من الصعب أن نتصور أن هناك سياسي خجول، إلا إذا كان هذا السياسي هو مانموهان سينج.
فمنذ وفاة رئيس الوزراء الهندي السابق الخميس الماضي، تحدث الكثيرون عن "السياسي اللطيف الهادئ" الذي غيّر مجرى التاريخ الهندي وأثر في حياة ملايين الناس.
ورغم المسيرة المهنية المتميزة، إذ كان محافظاً للبنك المركزي الهندي ووزيراً للمالية قبل أن يتولى رئاسة الوزراء، لم يظهر سينج أبداً في صورة السياسي الكبير، مفتقراً إلى القدرة على الزهو بنفسه أمام الجميع كأمثاله من السياسيين في الهند.
ورغم العدد الكبير من المقابلات الإعلامية والمؤتمرات صحفية، لاسيما خلال فترة ولايته الأولى كرئيس للوزراء، اختار سينج الصمت حتى عندما كانت حكومته غارقة في الفضائح، وفي أوقات واجه فيها أعضاء في حكومته اتهامات بالفساد.
وكانت طبيعته اللطيفة محل استنكار وتقدير على حد سواء.
وقال مؤيدوه إنه كان حريصاً على تفادي خوض معارك لا طائل من ورائها أو إطلاق وعود مبالغ فيها، وإنه كان يركز على النتائج ــ وربما كان أفضل مثال على ذلك هو الإصلاحات الداعمة للأسواق التي بدأها كوزير للمالية، والتي أدت إلى انفتاح اقتصاد الهند على العالم.
وقال زميله السابق في حزب المؤتمر كابيل سيبال في وقتٍ سابقٍ: "لا أعتقد أن أحداً في الهند يعتقد أن مانموهان سينج يمكن أن يرتكب خطأً أو يتورط في ممارسات فساد، لقد كان حذراً للغاية، وكان دائماً يحرص على تحري الصواب والالتزام بالقانون".
من جهةٍ أخرى، كان خصومه السياسيون يسخرون منه ويرفضون طريقته التي رأوا أنها تتسم بغموض لا يليق بسياسي، ناهيك عن رئيس وزراء دولة يبلغ تعداد سكانها أكثر من مليار نسمة، وكثيراً ما أصبح صوته الأجش الهامس وأنفاسه المتقطعة أثناء الكلام مادة للسخرية أيضاً.
ومع ذلك، فإن هذا الصوت نفسه كان يحبه الكثيرون ممن يرون أن له صلة وثيقة بعالم السياسة في وقت كانت فيه الخطب الرنانة هي القاعدة.
وعلى مدار مسيرته المهنية، لم تفارق مانموهان سينج صورة السياسي المتواضع الانطوائي الخجول أمام وسائل الإعلام، حتى عندما مر معاصروه، بما في ذلك أعضاء حزبه، بدورات درامية لتحسين صورهم أمام الشعب.
ومع ذلك، فإن الكرامة التي كان يتعامل بها مع كل موقف، حتى المواقف الصعبة، هي التي جعلته شخصية لا تنسى.
وُلِد سينج لأسرة فقيرة فيما يُعرف الآن بباكستان، وكان أول رئيس وزراء من طائفة السيخ في الهند، وهو رجل اقتصاد تلقى تعليمه في جامعتي كمبريدج وأكسفورد وتغلب على الصعاب التي ترقى إلى حد المستحيل ليصعد إلى مراتب عليا، وكانت قصته إلى جانب صورته كزعيم أمين ومتبصر، سبباً في تحوله إلى بطل في نظر الطبقات الوسطى في الهند.
وفي 2005، فاجأ الجميع عندما قدم اعتذاراً علنياً في البرلمان عن أعمال الشغب التي اندلعت عام 1984 والتي قُتل فيها حوالي 3000 شخصاً من السيخ.
واندلعت أعمال الشغب تلك، التي اتُهم العديد من أعضاء حزب المؤتمر بارتكابها، بعد اغتيال رئيسة الوزراء آنذاك أنديرا غاندي على يد حراسها الشخصيين من السيخ، وقال أحدهم في وقت لاحق إنهم أطلقوا النار على السياسية من حزب المؤتمر للانتقام من العمل العسكري الذي أمرت به ضد الانفصاليين المختبئين في أقدس معبد للسيخ في أمريتسار شمالي البلاد.
وكان ذلك الاعتذار خطوة جريئة؛ فلم يسبق لأي رئيس وزراء آخر، بما في ذلك من حزب المؤتمر، أن أقدم على مثلها، كما كانت هذه الخطوة بمثابة تضميد لجراح المجتمع السيخي في الهند، إذ لقي رئيس وزراء البلاد إشادة بهذا الفعل الذي ينطوي على الكثير من الشجاعة من سياسيين من مختلف الانتماءات الحزبية.
وبعد سنوات قليلة، في عام 2008، أشاد كثيرون بأسلوب سينج البسيط في القيادة عقب توقيع اتفاق تاريخي مع الولايات المتحدة، أنهى عزلة الهند النووية التي استمرت لعقود طويلة، ما سمح للهند بتطوير تكنولوجيا نووية مكنتها من الحصول على وقود لأول مرة منذ بداية الاختبارات في عام 1974.
وواجهت هذه الصفقة وابلاً من الانتقادات من قبل زعماء المعارضة وحلفاء سينج أنفسهم، إذ كانت لديهم مخاوف حيال أن يؤدي هذا الاتفاق إلى تقويض السياسة الخارجية الهندية؛ لكن سينج نجح في إنقاذ حكومته والصفقة معاً.
وشهدت الفترة ما بين 2008 و2009 اضطرابات مالية عالمية، لكن سياسات سينج كان لها الفضل في حماية الهند من تبعات أزمة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من مصراوي