قراءة في رؤية أحمد الشرع لإعادة بناء سورية

استوقفتني طويلاً التصريحات الأخيرة لأحمد الشرع، قائد الإدارة الانتقالية في سورية، خلال مقابلته مع قناة العربية السعودية الأحد. الشرع، الذي قاد مرحلة مفصلية في تاريخ سورية، بدا وكأنه يحمل بين كلماته رؤية تتجاوز حدود بلد مزقته الحرب لأكثر من عقد من الزمن. رؤيته لإعادة بناء سورية ليست مجرد محاولة لترميم ما دمرته الصراعات؛ بل مشروع ضخم لتأسيس دولة حديثة تقارن بإنجازات تاريخية مثل إعادة بناء المانيا بعد الحرب العالمية الثانية أو نهضة كوريا الجنوبية.

يتحدث الشرع عن إعادة بناء سورية بعقلية دولة متقدمة، مستبعداً أن تكون البلاد نسخة عن إدلب أو أي منطقة سورية أخرى نجت من قبضة النظام البائد. شرحه لهذه الفكرة يشير إلى رفضه للإبقاء على أي نموذج اقتصادي هش أو مؤقت؛ بل يطمح لبناء اقتصاد حديث يقوم على مؤسسات ذات كفاءة وجودة، ويستلهم نجاحات إقليمية ودولية مثل التجربة السعودية التي تحدث عنها بإعجاب بالغ.

امتداح الشرع للسعودية ورؤيتها الاقتصادية، خاصة مشاريع التنويع في إطار "رؤية 2030"، يعكس إدراكاً لأهمية الاستفادة من التجارب الناجحة في المنطقة. كما تسعى رؤيته لتوظيف الثروات الطبيعية والبشرية في سورية لخلق نموذج اقتصادي قائم على الإنتاج، مع تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي الذي أنهك الاقتصاد السوري لعقود.

لا يخفي الشرع أن مشروعه الطموح لإعادة بناء سورية يتطلب وقتاً أطول. وهذا التوجه له ما يبرره. إن إعادة بناء دولة حديثة بعد انهيار كامل لمؤسساتها تتطلب سنوات من التفاني والعمل الجاد والمضني. الشرع يؤكد أن سورية اليوم أمام مشروع "إعادة تأسيس" وليس مجرد إصلاح. وهذا يعني بناء دولة من حدود الصفر. هذا الطموح يضع سورية على طريق طويل، لكنه قد يؤسس لمستقبل أكثر استقراراً وفخراً إذا تم تنفيذه بخطوات مدروسة.

ويبدو الشرع واعياً بأن بناء دولة قوية يستدعي إصلاح البنية التحتية، وإعادة تنظيم المؤسسات، وصياغة دستور حديث يعكس تطلعات الشعب. وهذا يتطلب توازناً دقيقاً بين الحذر في بناء المؤسسات والجرأة في اتخاذ قرارات إستراتيجية.

الدبلوماسية المتوازنة

شخصية أحمد الشرع مثيرة للاهتمام تجمع بين التواضع، والثقة بالنفس، والدهاء السياسي، وهي صفات قلما تكون مجتمعة في قائد يواجه تحديات بحجم تلك التي تواجهها سورية اليوم.

اللافت في حديث الشرع هو نبرته الدبلوماسية تجاه القوى الإقليمية، بما في ذلك إيران وروسيا، على الرغم من الأدوار المثيرة التي أدتها تلك الدول خلال الصراع السوري. يدرك قائد الإدارة الانتقالية أن إعادة بناء سورية لا يمكن أن تتم دون علاقات إقليمية ودولية متينة.

حديثه عن إيران التي نكّلت بالشعب السوري كان محسوباً بعناية؛ فهو يطالبها بإعادة النظر في سياساتها، لكنه يترك الباب مفتوحاً لعلاقات تقوم على المصالح المشتركة. ربما يعوّل على الزمن في قدوم قيادة إيرانية جديدة تؤمن بالتعاون لأجل مستقبل أكثر إشراقاً للمنطقة والعالم.

روسيا أيضاً حظيت بمعاملة دبلوماسية من قبل الشرع، حيث أقر بأهمية علاقتها الإستراتيجية مع سورية، خاصة في مجالات الدفاع والطاقة. مثل هذا الخطاب قد يكون جزءاً من محاولة الشرع لضمان حيادها أو حتى مشاركتها البناءة في مرحلة إعادة الإعمار.

لا يمكن تجاهل البعد التركي في رؤية الشرع. فالقائد يدرك أهمية تركيا كجار إستراتيجي وحليف دعم الثورة السورية منذ بدايتها. وقد عبر المسؤولون الأتراك وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان عن التزامه بدعم سورية في شتى المجالات. وربما يكون النموذج التركي الحديث في التنمية الاقتصادية وإدارة الموارد جزءاً من الإلهام الذي يسترشد به الشرع لإعادة بناء سورية الجديدة.

لكن التحدي يكمن في كيفية الحفاظ على هذه العلاقات الإيجابية دون الوقوع في فخ الاعتماد المفرد على دولة واحدة. الشرع يدرك ذلك ويسعى لتحقيق توازن بين الاستفادة من الخبرات الإقليمية والاحتفاظ بسيادة القرار السوري.

الطموحات والتحديات على الأرض

رغم الطموحات الكبيرة، فإن الواقع السوري يحمل تحديات هائلة؛ فالبنية التحتية مدمرة، وتحتاج مئات المليارات من الدولارات لإعادة بنائها، فيما يكابد المواطنون اقتصاداً مزرياً.

كما أن هناك تحدياً آخر يتمثل في إعادة الملايين من اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم التي أضحى أغلبها أطلالاً وأثراً بعد عين، وإحصاء السكان الذين فقدوا سجلاتهم المدنية، ما قد يتطلب سنوات من العمل القانوني والإداري.

من جهة أخرى، ستمثل استعادة السلطة على كامل الأراضي السورية أمراً حاسماً، فبدون ذلك قد تكون الرؤية ضعيفة لمستقبل البلاد. إن المنطقة الشمالية الشرقية من سورية هي الأغنى بالموارد الطبيعية المهمة لاقتصاد البلاد وإغراء المستثمرين محليين أو إقليميين أو دوليين. تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أمريكياً على هذه المنطقة الغنية بالنفط، والغاز، والزراعة، والمياه. أغلب صادرات وحاجات البلاد من هذه الموارد تأتي من هذه المنطقة.

ولا يجب أن نغفل عن تحدٍ آخر مهماً للغاية يتمثل في مدى الصبر لمعرفة ماهية النظام السياسي الذي سيقود البلاد ويحافظ على وحدتها ويصون كرامة المواطن السوري ويبقي رأسه مرفوعاً معتزاً وفخوراً بهويته الوطنية السورية الجديدة. هناك حاجة لتبديد الشكوك نحو القادة؛ فالتجارب السابقة وخصوصاً تلك التي جثمت على صدر السوريين 6 عقود كان لا سابق لها في التنكيل ونهب خيرات الوطن، ناهيك عن الفرصة الاقتصادية الهائلة التي فقدتها البلاد والأجيال السورية بسبب النظام المافياوي.

وفق تقديرات الشرع، ستحتاج سورية دستوراً جديداً قد يستغرق إعداده ما قد يصل إلى 3 سنوات. وهذه فترة يراها البعض طويلة جداً، وآخرون يرون أن الشرع يركل الكرة إلى الأمام كنوع من الخداع لكسب الوقت ليتمكن أكثر من السلطة.

في الحقيقة، ثمة ما يطمئن. لغاية اليوم، لم يعلن الشرع حل الدستور الحالي، ولا حل مجلس الشعب، ولم يفرض الأحكام العرفية، ولم يدل بخطابات نارية، ولم يطلق التهديد والوعيد. إن العقلية الاستبدادية لا تعرف سوى هذا الطريق؛ فهي تعتمد على السرعة في فرض الواقع، وتصفية الخصوم، وتجاوز القانون، والاتكاء على القبضة الأمنية. لا مكان للتفكير الهادئ أو الحوار؛ بل يتم استقطاب المنافقين والمصفقين لتثبيت الاستبداد وحماية عرش هش من السقوط.

ومن ناحية أخرى، قد تتطلب الحالة السورية بالفعل التروي في إعداد دستور جديد يتناسب مع سورية الجديدة ويلبي تطلعات الشعب. فهل الدستور المعمول به حالياً هو ما يتطلع إليه السوريون؟ ربما تكون الإجابة لا، على الأرجح. لقد تطلّب الأمر قرابة سنة ونصف السنة لإعداد دستور للبرازيل بعد رحيل النظام.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الاقتصادية

منذ 10 ساعات
منذ 19 دقيقة
منذ 5 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 7 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 6 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 11 ساعة
قناة العربية - الأسواق منذ 5 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 41 دقيقة
قناة CNBC عربية منذ 5 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 11 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 6 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 4 ساعات