يقع الباحث عن المعلومة عن حكم الزواج من طفلة في حيرة من أمره، في عصر التمكين الرقمي ودمقرطة المعلومات، يبحث بعض منهم باستماتة واستدامة: ما حكم الزواج من فتاة في التاسعة؟ هل الزواج من طفلة حلال؟ هل المفاخذة حلال لو كان جسد الزوجة الطفلة أضعف من أن يحتمل العلاقة الزوجية؟ هل يجوز تسليم الزوجة لزوجها حتى لو كانت غير مؤهلة للوطء؟ هل يجوز فعلاً تزويج الصغيرة ولو كانت في المهد؟ هل يجوز الاستمتاع بالرضيعة ولو بالتقبيل فقط؟ لو رغب الزوج في الاكتفاء بالتفخيذ فقط إلى أن يشتد عود الزوجة، هل له أن يختار بين رضيعة وطفلة؟
زواج الطفلة والرضيعة
أسئلة كهذه وغيرها أقل وطأة وأخرى أكثر فداحة تطالع الباحث عن إجابة لسؤال: هل يجوز تزويج الطفلة أو الزواج منها؟ وبعد عشرات المواقع والصفحات التي تتنافس في شرح أسباب جواز زواج الطفلة، وأحياناً الرضيعة، لا مناقشة الجواز من عدمه، تظهر صفحات لمنظمات أممية وحقوقية ورسمية لبعض الدول تحوي معلومات أو شروحاً غالبها يفند أسباب عدم جواز الزواج الطفلة، ويسرد النصوص العقابية والجهود التوعوية والخطوات الإجرائية، لكن تبقى العبرة في الخواتيم وأرض الواقع وحكايات الإصرار على زواج الصغيرات، وكأن المسألة قضية جدلية بين الحق والباطل، حق زواج الطفلة ومفاخذتها وطردها بإصرار من عالم الطفولة ليمارس الآخرون حق نكاحها والاستمتاع بها، وباطل اعتبارها طفلة حتى السن القانونية والتعامل معها باعتبارها كائناً لا ينكح ويفاخذ ويتعرض لقياس القدرة على تحمل الوطء فقط، ولكن ربما تكون له آمال تعليمية وطموحات حياتية واختيارات إنسانية.
في العقد الثالث من الألفية الثالثة، وبعد قرون من حسم البشرية أمرها تجاه المرأة، وتأكد عدد من المجتمعات والأمم من أنها إنسان كامل الأهلية، ما زال هناك من يمسك بتلابيب دونية الأنثى، وخلقها من أجل متعة الرجل وإشباع حاجاته الجنسية فقط، والتعامل مع منظومة الزواج باعتبارها متاعاً يسلمه الأب أو الأخ أو الجد أو العم، لرجل بغرض النكاح، وسواء قيل إن ذلك في مصلحة الصغيرة من أجل الحفاظ على عفتها وصوناً لطهارتها وحماية لعرضها أو أن في ذلك صحة المجتمع النفسية والجنسية.
تشريح زواج الطفلة
عشرات السنوات وآلاف الدراسات والأوراق والمؤتمرات ونصوص قانونية وحملات توعية ومناهج دراسية وحلقات نقاشية تتناول زواج الطفلة تارة من منظور اجتماعي، وآخر من منطلق حقوقي، وثالث على سبيل الإنسانية والمساواة، ورابع لدحض حجة الفقر القاتلة، وخامس لتفنيد العادات وتشريح التقاليد، وسادس لتقديم تفسيرات غير تلك السائدة دينياً والمتوغلة شعبياً.
عقود طويلة ومنظرو الدول المعروفة بشيوع زواج الطفلات تدور في دوائر مفرغة، يسردون عوامل اجتماعية، ويستعرضون معايير ثقافية، وينتقدون قصوراً في القوانين وعواراً في التشريعات، ويطرقون أبواب الفقر المدقع ويدقون على أوتار "هذا ما وجدنا عليه آباءنا"، وذلك بينما فئات في المجتمعات تسأل فقهاء ومشرعين عن حكم تلك الزيجة دينياً، ورجال دين يؤكدون جوازها، وآخرون محسوبون على المؤسسات الرسمية يمسكون بعصا الجواز (الدين) مع التقنين (الدولة)، والأهم أن الزيجات تعقد على مدار الساعة.
ملايين "العرائس"
في شتى أرجاء الأرض، لا سيما شرقها وجنوبها، تتزوج طفلات يومياً، بعضهن لا يتجاوز عمرها السابعة أو الثامنة. بحسب منظمة "يونيسيف"، 21 في المئة من شابات الكوكب تزوجن قبل عمر 18 سنة، و650 مليون شابة وامرأة على قيد الحياة حالياً تزوجن في مرحلة الطفولة، و12 مليون طفلة يتزوجن كل عام.
