من الشوارع الخلفية غير المعبّدة في الجزائر إلى المقاهي المليئة بالدخان في باريس، ومن حفل نوبل في ستوكهولم إلى حطام سيارة بالقرب من سينس في فرنسا، تجذب قصة ألبير كامو الناس، وتبهرهم تماماً كما فعلت الروايات التي أبدع في كتابتها مثل الغريب، والطاعون، والسقطة.
وُلد الأديب الفرنسي في الجزائر، ومات في فرنسا، وعاش غريباً مثل بطل روايته الأشهر الغريب، متمرداً وليس جزءاً من الحشود، وكان حادث السيارة الذي تسبب في وفاته غريباً، إذ انزلقت السيارة التي كان يستقلها على الجليد واصطدمت بشجرة، وكان حينها في السابعة والأربعين من عمره.
في 4 يناير/كانون الثاني من عام 1960 رحل أديب نوبل الفرنسي ألبير كامو - الذي وُلد في 7 نوفمر/تشرين الثاني من عام 1913 في موندوفي (الذرعان) بالجزائر - عن العالم، لكن لماذا ارتبط اسم كامو بالجزائر؟
الأقدام السوداء كانت أسرة كامو تنتمي إلى "الأقدام السوداء"، ويطلق هذا الاسم على المستوطنين الفرنسيين وغيرهم من الأوروبيين المولودين أو الذين عاشوا في الجزائر مثل الإيطاليين والإسبان والمالطيين، فضلاً عن اليهود خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
وترجع تسمية "الأقدام السوداء" إلى لون أحذية الجنود الفرنسيين - الذين دخلوا الجزائر للمرة الأولى عام 1830 -الذي كان أسوداً، لكن البعض يربط هذا الاسم بالمزارعين من المستوطنين الذين كانوا يعصرون العنب بأقدام حافية لإنتاج العصير والخمور.
ووصل عدد الأقدام السوداء في الجزائر عام 1960 لنحو مليون نسمة.
ونصت اتفاقيات إيفيان لإنهاء الاحتلال الفرنسي في الجزائر، والموقعة بين الحكومة الجزائرية المؤقتة حينها ونظيرتها الفرنسية يوم 18 مارس/آذار 1962 على اختيار الأقدام السوداء خلال ثلاث سنوات بين نيل الجنسية الجزائرية أو الاحتفاظ بالفرنسية واعتبارهم أجانب، وكان قادة جبهة التحرير يرفضون الجنسية المزدوجة للأقدام السوداء.
ويوجد في فرنسا حالياً نحو مليون شخص من الأقدام السوداء، يعيش أغلبهم في جنوب فرنسا، خاصة في مارسيليا.
وينتمي للأقدام السوداء أسماء بارزة أخرى مثل المغني أنريكو ماسيوس وإيف سان لوران مصمم الأزياء الشهير والفيلسوف جاك داريدا وغيرهم كثر.
السنوات الأولى وبعد أقل من عام من ولادة كامو، قُتل والده - الذي كان عاملاً فقيراً - في الحرب العالمية الأولى، وكانت والدته - وهي من أصل إسباني، وكانت صماء وأمية - تعمل في تنظيف البيوت لإعالة أسرتها.
انتقل كامو وشقيقه الأكبر لوسيان مع والدتهما إلى منطقة الطبقة العاملة في الجزائر العاصمة، حيث عاش الثلاثة مع جدتهم لأمهم وخال مُقعد، في شقة من غرفتين.
وفي عام 1918، التحق كامو بالمدرسة الابتدائية وكان محظوظاً بما فيه الكفاية ليتعلم على يد معلم متميز وهو لويس غيرمان، الذي ساعده في الفوز بمنحة دراسية بمدرسة ليسيه الجزائر (المدرسة الثانوية) في عام 1923، وبعد سنوات طويلة، أهدى كامو معلّمه غيرمان خطاب نيله جائزة نوبل للآداب.
كان كامو في فترة شبابه المبكر مولعاً بالرياضة، وخاصة كرة القدم التي لعبها كحارس مرمى، كما مارس السباحة والملاكمة، ولكن في عام 1930، أدت أولى موجات مرض السل الشديد إلى إنهاء مسيرته الرياضية وإيقاف دراسته.
