماشى مع المبادرات الاقتصادية لخطة اقتصاد الخمسين ومستهدفات مئوية الإمارات 2071. في حين تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز نموذج اقتصادي قائم على المعرفة والابتكار، من خلال تقديم مزايا عدة، كالسماح بتملك الأجانب للشركات بشكل كامل، وتأشيرات الإقامة الذهبية، والوصول إلى أكثر من 11 برنامجًا لتسريع الأعمال والشركات الناشئة، بالإضافة إلى مناطق حرة متكاملة بمرافق حديثة، ومجتمعات أعمال مزدهرة.
في الوقت ذاته، تحول المشهد التمويلي الأوسع في المنطقة بشكل جذري، بفضل مبادرات تقودها الحكومات، مثل رؤية السعودية 2030، التي تضع ريادة الأعمال في صميم استراتيجيتها للتنمية المستدامة، مما يعكس نهجًا استراتيجيًا موجهًا من أعلى المستويات.
يقول القدومي: "التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة، أعاد تشكيل منظومات ريادة الأعمال ورأس المال الاستثماري، إذ تخصص الحكومات موارد ضخمة لتمكين الشركات الناشئة، وتوفير رأس المال، وتبسيط العمليات التنظيمية، وتعزيز بيئات عمل تدعم الابتكار بحرية". يضيف موضحًا: "عندما بدأنا في عام 2013، كنا جزءًا من عدد محدود جدًا من اللاعبين في السوق. أما اليوم، فقد أصبحت بيئة التمويل نابضة بالحياة وديناميكية".
مسيرة الشركاء المؤسسين وبعد أكثر من 11 عامًا على العمل معًا، أثبت التنوع والخبرة التي يتمتع بها الفريق المؤسس لشركة (VentureSouq) أنهما عنصران أساسيان في نجاح الشركة. فقد انضمت سونيا ويمولر إلى الفريق بخلفية متميزة من العمل في شركات عالمية رائدة، مثل مايكروسوفت وفياكوم، التي أصبحت الآن (Paramount Global). وكانت جزءًا من فريق استراتيجية فياكوم الذي ركز على الأسواق الناشئة، وهذا ما دفعها للانتقال إلى المنطقة عند افتتاح الشركة مكتبها في عام 2011. تعليقًا على ذلك، تقول ويمولر: "نتمتع بمجموعة مهارات تكاملية تُعد فريدة من نوعها لفريقنا. ويتجلى هذا التميز في ثقافة الشركة عمومًا، حيث تبنّينا دعم التنوع انطلاقًا من إيماننا بأن تنوع وجهات النظر والتجارب والآراء، يعزز من قدرتنا على اتخاذ القرارات الصائبة".
تخرج كل من ويمولر والقدومي من جامعة ييل، حيث التقيا أول مرة. ويتمتع القدومي، وهو فلسطيني أميركي من هيوستن، بخبرة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية والأسهم الخاصة. وقد حصل على منحة هيئة فولبرايت، وتابع برنامج الدراسات العليا في سوريا قبل انتقاله إلى نيويورك للعمل في المصرف الاستثماري (UBS) في قطاع المنتجات، التي انهارت خلال الأزمة المالية عام 2008. ثم انتقل بعد ذلك إلى دبي، وانضم إلى بنك (HSBC) للخدمات المصرفية الاستثمارية، قبل الانتقال إلى شركة إدارة الاستثمارات "الواحة كابيتال" ومقرها أبوظبي، حيث أمضى فيها 7 سنوات.
فيما أضاف سونيل جوخالي، المحامي المتمرس والمتخصص في صفقات الاندماج والاستحواذ في الأسواق العامة، دقة قانونية وتجارية لازمة لتأسيس هياكل الاستثمار المبكرة لشركة (VentureSouq). وقد بدأ حياته المهنية في شركة محاماة كندية كبرى، ثم انتقل إلى شركة المحاماة الدولية (Allen Overy) في لندن، قبل انضمامه إلى مجلس أبوظبي للاستثمار، حيث قضى 5 سنوات يكتسب خبرة واسعة من العمل مع بعض أبرز صناديق الاستثمار في العالم.
بينما قدمت سونيا جوخالي، الخبيرة الاكتوارية المؤهلة في كندا وأميركا، مهارات تحليلية ذات أهمية كبيرة. حيث انتقلت إلى دبي للعمل مع شركة (Mercer) في مجال الاستشارات الاكتوارية. لاحقًا، انضمت إلى الفريق الدولي المعني بالاستثمارات الخاصة، التابع لمجلس أبوظبي للاستثمار إذ أسهمت في تقديم الاستشارات لخطط الضمان الاجتماعي الكبرى في المنطقة.
يقول القدومي: "تماسك الفريق المؤسس وترابطه على مدى هذه الفترة الطويلة كان أمرًا حاسمًا، إذ إن %90 من النجاح يكمن في الاستمرارية. بالإضافة إلى ذلك، تمكنّا من التكيّف والتطور وسط تغييرات كبيرة".
تعزيز الاستثمار في المنطقة قد يتوقع بعض الناس قصصًا عن تحديات وعوائق على مر السنين، إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا وفقًا للفريق. يقول سونيل جوخالي: "كان للإمارات و السعودية والبحرين، ودول أخرى في المنطقة، دور بارز في تخفيف الحواجز التنظيمية، وفتح المجال أمام الفرص للشركات الناشئة". ويوضح: "كان لهذا التحول تأثير كبير، لا سيما في القطاعات التي تعتمد على اللوائح التنظيمية، كالتكنولوجيا المالية. وبهذا أسهمت هذه البلدان في تعزيز بيئة ريادية أكثر ديناميكية".
بالإضافة إلى أن إحدى المزايا الرئيسية التي يقدمها الشرق الأوسط، تتمثل في إمكانية الوصول المباشر إلى الجهات التنظيمية، مما يحدث فرقًا جوهريًا لدى (VentureSouq). تقول ويمولر: "على عكس الأسواق الغربية، نجد أنفسنا نتعامل بانتظام مع الجهات التنظيمية الإقليمية التي تسعى بجدية لفهم التحديات التي نواجهها، واستيعاب الفرص المتاحة على أرض الواقع. ويسهم هذا الحوار المفتوح في صياغة سياسات تدعم الابتكار وريادة الأعمال".
التكنولوجيا المالية وتكنولوجيا المناخ ويعكس تحول الشركة من مستثمر لا يستهدف قطاع معين، إلى جهة استثمارية رئيسية تركز على قطاعات محددة، تطورها الاستراتيجي. تشرح ويمولر: "تضمنت محفظتنا الأولية أكثر من 150 استثمارًا أسهم في تحديد توجهاتنا". وتضيف: "منذ أن أصبحنا شركة رأس مال مخاطر متخصصة في قطاعات محددة عام 2019، ركزنا على التكنولوجيا المالية والمناخ. لقد أطلقنا أول صندوق في المنطقة مخصص للتكنولوجيا المالية، بعد إجراء 85 استثمارًا عالميًا في هذا القطاع، فضلًا عن استثمارنا في 20 شركة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من فوربس الشرق الأوسط