عندما تفكر ما هي أقدم جامعة في العالم قد يتبادر إلى ذهنك اسم جامعة أُكسفورد أو جامعة بولونيا، لكن الإجابة الصحيحة هي جامعة القرويين بفاس في المغرب، فهي بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، ومؤسسة "غينيس" للأرقام القياسية، أقدم جامعة في العالم حيث يستمر التعليم فيها منذ 12 قرناً إلى اليوم، دون انقطاع.
وتأسست جامعة القرويين في عام 859 ميلادياً، مع بداية تأسيس مدينة فاس التي اتخذها الأدارسة عاصمة لدولتهم، وهي بلا شك أقدم من جامعة الأزهر في مصر التي شيدت في عام 970 ونظيراتها الأوروبية جامعة أكسفورد، التي تعتبر أقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الإنجليزية والتي تأسست تقريباً في عام 1096، وجامعة بولونيا التي تأسست تقريباً في عام 1088.
وصحيح أن هناك مواقع تاريخية وأثرية أخرى - مثل جامعتي "تاكسيلا" و"نالاندا" الهنديتين - أقدم من جامعة القرويين، وأن المجتمعات السومرية القديمة أسست مدارس الكتابة (آي-دوبا) قبل عام 3500 قبل الميلاد، لكن جامعة القرويين تستحق الرقم القياسي بجدارة لأنها لم تتوقف عن نشر العلم والمعرفة منذ تأسيسها وحتى الآن، فضلاً عن أنها أول مؤسسة تعليمية تمنح درجات علمية في العالم.
فاس حاضنة القرويين توجد جامعة القرويين في مدينة فاس المغربية، ومنذ القرن التاسع، كانت هذه المدينة القديمة وجهة للعلماء والأئمة والمثقفين للمرور عبر أبوابها على أمل اكتشاف ما تحتويه من معرفة قديمة.
ولم تتغير معالم الممرات والدروب المتشابكة، والنوافير، والأسواق، والباحات كثيراً في فاس منذ التطور العمراني السريع الذي شهدته المدينة خلال حكم الدولة المرينية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر.
قصص مقترحة نهاية
ولا يكاد يخلو ركن من أركان المدينة القديمة من أطلال الرياض المغربية العريقة المتداعية، التي كانت يوماً ما دوراً وقصوراً فخمة، لكن الحكومة المغربية رصدت أموالاً مؤخراً، لترميم المعالم والمباني الأثرية بالمدينة العتيقة، أو "فاس البالي"، التي تعد واحدة من المدن الأكثر حفاظاً على تراثها التاريخي في العالم العربي والإسلامي.
كما تعد المدينة العتيقة واحدة من أكبر المناطق التي لا يُسمح فيها بدخول السيارات في العالم، إذ تعتمد على الحمير، والبغال، والعربات اليدوية في نقل البضائع عبر أزقتها الضيقة والمنحدرة.
وتزخر جدران المساجد والكتاتيب القرآنية والزوايا والأضرحة في أنحاء المدينة العتيقة بالنقوش والزخارف الإسلامية الدقيقة، والفسيفساء المغربية الخلابة، وهي بلاطات صغيرة تصطف بجوار بعضها البعض في تصميمات هندسية على الطراز المغربي، لكن مجمعاً للمباني في قلب المدينة العتيقة بسحر عقول الزوار ويأسر قلوبهم، إنه مجمع جامعة ومسجد القرويين.
ويضم المجمع، مسجداً وجامعة وخزانة كتب، ويتصل من جوانبه الأربعة بشبكة الأزقة والممرات المتشابكة بالمدينة العتيقة، ويطل سطح الجامعة المغطى ببلاطات خضراء على الامتداد العمراني لمدينة فاس.
فاطمة الفهرية وجامعة القرويين ليست فقط أقدم مؤسسة للتعليم العالي على وجه الأرض، ولكنها أيضاً أول جامعة تؤسسها امرأة، وهي امرأة مسلمة، إذ شيّدتها فاطمة الفهرية الملقبة بـ"أم البنين" في فاس عام 859.
ومنذ مطلع القرن التاسع وحتى منتصفه، ازدهرت المدينة الوليدة وأصبحت تُشَد إليها الرحال، وهاجرت إليها فاطمة الفهرية برفقة أختها مريم ووالدها التاجر الثري محمد بن عبد الله الفهري من مدينة القيروان بتونس، واستقر بهم المقام في فاس حيث تزوجت.
وبعد أن قضى والدهما نحبه، قررت الأختان أن تهبا ميراثهما لخدمة المجتمع الذي انتقلا للعيش فيه بتأسيس مسجد وجامعة القرويين.