واضطر كامو إلى مغادرة الشقة غير الصحية التي عاش فيها مدة 15 عاماً، وبعد فترة قصيرة قضاها مع عمه، قرر كامو أن يعيش بمفرده، ويدعم نفسه من خلال مجموعة متنوعة من الوظائف أثناء تسجيله كطالب فلسفة في جامعة الجزائر.
وفي الجامعة، تأثر كامو بشكل خاص بأحد أساتذته وهو جان غرينير، الذي ساعده على تطوير أفكاره الأدبية والفلسفية وشاركه حماسه لكرة القدم.
وحصل كامو على دبلوم الدراسات العليا عام 1936 عن أطروحته حول العلاقة بين الفكر اليوناني والمسيحي في الكتابات الفلسفية لأفلوطين والقديس أوغسطين، ثم قطع دراسته المؤهلة للتدريس في الجامعة بسبب موجة أخرى من مرض السل.
ولاستعادة صحته ذهب إلى منتجع في جبال الألب الفرنسية، وذلك في أول زيارة له إلى أوروبا، وعاد في النهاية إلى الجزائر العاصمة بعد أن مرّ عبر فلورنسا وبيزا وجنوة.
مسيرة كامو الأدبية طوال ثلاثينيات القرن العشرين، وسّع كامو اهتماماته، إذ قرأ الكلاسيكيات الفرنسية وكذلك كتب المعاصرين آنذاك ومن بينهم أندريه جيد، وهنري دي مونترلان، وأندريه مالرو، وكان شخصية بارزة بين المثقفين اليساريين الشباب في الجزائر العاصمة.
ولفترة قصيرة بين عامي 1934 و1935 كان أيضاً عضواً في الحزب الشيوعي، وكتب وأنتج ومثّل في مسرح العمال الذي كان يهدف إلى تقديم مسرحيات رائعة لجماهير الطبقة العاملة.
وأول عمل لكامو كانت مسرحية سمّيت الثورة في أستورياس، التي كتبها مع ثلاثة من أصدقائه في مايو/آيار من عام 1936 وموضوعها هو ثورة عمال المناجم في إسبانيا عام 1934 التي قمعتها الحكومة الإسبانية بوحشية، ما أدى لمقتل نحو 20 ألف شخص، وفي مايو/آيار من عام 1937، أصدر كتابه الأول بعنوان الوجه والقفا، ونشرته دار إدموند شارلوت.
كما نشر كامو في ذات الفترة عدة مقالات حول الريف الجزائري، وقدّم فيها الجمال الطبيعي كشكل من أشكال الثروة التي يمكن أن يتمتع بها حتى الفقراء جداّ في البلاد، وأبرزت مقالاته التناقض بين الطبيعة المؤقتة للبشر الذين يموتون، والطبيعة الدائمة للعالم المادي.
ورغم عشقه الكبير للمسرح والذي استمر حتى وفاته، إلا أنه من المفارقات أن مسرحياته هي الجزء الأقل إثارة للإعجاب في إنتاجه الأدبي، وإن كانت مسرحيته كاليغولا مازالت من المعالم البارزة في عالم مسرح العبث .
وربما تكون اثنتان من مساهماته الأكثر ديمومة في المسرح هي تعديلاته واقتباساته المسرحية على مسرحية وليام فولكنر مرثية راهبة (1956)، وتعديلاته على مسرحية فيودور دوستويفسكي الممسوسين (1959).
وفي العامين السابقين لاندلاع الحرب العالمية الثانية، أمضى كامو فترة تدريبه كصحفي بالجزائر حيث عمل في العديد من المناصب، بما في ذلك منصب كاتب افتتاحية ومراسل سياسي كما عمل كمراجع للكتب حيث قام بمراجعة بعض الأعمال الأدبية المبكرة لجان بول سارتر، وكتب سلسلة مهمة من المقالات التي تحلل الظروف الاجتماعية لسكان منطقة القبائل، وهي المقالات التي لفتت الانتباه إلى العديد من المظالم التي أدت لاندلاع الثورة الجزائرية فيما بعد.
واتخذ كامو هذا النهج بناءاً على أسس إنسانية وليس أيديولوجية، واستمر في رؤية دور مستقبلي لفرنسا في الجزائر دون تجاهل المظالم الاستعمارية، وكان يتمتع بقدر من التأثير كصحفي خلال السنوات الأخيرة من احتلال.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي