وسط عالم يموج بالتحولات السياسية والاقتصادية، وفى ظل الصراعات المتزايدة التى تهز منطقة الشرق الأوسط، التى تعيش واقعًا معقدًا، فى ظل عام على حرب الإبادة فى قطاع غزة دونما آفاق واضحة لإنهائها، مع تمدد النزاع إلى جنوب لبنان، ووصول أصدائه إلى اليمن والعراق، ثم إيران، نطرح فى سلسلتنا «مستقبل الشرق الأوسط» مسارات منطقتنا، عبر حوارات مع نخبة من الساسة والمنظرين والمفكرين والدبلوماسيين الحاليين والسابقين من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لتقديم رؤاهم مستندين إلى تجارب الماضى ودروس الحاضر، لنستشرف معًا الطريق
نحو المستقبل.
وانطلاقًا من جذور الصراع العربى الإسرائيلى، مرورًا بالتدخلات الإقليمية وصعود بعض القوى الجديدة كالفواعل من غير الدول، وتعقد المشهد العربى، نفتح معًا أبواب نقاش مستنير حول الدروس المستفادة من التاريخ وتأثيرها على مستقبل منطقتنا؛ لطرح رؤى وأفكار لاستشراف الغد والدور الحاسم الذى يمكن أن تلعبه الدول العربية إذا ما أعادت إحياء روابط تاريخية فى محيطها والدفع نحو استقرار مستدام وتحقيق مصالحها.
تنقسم محاور النقاش إلى جزأين، الأول أسئلة سبعة ثابتة، اعتمدناها بناء على طلب كثير من القراء، تتمركز حول مستقبل المنطقة، أما الثانى فيتضمن أسئلة تتجه نحو مساحات تتناسب مع خلفية الضيف صاحب الحوار، كى يضيف لنا أبعادا أخرى حول الرؤية التى تنتهى إليها الحوارات وصولا إلى كيف يمكن أن يكون للمنطقة مشروعها الخاص، بعيدا عن أى مخططات تستهدفها؟.
الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
بدأ الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حديثه عن مصطلح الشرق الأوسط باعتباره مصطلحًا غريبًا، أصبح المفضل والمحبب للدوائر الغربية الاستعمارية، وقال إنه قد يصلح للمواجهات العسكرية، وإنه مصطلح زائف بلا هوية.. غرضه «تمييع» الرابطة العربية.
وأضاف الدكتور أحمد يوسف، عضو مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية، والذى شغل موقع مدير معهد الدراسات العربية، التابع للجامعة العربية، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، أن مشروع الشرق الأوسط، رفضته حكومة الوفد المصرية الوطنية بزعامة مصطفى النحاس وأفسدته، ثم أتى الرئيس المصرى جمال عبدالناصر ليرفض الارتباط بحلف شرق أوسطى، كما شن حملة دبلوماسية وإعلامية ضارية أفسدت مشروع حلف بغداد، مشروع أيزنهاور.
واعتبر يوسف أن المشروع العربى الآن مشروع فكرى، عبارة عن «أيديولوجيا معينة»، موجودة على الورق وفى أذهان المفكرين وفى برامج الأحزاب السياسية، لكن لا توجد قوة عربية رسمية تتبناه ولا يوجد له مركز، وإذا كانت تل أبيب، هى «مركز المشروع الإسرائيلى»، وطهران، «مركز المشروع الإيرانى»، وأنقرة، «مركز المشروع التركى»، فإن مصر وحدها، وعندما تكمل مرحلة تعافيها الاقتصادى، ستكون أقدر الدول على حمل هذا المشروع العربى.. وإلى نص الحوار..
الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
مصطلح الشرق الأوسط هو تعبير جغرافى استعمارى.. لكنه صار المصطلح السائد للحديث عن المنطقة التى تضم الدول العربية وإيران وتركيا ودولًا أخرى، وعانت المنطقة على مدار التاريخ من صراعات على خلفيات متعددة؛ تجذرت من مخططات الاستعمار حتى باتت بقعة ملتهبة دائمًا على خريطة العالم.. برأيك كيف ترى واقع المنطقة وأثر التاريخ فى هذا الأمر؟
دعنى أبدأ بالحديث عن مصطلح الشرق الأوسط لأنه مصطلح غريب، مكون من كلمتى «الشرق والأوسط» فهو مصطلح جغرافى، قد يصلح للمواجهات العسكرية لكنه «مكان بلا هوية»، وكان أول استخدام له فى العمليات العسكرية، لكنه لأسباب مفهومة أصبح المصطلح المفضل والمحبب للدوائر الغربية الاستعمارية، لأن الإطار الشرق أوسطى يواجه الإطار العربى، والعالم الغربى له خبرة تاريخية سلبية مع الإطار العربى. يعنى لو بدأنا من دولة الخلافة العربية الإسلامية سواء الخلافة الراشدة أو الأموية أو العباسية، كانت قوة دولية يعتد بها وانتشرت خارج حدود الوطن العربى، ووصلت إلى أوروبا وأجزاء من إفريقيا وأجزاء من آسيا، وبالتالى هناك خبرة سلبية لدى الغرب عن الإطار العربى، وأنا أتصور أنه متعمّد أن يستخدم الإطار الشرق أوسطى، حيث تذوب الرابطة العربية، بمعنى أن نجاح المشاريع الأوسطية سنجد أنه لا يوجد رابطة عربية أو رابطة عروبية.
والشرق الأوسط كما أن فيه بعض الدول العربية، هناك دول غير عربية مثل إيران وتركيا، ومعهما بالطبع، إسرائيل، وبالتالى أرى أن وظيفة مصطلح الشرق الأوسط هو تجزئة الرابطة العربية وتمييعها.
وفى هذا السياق، تم فصل دول من نطاق الإطار الشرق أوسطى، فيما دخلت دول أخرى هذا الإطار، وبالتالى ظهر «إطار غير متماسك» لا يصلح «نواة» لقوة إقليمية أو قوة دولية، والغرب الاستعمارى كان شديد الوفاء لهذا المصطلح، ونتابع هذا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، التى انتهت بانتصار الحلفاء، قبل أن تبدأ بوادر الحرب الباردة بين الكتلة الرأسمالية بزعامة الولايات المتحدة والكتلة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتى. وكان هاجس التحالف الغربى الذى تسلمت الولايات المتحدة قيادته بعد الحرب العالمية الثانية هو تطويق الاتحاد السوفييتى، الذى خرج من الحرب العالمية الثانية قوة عالمية استندت بداية إلى قوة تقليدية جبارة، ثم مع النصف الثانى من الخمسينات تأكد أن مقومات قوتها اكتلمت بامتلاكها السلاح النووى من جانب، ولقدرتها على توصيله من جانب آخر، بعد أن أطلق الصاروخ السوفييتى الشهير فى 1957 والذى وضع قمرًا صناعيًا فى مدار حول القمر، بمعنى أنه أصبح لدى الاتحاد السوفييتى قدرة على توصيل سلاحه النووى إلى أى مكان فى العالم، ومن هنا بدأت سياسة التطويق الغربية الأمريكية وكان نصيبنا منها أحلاف شرق أوسطية. ولنتابع فى 1951 مشروع قيادة الشرق الأوسط الذى كان يفترض أن يضم مصر ودول شرق أوسطية أخرى وبريطانيا وفرنسا وما إلى هذا، وفى 1955 مشروع حلف بغداد الذى رفضته مصر أولًا، فاتجه الغرب إلى العراق الذى وقع ميثاق أنقرة مع تركيا الأطلنطية كبداية لربط النظام العربى بنظام الأحلاف الغربية. وفى أعقاب العدوان الثلاثى خرج علينا الرئيس الأمريكى أيزنهاور بمشروع أيزنهاور الذى كان مضمونه أنه «بما أن بريطانيا وفرنسا هُزمتا فى العدوان ولم يعُد لهما وجود فى الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة الأمريكية حاضرة لسد وملء هذا الفراغ خشية أن يملأه الاتحاد السوفيتى». وهى حاضرة بالمساعدة الاقتصادية والمساعدة العسكرية. وهذه المشاريع طبعًا وُوجهت بمقاومة ضارية، بمعنى تدور عجلة الزمن ويحدث السلام بين العرب وإسرائيل بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ثم عندما انتقلت هذه العملية إلى اتفاقية أوسلو، وبدأ الصراع الفلسطينى الاسرائيلى يأخذ طريقه إلى التسوية، ازدهرت من جديد المشاريع الشرق أوسطية خاصة ونحن نعلم الأفكار الإسرائيلية المشهورة عن شرق أوسط، يعنى توظف فيه المال العربى، وخاصة مال الخليج، مع التكنولوجيا الإسرائيلية، مع العمالة العربية، وهذا يظهر أن مشروع الشرق الأوسط هو مشروع تبعية، لأنه لمن ستكون السيطرة؟.. للقوة التكنولوجية. وبعد اتفاقية أوسلو بدا وكأن هذا التصور الغربى الإسرائيلى أصبح قابلًا للتنفيذ، وبالتالى نلاحظ مثلًا أنه عقدت المؤتمرات الاقتصادية الشرق أوسطية وعقدت منها أربع جولات ثم توقفت.
وعندما حدث الغزو الأمريكى للعراق فى 2003، خرج الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن بمصطلح الشرق الأوسط الكبير. هناك إصرار على أن الإطار الشرق أوسطى هو الإطار الناظم لعلاقات المنطقة. وأخيرًا وليس آخرًا فى ولاية دونالد ترامب الأولى خرج علينا بتصرفات تتصل بذات المفهوم ونذكر أن قمة الرياض العربية الإسلامية الأمريكية احتوت فى بيانها الختامى نصًّا صريحًا على حلف شرق أوسطى، وبدأ الحديث عن ناتو عربى وتجمع لدول عربية سنية ربما مع إسرائيل ضد إيران. وظل مشروع الناتو العربى مطروحًا إلى حين.
وما أريد أن أقوله أن هذا المشروع رفضته حكومة الوفد المصرية الوطنية بزعامة مصطفى النحاس وأفسدت مشروع قيادة الشرق الأوسط، ثم أتى الرئيس المصرى جمال عبدالناصر ليرفض الارتباط بحلف شرق أوسطى، فلما تركه الغرب واتجه إلى العراق الملكى آنذاك ونجح فى إقناعه، شن عبدالناصر حملة دبلوماسية وإعلامية ضارية أفسدت المشروع، لدرجة أن دولة عربية واحدة لم تجرؤ على الانضمام لحلف بغداد، بل إن العراق نفسه خرج من الحلف بعد الثورة التى قضت على النظام الملكى فى يوليو 1968، والنموذج نفسه كرره عبدالناصر مع مشروع أيزنهاور وأفسده. إذن فى مرحلة المد القومى العربى نجحت الحركة القومية العربية، ونجح المد القومى العربى فى إفساد المشاريع الشرق أوسطية، وهذا ليس له إلا معنى واحد وهو أن «الشرق الأوسط مفهوم زائف، بلا أساس».
ورغم التوقعات بأن يعيد ترامب المحاولات، فإن الأمور لن تعود لسيرتها الأولى، لأن الشرق الأوسط مفهوم بلا أساس، وكلامى ينطبق على ترهات رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، وحديثه عن شرق أوسط جديد، وقد رأينا، قبل أيام قليلة، كيف اضطر للاتفاق مع حزب الله، بنفس سيناريو 2006 والمناداة بالقضاء على حزب الله ثم الاضطرار إلى الاتفاق معه، وبغض النظر عن التفاصيل، لكن من يقارن أقوال نتنياهو عندما بدأ هجومه الضارى على حزب الله بالاتفاق الأخير، يجد أن الشرق الأوسط، سواء كان شرق أوسط ترامب أو شرق أوسط نتنياهو، هو مفهوم بلا مستقبل.
الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
برز مصطلح «الشرق الأوسط» فى كتابات الأمريكى ألفريد ماهان عام 1902 قبل أن تتحدث كوندوليزا رايس عن «الشرق الأوسط الجديد»، وهو ما يتردد بقوة حاليًّا فى ظل الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان والصراع مع إيران.. كيف ترى ذلك المخطط خاصة بعد فوز دونالد ترامب وصعود قوى اليمين فى الولايات المتحدة؟
يهمنى أن أذكّر بأن نتنياهو منذ بداية المواجهة الأخيرة، قبل أكثر من عام، قال إن انتقامه سيكون مروعًا، وإن هذا الانتقام سيغير وجه الشرق الأوسط.
هو بالفعل، غيّر وجه الشرق الأوسط ولكن فى اتجاه غير الذى كان يريده نتنياهو. بمعنى أنه أظهر أن مجموعات المقاومة التى واجهت إسرائيل صمدت لأكثر من سنة ولم يتمكن من القضاء عليها، ومن يحلل تصريحات نتنياهو مثلًا عند بداية انتقامه المروع من المقاومة فى غزة وانتقامه أيضًا من حزب الله من لبنان، سيجد أنه شتان بين التصريحات فى البداية وبين ما انتهت إليه الأمور. والاتفاق الأخير (بين حزب الله وإسرائيل) دليل على أن نتنياهو الذى كان يقول سأقضى على حزب الله، الآن يتفق معه بنفس سيناريو 2006.
وفى هذا السياق أذكّر بالعدوان الاسرائيلى فى 2006 عندما كان العالم يطالب أو الرأى العام العالمى يطالب بوقف الحرب على لبنان، كانت وزيرة خارجية الولايات المتحدة آنذاك، كوندليزا رايس، تقول ما معناه مهلًا، فإن هذه هى إرهاصات الشرق الأوسط الجديد الذى يستند من وجهة نظرهم إلى القضاء على أى قوة تقاوم الهيمنة الإسرائيلية والهيمنة الغربية.
صمد حزب الله، وكانت النتيجة هى القرار 1701 (قرار مجلس الأمن الدولى الذى صدر بالإجماع فى 2006) الذى تضمن بالطبع، تنازلات متبادلة. لكن الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل من عدوانها، وكذلك الولايات المتحدة لم تتحقق. ويهمنى هنا أن أقول إن الشرق الأوسط الجديد الذى بشّر به نتنياهو هو ليس سوى شرق أوسط قديم موجود لدينا منذ 2006.
أى أننا بعد 18 سنة من عدوان 2006، إسرائيل تؤكد من جديد على الاتفاق الذى توصلت إليه مع حزب الله وقتها، لكن هذه المرة هناك لجنة دولية للرقابة، وأقصد أن نتنياهو لم يفعل شيئًا، إلا أنه أعاد التأكيد على القرار السابق فى 2006.
وفيما يتعلق بترامب، أذكر أن بصمته للأسف التى فعلها واستقرت، هى الاعتراف بالقدس ونقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل إليها، مع الاعتراف بضم الجولان والاعتراف بشرعية الاستيطان، وهذه طبعًا خطوات جبارة فى مصلحة إسرائيل، وهذه قرارات دبلوماسية فى يد الولايات المتحدة الأمريكية، وطبعًا لها تداعيات سياسية، لكن أذكر بأن ترامب حاول فى ولايته الأولى أن يفرض ما سمى بصفقة القرن، وهذه الصفقة كانت مشروعًا قائمًا على فكرة تصفية القضية الفلسطينية، بمعنى إعطاء بعض الامتيازات الاقتصادية التى عندما نتأمل فيها نجد أنها محدودة للغاية، فى مقابل أن يتخلى الفلسطينيون عن حلمهم الوطنى، وفشلت الصفقة، وبقى ترامب أربع سنوات فى الحكم ولم يستطع أن يفرض هذه الصفقة، ولو حاول أن يعيد الكرة سيفشل أيضًا.
