لم يكن العام 2024 حافلاً بالأخبار الجيدة، إذ شهد زخماً من الأحداث الدرامية والتقلبات، فيما طغت الانتخابات الأميركية والحروب المستمرة على أخبار الاكتشافات العلمية التي تحققت في المراصد ومختبرات البحث الميداني حول العالم.
تحمل بعض هذه الاكتشافات آمالاً بتحسين صحتنا، بينما توسع أخرى آفاق معرفتنا بالكون.
صخور القمر من تربة غير مألوفة
لطالما أثارت الجهة البعيدة من القمر فضول العلماء، إذ تظهر الصور الملتقطة عبر مهمات الاستطلاع سطحاً مختلفاً تماماً عن الوجه الذي نراه، يتميز بلون أكثر سطوعاً وعدد أقل من الفوهات، مع قشرة أكثر سماكة مقارنة بالوجه المألوف.
في عام 2019، حققت الصين إنجازاً تاريخياً عندما هبطت بمركبة على هذا الجانب من القمر، وفي عام 2024، جلبت المركبة "تشانغ آه-6" عينات تزن كيلوغرامين من الصخور والتربة بعد الحفر تحت السطح.
هذه العينات قد تساعد العلماء على إعادة بناء قصة تشكّل كوكبنا. كما أن برنامج الصين الفضائي الطموح يشعل سباقاً جديداً مع الولايات المتحدة. وبينما أُرجئت مهمة الهبوط الأميركية المأهولة إلى عام 2027، تخطط الصين لإرسال مهمة مأهولة إلى القمر بحلول عام 2030.
دواء يقي من الإصابة بالإيدز
بعد قرابة أربعة عقود من المحاولات الفاشلة لتطوير لقاح ضد فيروس الإيدز، اكتشف العلماء علاجاً جديداً يمنع العدوى عند حقنه مرتين فقط في السنة. تجربة سريرية في جنوب أفريقيا وأوغندا انتهت في 2024، أظهرت فاعلية بنسبة 100% بين 2134 امرأة وفتاة.
في المجموعة التي تلقت العلاج التقليدي المعروف باسم "PrEP"، والذي يجب تناوله يومياً، كانت هناك صعوبات تتعلق بالوصمة الاجتماعية التي تجعل من الصعب على النساء في أفريقيا استخدامه بانتظام. الدواء الجديد، المسمى "ليناكابافير" والمُنتج من قبل شركة "جيلياد" (Gilead)، اختير كأبرز إنجاز علمي لعام 2024.
على الرغم من أن الدواء لا يعمل بالطريقة التي يعمل بها اللقاح، فإن العلماء لم يفقدوا الأمل في تطوير لقاح قد يكون أقل تكلفة ويوفر حماية دائمة. من المتوقع أن يحصل دواء "جيلياد" على الموافقة في منتصف عام 2025، لكن يظل السؤال قائماً حول مدى توافره وإمكانية تحمل تكاليفه من قبل الفئات المحتاجة.
الذكاء الاصطناعي يسبر أغوار النفس البشرية
يحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً كبيراً في جميع مجالات العلم، لكن علماء الاجتماع استخدموه بطرق فريدة لاكتساب رؤى جديدة حول طريقة تفكير البشر، وكيف يمكننا التفكير بشكل أكثر ذكاءً. فقد اعتمدوا على نماذج لغوية ضخمة لدراسة أساليب تفكير البشر واستكشاف طرق يمكن من خلالها تعزيز الذكاء في التفكير.
في دراسة نُشرت في سبتمبر الماضي، قام علماء النفس بتدريب برنامح دردشة تلقائية (تشات بوت) مبني على الذكاء الاصطناعي لإقناع المؤمنين بنظريات المؤامرة بإعادة التفكير في قناعاتهم. ونجح الأمر، حيث تخلى البعض عن معتقداتهم المتعلقة بهبوط كائنات فضائية أو نظريات تقليل عدد السكان عبر استخدام الأسلحة البيولوجية.
في دراسة أخرى هذا العام، تبين أن الأطباء غالباً ما يتمسكون بتشخيصاتهم الخاطئة حتى بعد أن يقدم الذكاء الاصطناعي الإجابة الصحيحة. في مسابقة تشخيصية بين الأطباء و"تشات جي بي تي-4" (ChatGPT-4)، تمكن الذكاء الاصطناعي من تشخيص 90% من الحالات بدقة، بينما حقق الأطباء نسبة 74% فقط. وعندما أُتيحت لهم فرصة الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، ارتفعت دقتهم إلى 76% فقط، إذ كانوا واثقين جداً من حدسهم الأولي.
فشل الأطباء في الاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي يظهر الحاجة لتحسين تدريبهم على استخدامه، وكيفية تحسين الذكاء الاصطناعي ليصبح أكثر دعماً لهم.
أما في مجال التحقق من الأخبار، فقد أظهرت دراسة أخرى أن الذكاء الاصطناعي لم يكن فعالاً تماماً. في بعض الأحيان، أدى "تشات جي بي تي-4" إلى تعزيز تصديق الناس لعناوين زائفة، أو تقويض ثقتهم في عناوين حقيقية عند ارتكاب الأخطاء. يبدو أن الذكاء الاصطناعي يعمل بشكل أفضل عندما يحفزنا على التفكير بطريقة مختلفة، بدلاً من الاعتماد عليه بشكل كامل في التفكير.
الرحلة إلى عالم المحيط البعيد
في 14 أكتوبر، انطلقت المركبة الفضائية "يوروبا كليبر" (Europa Clipper) بتكلفة 5 مليارات دولار، متجاوزة عقبات خفض الميزانية، في رحلة طويلة نحو أحد أكثر المواقع الواعدة للحياة خارج الأرض في نظامنا الشمسي.
"يوروبا"، وهو القمر الذي يدور حول كوكب المشتري، قد لا يبدو بيئة مشجعة بسطحه المكسو بقشرة سميكة من الجليد ودرجات حرارة لا تتجاوز 120 درجة مئوية تحت الصفر. لكن المهمات الاستكشافية السابقة كشفت علامات لوجود محيط شاسع تحت سطح هذا القمر يثور أحياناً ليخترق القشرة الجليدية.
يعتقد العلماء أن "يوروبا" يضم كميات هائلة من المياه تعادل ضعف ما تحتويه جميع محيطات الأرض مجتمعة، ويتم تدفئتها نتيجة الاحتكاك الناجم عن قوى المد والجزر الهائلة التي يولدها كوكب المشتري. ويعتبر علماء الأحياء الفلكية أن المياه السائلة تمثل المكون الأساسي للحياة، على الأقل للحياة التي يمكن للبشر تمييزها.
عند وصولها في عام 2030، ستقوم المركبة بالتحليق عشرات المرات فوق السطح، مستخدمة أدواتها لتحليل الجزيئات التي قد تكون مغذيات، ورسم خريطة للجليد والمحيط تحت السطح. وإذا أظهرت النتائج إمكانيات واعدة، قد تُرسل مركبة هبوط مستقبلية.
"جيمس ويب" يعيد حساب تمدد الكون
ألقى تلسكوب "جيمس ويب" (JWST) هذا العام مزيداً من الضوء على أعماق الكون البعيد. وعند توجيهه نحو المجرات البعيدة، أظهر التلسكوب نجوماً "تنبثق" بوضوح في أماكن كانت تظهرها صور تلسكوب "هابل" كبقع باهتة، حسبما ذكرت عالمة الفلك ويندي فريدمان من جامعة شيكاغو. هذا الأمر مكّنها من إعادة حساب معدل تمدد الكون.
يُعد هذا جزءاً من مسعى أكبر لفهم سبب توسع الكون وإلى أين نحن متجهون، وهل سينتهي الأمر بانهيار درامي أم تلاشٍ في الفراغ؟ كما ينظر العلماء إلى الحقبة المعروفة باسم "فجر الكون"، عندما كان عمر الكون 1% فقط من عمره الحالي، وبدأت جميع المجرات والنجوم في التشكّل من الغازات البدائية. عندما أعلنوا عن رصدهم لأبعد مجرة معروفة على الإطلاق، كانت أيضاً الأعمق زمنياً، حيث ظهرت كما كانت قبل أكثر من 13 مليار سنة.
في عام 2001، اعتقد العلماء أنهم حددوا معدل تمدد الكون باستخدام بيانات تلسكوب "هابل"، لكن تلك القياسات لم تتطابق مع قياسات الإشعاع الكوني المتبقي من الانفجار العظيم. وفقاً لفريدمان، فإن القياسات الجديدة التي أجرتها باستخدام تلسكوب "جيمس ويب" تتماشى مع سلوك هذا الإشعاع، ما جعلها واحدة من أفضل 10 علماء لعام 2024 حسب مجلة "نيتشر".
بالمقابل، هناك علماء آخرون يستخدمون التلسكوب نفسه، لكنهم وجدوا معدلاً أسرع للتمدد، مشيرين إلى احتمال وجود ظاهرة فيزيائية جديدة. أما مصير الكون، فيظل مجهولاً بين الانهيار أو التوسع للأبد.
طفرتا الشيخوخة عند 44 و60 عاماً
في مشروع طموح لمحاربة آثار الشيخوخة، قام عالم الجينات مايكل سنايدر وفريقه بجمع عينات من الدم ومواد بيولوجية أخرى من 108 متطوعين، حيث راقبوا تغييرات غير مرئية مرتبطة بالعمر في مجموعة تضم 135,239 من الميكروبات والجزيئات.
كشف التحليل عن نمط مفاجئ يتمثل في تغيرات جذرية على المستوى الجزيئي عند بلوغ الأشخاص سن 44، ومرة أخرى عند سن 60. أشارت هذه التغيرات إلى فقدان كتلة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg