في اليوم قبل الأخير من عام 2021، شهدت ولاية كولورادو الأميركية رياحاً قوية تحولت إلى أعاصير، وأدّى اشتعال وتحرك النيران إلى «عاصفة مارشال النارية» التي التهمت أكثر من ألف منزل وفندق والعديد من الشركات الأخرى في مقاطعة بولدر، وتجاوزت قيمة الأضرار ملياري دولار، ما يجعلها أكثر حرائق الغابات تكلفة في تاريخ الولاية الأميركية.

الأسوأ أن عاصفة مارشال لم تكشف فقط عن عدم المساواة القائمة، بل أدّت إلى تفاقمها.

بعد ثلاث سنوات، أُعيد بناء مئات من هذه المنازل، وتضخم معظمها في الحجم والقيمة.

أليسون بيكيت كانت ضمن 20 مالك منزل اضطروا لبيع منازلهم المحترقة بأقل من 375 ألف دولار، وهو مبلغ أقل من قيم الشراء الأصلية، وفقاً لمراجعة CNN لسجلات الممتلكات.

ثم قام المشتري، شركة هووم باوند تكنولوجيز، ببناء منزل فخم على أنقاض منزل بيكيت، وبيع مقابل 1.45 مليون دولار في وقتٍ سابق من هذا العام، وفقاً لسجلات ممتلكات مقاطعة بولدر، وهذا أعلى بنسبة 53 في المئة من متوسط سعر مبيعات المنازل البالغ 947.5 ألف دولار في 2024، و778 ألف دولار في 2023، وفقاً لجون هاتش، وكيل عقارات في بولدر، مستشهداً ببيانات رسمية.

قال أستاذ في جامعة كولورادو دنفر، ديسيراي أندرسون كرو، الذي يبحث في آثار الأزمات والكوارث في مقاطعة بولدر، «إنه نمط شائع جداً نراه، إن المنازل أصبحت الآن أكبر أو أكثر أناقة، وهذا يغيّر طبيعة المجتمع كما يغيّر طبيعة مخزون الإسكان ويقلل القدرة على تحمل تكاليف الإسكان، فوجود الكثير من المنازل الفاخرة في المجتمع يؤدي إلى رفع قيمة (وضرائب الملكية والتأمين) للمنازل المحيطة، حتى لو لم تكن فاخرة».

تعتبر أليسون بيكيت، وهي معلمة سابقة في مدرسة عامة، من بين قائمة طويلة من السكان القدامى الذين لم يعودوا إلى منازلهم ولم يستطيعوا إعادة بنائها.

وجدت دراسة أجرتها إدارة التأمين في كولورادو أن 8 في المئة فقط من أصحاب المنازل المتضررين لديهم تغطية تأمينية تمكنهم من تعويض خسائرهم.

مبلغ التأمين لم يكن كافياً لإعادة بناء منزل بيكيت، وانتقلت منذ ذلك الحين إلى جنوب كولورادو، إذ تمتلك الآن منزلاً واستوديو صغيراً لصناعة الفخار.

تكلفة المساكن تظهر فروق الطبقات

أصبحت المساكن باهظة الثمن بشكلٍ متزايد في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مع تفشي جائحة كورونا وارتفاع التضخم اللاحق، ما جعل الأمور أسوأ، لكن جوهر المشكلة هي الفجوة بين العرض والطلب التي تفاقمت منذ الأزمة المالية عام 2008، إذ لم تبنِّ ما يكفي من المنازل.

وعندما تقع الكارثة، يمكن أن يتعمق هذا العجز ويمكن أن تتسع الفجوات المستمرة، كما قال الأستاذ بجامعة كولورادو دنفر، ديسيراي أندرسون كرو «المباني الجديدة لا بد أن تعكس التكاليف الأعلى الموجودة اليوم بالإضافة إلى ارتفاع الطلب في السوق، وهي تؤكد أيضاً كيف يمكن للكوارث غير المتوقعة أن تغيّر طابع المناطق في وقت قصير».

وأظهرت الدراسات الحديثة للمجتمعات المتضررة من الأعاصير في فلوريدا ولويزيانا أن العواصف أدت في النهاية إلى تسريع عملية التحديث، ولكن أحد الآثار السلبية المباشرة لحريق مارشال هو رفع الأسعار بشكل كبير، ما أدى إلى تفاقم المشكلات بالنسبة للمستأجرين المتضررين.

وتترك الكوارث آثاراً طويلة الأمد على المستأجرين، كما قالت كيلسي بيست الأستاذة المساعدة في جامعة ولاية أوهايو، إذ ترى أن «المخاطر الطبيعية وتغيّر المناخ يعمّقان عدم المساواة القائمة، ويحرم المستأجرين بشكل خاص».

اكتشفت بيست أن قيمة الإيجار ترتفع في السنوات التي تعقب الإعصارات في المناطق الساحلية الشرقية للولايات المتحدة، وقالت لشبكة CNN «في 19 ولاية ساحلية من عام 2008 إلى عام 2019، كلما كانت الأعاصير أكثر شدة حصلنا على زيادات أعلى بكثير في الإيجارات»، وأضافت «هناك ضرورة لتقديم المساعدات للمستأجرين بالذات».

ومنذ حريق مارشال، سنت كولورادو العديد من القوانين المتعلقة بالكوارث لمعالجة قضايا مثل تكاليف إعادة البناء، وظروف المعيشة الآمنة، وفجوات التأمين، حيث كان 92 في المئة من السكان المتضررين غير مؤمن عليهم بشكل كافٍ.

مرَّ أكثر من عقد من الزمان منذ أن مزق سيل من المياه منزل سارة جين رومانو الجبلي إلى نصفين عام 2013، لتعيش سنوات من الفوضى، حصلت على قيمة التأمين بعد عامين كاملين، وخلال العامين تحملت مدفوعات الرهن العقاري على العقار المدمر، هذا بالإضافة إلى خسائر مجتمعية لا تُقدّر بمال.

ومثل تزايد عبء تربية الأطفال خارج منزلهم الأصلي، والابتعاد عن الأهل والأصدقاء، والخلافات الزوجية التي تؤدي أحياناً إلى الطلاق، «لا يوجد أحد يحتاج إلى دعم سريع وفي الوقت المناسب أكثر من أولئك الذين تمزق نسيج حياتهم بسبب كارثة طبيعية مفاجئة».

هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية