وسومها في خشومها

نشرت (غرَبَة) غسيلها على حبل معقود أحد طرفيه بغصن لوزة معمّرة، مُنقسمة الفروع بين ساحتين، والطرف الآخر ملفوف على وتد في جدار يفصل بيتهم عن بيت شقيق والدها، المُهاجر من القرية منذ عشرات السنين، وأبوها يعتني بمنزل أخيه، كما لو كان أخوه يعيش فيه، يتفقد سقفه، ويدفنه كل شتاء تحاشياً وتفادياً لتسلل مياه الأمطار إلى الداخل، كما يتولى بنفسه تنظيف ساحته، وطلي خشب بابه وطاقته بالقطران؛كي لا تأكلهما الأرضة.

طلبت من شقيقتها (عطرة) تعطيها المساكات الخشبية، لتثبت بها ثوب أبيها، الذي بدأت تتلاعب به الرياح الشاتية، وشمس الضحى تتوارى خلف الغيوم، وتبدي مثل وجه حسناء خجول، تواريه شيلتها الشفافة، فيما أسند الأب ظهره على باب مراح الغنم، وضم كفيه بين فخذيه، وجلل أكتافه وصدره وقليل من البطن الملتصقة بعموده الفقري بالمصنف المكتّل، وهمّه من فخذيه العاريتين، خشية أن يراهما أحد، وعينه على ثوبه الوحيد، المنشور بين ثياب بنتيه.

نادى (يا غرَبة) ثوبي وأنا بوك حطي اللزامة، بكرة جمعة؛ لا ينفر وتخليني ضُحكة في ثُمّ الشامت، فنظرت إليه بعين الحنيّة، وقالت؛ والله لو نفر، لانفر ساقته لو اتكسّر، فطفرت من عينه دمعة ساخنة، لأنه تذكّر أمها التي تردّت العام من ركن العالية، وهي تنشر عذوق الذرة على سقف البيت لتشميسها، وسقطت على وجهها في جرين مَولِي، وكانت طيحتها إللي ما قامت منها.

استعاد وهو يغمض عينيه، تجاربه في الزواج، وكيف اضطر لفك الأولة، بسبب المرزا الذي نفّرها منه ومن البيت، وضحك عندما تذكر الثانية، وقال بينه وبين نفسه؛ الله اللي فكّني منها، كنت ما غير أترددها، تسلّم من شق وطرف على السارح والرايح، وتنهّد تنهيدةً مع تمتمة بمثل عتيق، كي لا يسمعنه البنات؛ (المزارع يبغي لها عافية، والنسوان حظوظ)، وأضاف؛ ما يعطي منهن إلا الله بنات فاطمة.

كانت (أم غربة) رحلت قبل عيد الأضحى الفائت بليلتين، آدميّة تاعى وتدّعي، وكأنها ملائكة، وبرغم الفضاء الصاخب حولهم، لا ينسمع لها حسّ، صوامة قوامة، ماتت بذراها في بطنها، وانكتبت لها الشهادة، وانكتب على أبو غربة الشقاء، وكان لديه قناعة بأن الذرى الذي لم يسعد برؤيته (ولد) وداهمته وساوس بأنه بيخرج من بطن أمّه المتوفاة في القبر، ولذا قضى ليالي عدداً، يزور المقبرة بعدما يهجع الناس، مُمنّياً نفسه؛ بسماع صوت بكائه من تحت الصِّلي، وربما يجد ما يرضعه، ويطلع لأن عمره وقت وفاة أمه تسعة شهور، وكان يضع خده اليمنى على تراب القبر، ويرصد الصمت المُطبق على فضاء.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة عكاظ

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة عكاظ

منذ 3 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ ساعتين
منذ 7 ساعات
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
قناة الإخبارية السعودية منذ ساعتين
صحيفة سبق منذ 11 ساعة
صحيفة سبق منذ 11 ساعة
صحيفة عاجل منذ 4 ساعات
قناة الإخبارية السعودية منذ 8 ساعات
صحيفة المدينة منذ 9 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ 22 ساعة
قناة الإخبارية السعودية منذ ساعة