برأيك ماذا تفعل القوى الإقليمية الكبرى فى المنطقة إزاء هذه المخططات.. وبالتحديد مصر والسعودية بوصفهما الدولتين الكبيرتين فى المنطقة؟
مصر دورها تاريخى فى المنطقة حتى منذ قبل ثورة 23 يوليو 1952، وعندما نتابع الدور الحضارى المصرى واحتضانها مشروع إنشاء الجامعة العربية، واحتضان مصر للعرب وما إلى ذلك، نتيقن أن الدور المصرى، بعد ثورة يوليو، كسب مضمونًا محددًا وهو قيادة معارك التحرر العربية ضد الاستعمار، ونجح فى هذا نجاحًا شديد الوضوح.
وفى مرحلة المدّ القومى، خمسينيات وستينيات القرن الماضى، وحتى هزيمة 1967، تم تحرير كافة البلدان العربية باستثناء فلسطين، وحتى البلدان التى استقلت بعد الهزيمة، كجنوب اليمن، وبلدان الخليج، تم صنع استقرارها واستقلالها فى مرحلة المد القومى، فالدور المصرى الحضارى والدور المصرى فى عملية التحرر الوطنى دور تاريخى ومعروف أيضًا، كما ساهمت مصر فى إفساد مشاريع الأحلاف الشرق أوسطية، بدور قيادى وناجح، ومنها: مصطفى النحاس فى 1951 (مصر الوفدية)، وجمال عبدالناصر فى 1955 و1957 (مصر ثورة 23 يوليو)، وعندما ندقق فيما حدث بالنسبة للحلف الشرق أوسطى الذى ورد ذكره فى بيان قمة الرياض العربية الإسلامية الأمريكية 2017 نجد أن الدبلوماسية المصرية الذكية هى التى أجهضت هذا الحلف أيضًا.
ولابد موضوعيًّا، أن نعترف أن هناك الآن قيودًا على هذا الدور، مثلًا الوضع الاقتصادى قيد بدون شك وتعدد التهديدات من كل اتجاه، وأنا من جيل كان التهديد الرئيسى للأمن القومى المصرى هو إسرائيل، ومن هم وراء إسرائيل، والآن انظر إلى تهديدات الأمن القومى المصرى، ستجد أنها من الغرب وفى كل الاتجاهات. هناك تهديدات، من عدم الاستقرار فى ليبيا، وهناك تهديد فى شرق المتوسط، وهناك تهديد من إسرائيل رغم معاهدة السلام معها، وقد رأينا ما فعلته إسرائيل فى المواجهة الحالية وما كشف عن نواياها الحقيقية، وهناك تهديد فى البحر الأحمر بسبب ممارسات أنصار الله (الحوثيين فى اليمن) الذين قد نتفق معهم فى أعمالهم ضد إسرائيل، ولكن طبعًا هم مصدر من مصادر التوتر فى البحر الأحمر، ثم هناك بعد ذلك الخطر القادم من إثيوبيا، ونعلم جميعا أبعاده وانتهاء بالخطر فى السودان الذى نعلم مدى اتصاله أو ارتباطه بالأمن القومى المصرى.
وفى هذه الآونة التهديدات على الأمن المصرى عديدة، وكان الله فى عون المسؤولين عن السياسة الخارجية المصرية، لأن هذه التهديدات دون شك تؤثر على حرية حركة مصر فى القضايا غير المباشرة التى لا تتعلق بأمنها المباشر، ومع ذلك عندما ننظر إلى السياسة الخارجية المصرية الآن نلحظ أنها سياسة سليمة من حيث المنطلقات، مثلًا فى النطاق العربى: سياسة الحفاظ على كيانات الدول الوطنية العربية، ومصر لها فى هذا الصدد سياسة شديدة الثبات، قد تختلف مثلًا مع نظام بشار الأسد، لكنها لا تقبل المساس بالدولة السورية، وقد تختلف مع النظام الموجود فى العراق، لكنها لن توافق على المساس بالدولة العراقية. كما تعمل جاهدة من أجل استعادة وحدة الدولة الليبية واستعادة وحدة الدولة اليمنية، وطبعًا استعادة وحدة السودان وما إلى هذا. وعلى الصعيد الإقليمى مثلًا، مصر هى التى بادرت بسياسة السلام مع إسرائيل بعد صراعات ضارية، والآن تحاول أن تضبط البوصلة وعصا المايسترو فيما يتعلق بإدارة الصراع العربى- الإسرائيلى.
وهنا أشير أيضًا إلى أن مصر بالمعنى الحرفى للكلمة، هى «بيت العرب»، والحضن الدافئ لملايين من الشعوب العربية. وعلى الصعيد العالمى، لدينا سياسة الاتزان الاستراتيجى التى يؤكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى دائمًا أن مصر تقوم بعمل فى منتهى الصعوبة، ولديها علاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقات قوية مع روسيا والصين ومع الاتحاد الأوروبى، وهذا عمل ليس من السهولة بمكان، ونحن معرضون فى أى وقت أن يحاول طرف من هذه الأطراف، أن يطلب من مصر ما يتجاوز سياستها وما يتجاوز استقلالها، ومصر جاهزة لهذا التحدى. وطبعًا لا بد أن نعترف بأن القيود تقلل من الفاعلية، من فاعلية السياسة الخارجية المصرية، ليس كل ما تريده يمكنها أن تفعله وتتمه، ولكن ما يهمنى أن بوصلة السياسة صحيحة، ولدى كل الطموح أنه عندما تستكمل مصر مسيرة التعافى الاقتصادى ستعود من جديد قادرة على ضبط أحوال المنطقة.
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فهى قوة إقليمية كبيرة، وقد وقفت تاريخيًا إلى جوار مصر فى معاركها الكبرى. قد لا يعلم كثيرون أن أول دولة عربية ساندت جمال عبدالناصر فى معركته ضد حلف بغداد سنة 1955، كانت السعودية وكانت سباقة على سوريا. وطبعًا نعلم جميعًا أنه بعد عدوان 1967 ورغم أن هذا العدوان حدث إبان استمرار الخلاف المصرى السعودى حول اليمن، إلا أنه بمجرد وقوع العدوان وانعقاد قمة الخرطوم فى أغسطس-سبتمبر 1967 تصالح عبدالناصر والملك فيصل واتفقا على حل المشكلة اليمنية، وقامت السعودية مع الكويت والمملكة الليبية بتقديم الدعم المالى الذى مكّن مصر ودول المواجهة الأخرى من إعادة بناء قواتها المسلحة التى خاضت بها حرب أكتوبر 1973. وأذكر بأنه فى هذه الحرب قامت دول البترول الكبرى وعلى رأسها السعودية باستخدام سلاح البترول من أجل نصرة دول المواجهة فى هذه الحرب. وأذكر أيضًا بأنه فى أعقاب الانقسام الشديد الذى تعرض له النظام العربى بعد الغزو العراقى للكويت، كانت نقطة البداية فى إحياء هذا النظام هى لقاء الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك مع الملك فهد والرئيس حافظ الأسد فى الإسكندرية والدعوة إلى أول قمة عربية بعد الغزو العراقى للكويت.
وقد أشير أخيرًا إلى التوجهات الجديدة فى السياسة الخارجية السعودية،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة المصري اليوم