وخصصت مريم نصيبها من الميراث لبناء المسجد الأندلسي في وسط المجمع، الذي يزدان بالنقوش والزخارف من الداخل، ويسع ما يصل إلى 20 ألف مصلٍ، بينما كرست فاطمة مالها ووقتها وطاقتها لبناء مركز لنشر العلم والمعرفة بين أهل مدينة فاس على أن يكون مجاوراً للمسجد.
ويُقال إن فاطمة من شدة إخلاصها وتفانيها، قررت أن تصوم حتى يكتمل بناء المجمع، وذكرت بعض المصادر أنها صامت لمدة 18 عاماً.
و قال مؤسس علم الاجتماع، عبد الرحمن بن خلدون، عن بناء الفهرية للقرويين: "فكأنما نبّهت بذلك عزائم الملوك من بعدها".
المسجد بُني المسجد في البداية على مساحة صغيرة، قبل أن يتم توسيعه وتزيينه وترميمه في فترات متلاحقة من التاريخ، مع تعاقب الدول التي حكمت فاس والمغرب.
ويُعد مسجد القرويين، الذي تم توسيعه إلى شكله الحالي في القرن الثاني عشر، من أكبر المساجد في شمال أفريقيا ويمكنه استيعاب حوالي 20 ألف مصلٍ، وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.
ولا يُسمح لغير المسلمين بدخول الجامع، لكن أغلب السياح يلقون نظرة على صحن المسجد الفسيح ونقوشه اليدوية الدقيقة والأقواس والنوافير من خلال الأبواب الضخمة للجامع في جوانبه الأربعة.
وتطل أسطح المباني بالمدينة العتيقة على مناظر تخلب الألباب، فترى منها المسجد ومئذنته البيضاء، التي ينطلق منها صوت الأذان فتتردد أصداؤه في أرجاء المدينة.
إلا أن شكل المجمع وتصميمه المعماري لن يكونا واضحين عندما تنظر إليهما من الأرض، لأن المباني تكاد تكون متلاصقة، إلى درجة أن الأسطح تلامس بعضها بعضاً، بل وتتداخل مع بعضها فوق الممرات الضيقة، لكن القباب والأقواس الضخمة والجدران الخشبية قد تساعد الزوار في تحديد الشكل العام للمجمع.
ويمتلئ المسجد بالزخارف والنقوش الدقيقة، مثل سقف المسجد المزدان بالرسومات المفعمة بالتفاصيل في المدخل الرئيسي، وقد صُمم المبنى من الداخل في عهد دولة المرابطين، الذين عملوا على توسيع المسجد وباحات الصلاة في القرن الثاني عشر.
وتوالت أعمال التطوير والتغيير في المسجد في القرون اللاحقة، وفي عهد دولة الموحدين، الذين بسطوا سيطرتهم على مساحات شاسعة من المغرب والمناطق الجنوبية من أسبانيا بعد قيام دولتهم على أنقاض دولة المرابطين في القرن الثاني عشر، زُين المسجد بالزخارف ذات الطراز الفني المغربي، وبدا جلياً تأثير التصميمات الأندلسية في النافورة الوسطى المصنوعة من الرخام.
وأُضيفت النافورتان، اللتان تشبهان نافورة باحة الأسود في قصر الحمراء بغرناطة في أسبانيا، إلى صحن المسجد في مطلع القرن السابع عشر.
ويمتد المسجد على مساحة 7 أفدنة (3 هكتارات)، ويعتمد سقفه على 270 عموداً، ويقال إن مصباح المسجد الكبير يزن 800 كيلوغرام، ويحتوي على 509 مصابيح.
المكتبة أما مكتبة الجامعة، فهي واحدة من أقدم المكتبات التي لا تزال قيد الاستخدام، وقد أُغلقت أمام الجمهور لمئات السنين، وبقيت مفتوحة للعلماء فقط.
وقامت الأسرة المرينية بتوسيع المكتبة في عام 1359، فأضافت إليها مساحة كبيرة مكدسة بأكثر من 20 ألف كتاب مكتوب بخط اليد يعود تاريخها إلى أوائل العصور الوسطى، كما تضم المكتبة 4000 نص ومخطوطة نادرة.
ومن بين هذه النصوص الثمينة فيها، كتاب "المقدمة" الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر، ونسخة أصلية من كتاب "العبر" للمؤرخ ومؤسس علم الاجتماع الشهير ابن خلدون، ومن بين النصوص الأخرى الشهيرة كتاب "الموطأ"، الذي يقدم مجموعة من نصوص الأحاديث النبوية التي جمعها مالك، كما يُعتبر من أوائل النصوص التي تجمع بين الأحاديث والفقه الإسلامي.
وتعد الآن خزانة كتب القرويين، التي تحوي بعض أقدم المخطوطات في التاريخ الإسلامي، إحدى أهم المكتبات في العالم العربي والإسلامي، لا سيما بعد أن حُرقت.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي