لم تحصل الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة، على وضع قانون نهائي رغم مرور أكثر من أربعة عقود على رحيل الإسبان منها في عام 1975. ومنذ ذلك الحين، ظلت المنطقة محور صراع يعكس تطلعات جزء من الصحراويين نحو الاستقلال

في خطابه السنوي أمام البرلمان، أطلق الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، تصريحات بارزة تناولت مجموعة من القضايا الحساسة، أبرزها موقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية.

وأكد تبون أن موقف بلاده ثابت وغير قابل للتغيير، مشددًا على "حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفقًا لقرارات الشرعية الدولية".

واعتبر تبون أن خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب هي "فكرة فرنسية الأصل"، موضحًا أنها لم تُصمم في الرباط أو مراكش، بل وُلدت في باريس.

وتأتي هذه التصريحات في إطار رؤية الجزائر للصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار، وهي مدرجة على أجندة لجان الأمم المتحدة المختصة بهذا الشأن.

فما خطة الحكم الذاتي؟ وكيف تبدو حياة الصحراويين؟ وما مدى تنوع مواقفهم تجاه مستقبل الإقليم؟

وسط مخيمات اللاجئين في تندوف، تجلس "تسلم عبد الله" على سجادة تقليدية مفروشة على الأرض الرملية. وبجانبها، يلهو حفيدها الصغير، الذي تحكي له عن أرض الصحراء الغربية التي اضطرت لتركها منذ عقود.

ورغم طول المدة، تتمسك السيدة السبعينية بحلم تحقيق المصير الذي لم يفارقها منذ أن غادرت مسقط رأسها في مدينة المحبس في السبعينيات معتقدة أنها ستعود في اليوم التالي.

تتشابه قصة تسلم مع قصص مئات الصحراويين الآخرين ممن لجأوا إلى مخيمات في ولاية تندوف بالجزائر منذ عام 1975 نتيجة النزاع بين جبهة البوليساريو والمغرب حول الصحراء الغربية.

ويعيش حاليًا ثلاثة أجيال من اللاجئين الصحراويين في مخيمات تحمل أسماء المدن التي نزحوا منها، مثل الداخلة والسمارة والعيون وأوسرد وبوجدور، ويأمل أغلبهم بالعودة إلى أرض أجدادهم.

وفي قلب مدينة العيون، عاصمة الصحراء الغربية، حيث تعيش عائشة الشيخ ماء العينين تسيرالحياة بشكل مختلف.

تؤمن الشابة الصحراوية بقوة ارتباط الصحراء الغربية بالمغرب، وترى في مشاريع البنية التحتية التي تشيدها الدولة هناك رمزاً لهذا الارتباط.

ولدت عائشة في مخيمات تندوف لأبوين تقول إنهما أجبرا على الانتقال للمخيمات مع اندلاع الصراع، غير أن الأسرة تمكنت من العودة إلى مدينة العيون عام 1990، وهي عودة تصفها عائشة بأنها نقطة تحول إيجابية في حياتها.

ولم تكن الحياة سهلة في بداياتها بالعيون أيضًا. وعن ذلك تقول عائشة: " لقد انقطعت عن الدراسة بسبب الظروف العائلية والعادات الاجتماعية التي كانت تقيد سفر المرأة للتعلم. لكنني عدت في الآونة الأخيرة لاستكمال تعليمي في مجال العلوم الإنسانية، مستفيدة من التطور الذي شهدته المنطقة، مع تشييد الدولة المغربية جامعات ومعاهد عليا في المنطقة".

وترى عائشة أن الحل الأمثل لقضية الصحراء يكمن في مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، إذ تعتقد أن هذا النموذج يحقق توازناً بين الحفاظ على الهوية الثقافية الصحراوية وضمان الاستقرار والتنمية.

وتقول الشابة الصحراوية إن "الدعوات للانفصال ما هي إلا نتاج أجندات خارجية تخدم مصالح شخصية ولا تمت بصلة لواقع أبناء الصحراء" قبل أن تكمل حديثها بالاشارة إلى أن "الصحراء لم تكن أرضا سائبة، وبأن الروابط التاريخية بين القبائل الصحراوية والدولة العلوية متجذرة عبر الزمن".

يصف بعضهم قضية الصحراء الغربية بأنها من أقدم النزاعات في إفريقيا، إذ تقترب من إكمال عقدها الخامس.

ويعود الفصل الحديث من تاريخ النزاع إلى الحقبة الاستعمارية، حيث فرضت إسبانيا سيطرتها على المنطقة في عام 1884، واستمرت هذه السيطرة حتى منتصف القرن العشرين. ومع تصاعد نشاط حركات التحرر الوطنية المطالبة بالاستقلال، برزت تعقيدات جديدة حول الصراع على السيادة في هذه المنطقة.

تدرج الأمم المتحدة الصحراء الغربية ضمن قائمة "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، أي أنها إقليم " لم يُكمل مسار استقلاله بعدُ، ولم يحقق سكانه الإدارة الذاتية الكاملة".

أما المغرب فيؤكد على أن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من أراضيه، ولا يمانع في حصول الإقليم على حكم ذاتي تحت سيادته، في حين تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، بإقامة "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" وإجراء استفتاء لتقرير المصير.

ويسيطر المغرب على 80% من مساحة الصحراء ويديرها بصفتها أقاليم جنوبية له، وتعد مدينة العيون أكبر مدنها حيث يتمركز فيها غالبية السكان. أما الـ20% المتبقية من مساحتها فتشكل منطقة عازلة وتتميز بكثافة سكنية منخفضة.

ومع اشتداد المعارك في الثمانينيات، لجأ المغاربة إلى بناء جدار رملي وسط الصحراء. يبلغ طوله حوالي 2700 كم. بينما يصل ارتفاعه إلى أكثر من أربعة أمتار. وعلى طول جانبيه، تم زرع مئات الآلاف من الألغام، وهو ما يجعله أكبر حقل ألغام في العالم.

يطلق المغرب على الجدار اسم "الحائط الدفاعي"، بينما يصفه صحراويون بـ"جدار الذل والعار".

جدران من الرمال "في كل مرة كنت أقف فيها بالقرب من السواتر الترابية، كنت أشعر وكأنني أشتم رائحة إخوتي الذين فرقتهم الحرب عني"، هكذا تصف زغولة بنت مسعود مشاعرها وهي تتذكر زياراتها إلى الجدار الفاصل بين المناطق التي يسيطر عليها المغرب وتلك التي تسيطر عليها جبهة البوليساريو.

كانت هذه الزيارات تمثل لزغولة نافذة على عالم بقيت ذكرياته محفورة في وجدانها. غير أن تلك الزيارات الرمزية توقفت بعد تجدد المناوشات العسكرية عام 2021.

في عام 1976 اضطرت عائلة زغولة لمغادرة منزلها في بوجدور إلى مخميات تندوف.

وتروي زغولة لبي بي سي تفاصيل تلك الفترة قائلة: " زحفنا بين الرمال لأيام وليالٍ، و اختبأنا في أكواخ هرباً من القصف المستمر وطائرات الاستطلاع. "

تتذكر زغولة جيداً وجوه بعض النساء الحوامل اللواتي تعرضن للإجهاض نتيجة نوبات الهلع الشديدة، وكيف باغت المخاض بعضهن وسط تلك الظروف القاسية.

وتضيف: "أتذكر مشهداً مؤلماً لسيدة بُترت رجلها جراء القصف العشوائي ولم يتمكن أحد من معرفة مصيرها. فمع بداية تحليق الطائرات، عمّت الفوضى وركض كل منا بحثاً عن ملاذ آمن. تشتتنا في كل مكان؛ انطلق إخوتي الذكور في اتجاه، بينما سرت مع والدي وبقية إخوتي في طريق آخر، وتفرقت السبل بنا بشكل مؤلم".

ولسنوات طويلة، لم تعرف العائلة شيئا عن ابنيها اللذين انفصلا عنها، إلى أن تبين لاحقاً أن السلطات المغربية قد أعادتهما إلى مدينة بوجدور. في هذه الأثناء، استقرت زغولة في مخيمات تندوف مع والدتها وبقية إخوتها، حيث انخرطت في أنشطة سياسية تهدف إلى توعية أبناء المخيم بالقضية الصحراوية.

والد زغولة، الذي كان منخرطاً في جبهة البوليساريو، ساعدهم في العبور إلى تندوف، ثم عاد مباشرة إلى ساحات القتال ولم تره مرة أخرى.

ما يعزيها أن والدتها تمكنت في آخر.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بي بي سي عربي

منذ 8 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 4 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 13 ساعة
قناة الغد منذ 5 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 8 ساعات
قناة العربية منذ 12 ساعة
قناة الغد منذ 11 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 17 ساعة
قناة العربية منذ 14 ساعة