النسبة الأكبر لزواج الطفلات تحدث في جنوب آسيا (44 في المئة)، تليها دول أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 18 في المئة. نصيب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خمسة في المئة فقط من مجموع طفلات العالم المتزوجات، لكن هذه النسبة تعني بين 35 و37 مليون طفلة متزوجة.
المنظمات الأممية والجمعيات الحقوقية والمؤسسات الرسمية وأحياناً بعض الأحزاب السياسية والكيانات الثقافية والمجتمعية في غالب الدول العربية لا تألو جهداً في إطلاق المبادرات، وسن القوانين، ودمج فكرة عدم تزويج الطفلات في المناهج، والاحتفاء بالطفلة ذات الحقوق الكاملة والكيان غير المجتزأ في يوم الطفلة، ويوم المرأة، ويوم الطفولة، واليوم العالم لحقوق الإنسان، واليوم الدولي للحق في معرفة الحقيقة، واليوم الدولي لإلغاء الرق، واليوم العالمي لمنع ممارسات الاستغلال والانتهاك والعنف الجنسي ضد الأطفال والتشافي منها، والقائمة تطول. لا تمضي مناسبة أممية أو إقليمية أو وطنية من دون أن يجري التطرق الاحتفائي إلى التحذير من زواج الطفلة وانتهاك الطفولة واستغلال الصغيرة واستعبادها تحت مسميات الدين أو الزواج أو الستر أو غيرها.
السلطات والسرية والطفلة
نهى طفلة في العاشرة من العمر، زور والدها والعريس والمأذون عمرها وزوجوها. حالت الشرطة دون تزويج طفلة في الـ14 من عمرها من رجل في العقد الخامس من العمر. في يوم واحد احتفلت أسرة بتزويج طفلة في الـ16 من عمرها، وكذلك شقيقتها التي لم تتعد أربع سنوات من العمر، خرجت ابنة 15 سنة من عند "الكوافير" (مزين الشعر)، وهي بفستان الزفاف لتجد الشرطة في انتظارها لمنع إتمام الزيجة.
تلك الفتيات وغيرهن كثيرات في دول عربية عدة تعرضن لتجربة زواج الطفلة، منها ما أوقف على يد السلطات، ربما لتعيد الأسرة الكرة في ما بعد، ولكن في سرية تامة، ومنها ما استمر بصورة أو بأخرى.
زواج الطفلة مستمر في العالم العربي، عدد من المنظمات الأممية مثل "يونيسيف" و"صندوق الأمم المتحدة للسكان" و"هيئة الأمم المتحدة للمرأة" وغيرها من الحكومات العربية أكدت على مدار سنوات أن معدلات تزويج الطفلة في غالب الدول انخفضت بصورة كبيرة على مدار ربع قرن من العمل والتوعية والمواجهة، إلا أن هذا الإنجاز تباطأ في السنوات الـ10 الماضية.
توليفة كلاسيكية
التوليفة الكلاسيكية لزواج الطفلة في المنطقة العربية تحوي أعرافاً وفقراً وفكراً وعادات وتقاليد، أضيف إليها وباء باغت الجميع، ثم صراعات متفاقمة تنجم عنها كوارث إنسانية ومقاومات شعبية وفرص ذهبية للعودة للمربع صفر، وبحسب الرؤية التفسيرية التي يقدمها المكتب الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، يحدث زواج الأطفال مدفوعاً بأعراف اجتماعية ضارة، وعدم المساواة بين الجنسين، وتتقاطع معه عوامل الفقر والتصور بأن الزواج سيوفر الحماية، وأفكار ملتبسة عن شرف الأسرة، والأعراف الاجتماعية، والأطر التشريعية غير الكافية، وحالة نظام التسجيل المدني، والقوانين العرفية (الأعراف) أو الدينية أو كلها ممتزجة في تناغم يسمح بل ويشجع تلك الممارسة.
أعراف ممتزجة بالدين
هذه الأخيرة - الأعراف الممتزجة بالدين - هي الأكثر تعقيداً وقدرة على مقاومة جهود الوقاية والتوعية ومنع حدوث زواج الطفلة، على رغم أن الفقر يطل برأسه دائماً في زواج الأطفال، إلا أن هناك سبلاً عدة للخروج من الفقر أو تقليص هامشه والحد من آثاره، ولم ولن يحدث أن سلمت أسرة من براثنه بفضل زواج الطفلة. وعلى رغم حسابات المكسب والخسارة التي تدور خلف كثير من الأبواب المغلقة، حيث المهر الذي يدفعه العريس للعروس، أو بالأحرى لأهل العروس، مما يشجع بعض الأهل على الدفع.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية