منذ سقوط نظام آل الأسد في سوريا في 8 ديسمبر الماضي، ومصر تتعامل بحساسية شديدة تجاه هذا الملف، الذي على ما يبدو بات يحمل في طياته تعقيدات مركبة نتيجة للتطورات المتسارعة والمفاجئة التي طرأت عليه بين عشية وضحاها.
فبعد أيام قليلة من إزاحة نظام بشار الأسد من حكم سوريا، سارعت مصر بإصدار قرار يقضي بوقف دخول السوريين من حاملي الإقامة الأوروبية والأميركية والكندية إلى البلاد من دون الحصول على الموافقة الأمنية، لكن المسؤولين في مصر رأوا أن هذا القرار غير كاف، وأصدرت سلطات الطيران المدني المصري تعليمات جديدة مشددة إلى شركات السفن والطيران، عدم السماح بقبول الركاب السوريين القادمين للبلاد من مختلف دول العالم، باستثناء حاملي الإقامة المؤقتة لغير السياحة بالبلاد.
السلطات المصرية لم تكتف بالإعلان الرسمي عن الاشتراطات الجديدة فحسب، بل توعدت المخالفين لها وأكدت سلطات الطيران المدني في مصر بأنه سيتم توقيع الغرامة الإدارية اللازمة، في حالة مخالفة شركات الطيران وشركات الوكالة العاملة في مصر لتلك التعليمات، وذلك وفقاً للقرار الذي حصلت المشهد على نسخة منه.
مخاوف من المتشددين وعلى وقع قرار سلطات الطيران المدني في مصر بمنع السوريين في جميع أنحاء العالم من الدخول للبلاد، أكد الخبير في شؤون الأمن القومي اللواء محمد عبد الواحد في تصريحات لمنصة "المشهد"، أنّ هذا القرار لا شك وأن له أبعاد تتعلق بشكل مباشر بالأمن القومي المصري، معزياً ذلك للتخوفات التي هي موجودة لدى السلطات الأمنية في مصر من دخول سوريين إلى البلاد يحملون أفكاراً متطرفة، ربما تسعى لزعزعة الاستقرار الأمني والسياسي في مصر، وذلك في ظل الضبابية الكبيرة التي تحيط بالمشهد السوري بمختلف أبعاده وتوجهاته، مشيراً إلى أن مصر "عانت كثيراً من تلك الأفكار الجهادية منذ عام 2013 عقب سقوط حكم جماعة الإخوان في مصر وحتى الآن".
ولفت عبد الواحد إلى أن التطورات المفاجئة التي شهدتها سوريا مؤخراً وما أفرزته من تيار إسلامي سياسي يتولى زمام الأمور هناك، خلق نوعاً من القلق الشديد للقيادة السياسية المصرية.
وقال: "القيادة السورية الحالية المنبثقة عن جماعات مسلحة لم تُعلن حتى الآن عن ولائها الحقيقي، هل هو الدولة الوطنية السورية؟، أم أن هذا الولاء هو لداعميها الذين ساعدوها في الوصول إلى السلطة، أم أن ولاءها للإيديولوجية التي تتبناها تلك الجماعات".
وكشف الخبير في شؤون الأمن القومي أن "تيار الإسلام السياسي يتم استخدامه في هذا التوقيت كأحد الأدوات في تغيير المنطقة من خلال الداعمين الإقليميين والدوليين له، وبالتالي يعملون على إنجاحه بكافة الوسائل حتى ولو لفترة مؤقتة، وربما تكون سوريا معقلا أو بيئة حاضنة لجماعات إسلامية عديدة للإخوان خلال الفترة المقبلة"، متوقعاً حدوث مرحلة ثالثة لما يطلق عليه ثورات "الربيع العربي"، والتي لن تكون سلمية، بل ستكون مسلحة، مؤكداً أن "هذا السيناريو ربما يكون ضعيفًا لدي البعض لكنه قائم وبقوة".
مواضيع ذات صلة حسابات سياسية وأمنية رئيس سلطة الطيران المدني في مصر الطيار عمرو الشرقاوي، أكد في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن هذا القرار يشبه القرارات الصادرة من قبل بشأن جميع الدول التي توجد بها نزاعات، وشدد على أن هذا القرار ليس به أي نوع من المنع كما تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف الشرقاوي أن دخول الأشقاء السوريين إلى مصر بموجب القرار سيكون مماثلًا لإجراءات دخول الأشقاء الليبيين واليمنيين والمواطنين من دول أخرى مثل أوكرانيا أيضا، موضحاً أن تصريح الإقامة المؤقتة يتطلب إنهاء الأوراق من الجهات المختصة.
وفي الوقت الذي توافدت فيه الوفود العربية والدولية للذهاب إلى سوريا لمقابلة قائد الإدارة الجديدة هناك أحمد الشرع، بدت مصر أكثر تحفظًا في التعامل مع هذه الإدارة، حتي جاءت الخطوة الأولى من قبل الأخيرة حينما نشر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني تغريدة على حسابه في "إكس" قال فيها "نتطلع إلى بناء علاقات هامة وإستراتيجية مع جمهورية مصر العربية تحت احترام سيادة البلدين وعدم التدخل في شؤونهما".
أعقب تلك التغريدة اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بنظيره أسعد الشيباني، أكد خلاله على دعم مصر للشعب السوري.
وحول أسباب التحفظ المصري في التعامل مع القيادة السورية الجديدة، أشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير رخا حسن، إلى أن العلاقة بين مصر والقيادة السورية الحالية بمثابة ملف متعدد الأبعاد، وتطغى عليه الكثير من الحسابات السياسية والأمنية، كما كشف وجود حذر كبير لدى المسؤولين المصريين في التعامل مع تلك القيادة التي تتشكل من فصائل مسلحة برئاسة "هيئة تحرير الشام"، حيث تتمتع تلك الفصائل بخلفيات عقائدية متطرفة غير متوافقة مع سياسة وتوجهات مصر.
ولفت حسن إلى أن مصر تتأنى في كيفية التعاطي مع الموقف السوري الحالي، وهو وضع مؤقت وتنتظر أن تتضح الرؤية أكثر للأوضاع داخل سوريا، كما أنها ترغب في الاطمئنان على توجه الإدارة السياسة الجديدة، وهل ما صرح به الشرع فيما يخص طبيعة تعامل إدارته مع سوريا والسوريين سيتم تنفيذه على أرض الواقع أم لا؟، خصوصا فيما يتعلق بالمحافظة على ووحدة وسلامة الأراضي السورية بعيداً عن أي حكم ذاتي أو تدخلات خارجية أو إقصاء لأطراف سورية، إضافة إلى التأكيد على أن الحكومة الانتقالية الحالية ممثلة عن الشعب السوري وغير خاضعة لحسابات أخرى.
إجراء مؤقت وأكد الدبلوماسي المصري على أهمية إستراتيجية العلاقة بين القاهرة ودمشق مهما كان النظام الحاكم فيها، وذلك لاعتبارات عديدة أبرزها يتعلق بالأمن القومي المصري، خصوصًا وأن البلدين كانا وحدة واحدة في فترة من الزمان، موضحاً أن بلاده ما تزال تعكف على دراسة الأوضاع وتطوراتها في سوريا، لأن بعض المصريين لا يزالون يعملون مع المنظمات المسلحة الموجودة على الأراضي السورية، بل إن بعضهم مطلوب وعليه أحكام قضائية في مصر، وبالتالي ترغب مصر في الاطمئنان على مستقبل طبيعة العلاقة مع سوريا.
وفيما يتعلق بقرار السلطات المصرية من منع دخول السوريين من كافة دول العالم إلى أراضيها، وصف حسن هذا الإجراء بأنه مؤقت ولن يدوم طويلاً، مؤكداً على أحقية بلاده في وضع الإجراءات الاحترازية المناسبة للحفاظ على حماية أراضيها.
وأشار إلى أن سوريا يوجد بها حاليا مخيم الهول للاجئين ويوجد به نحو 42 ألف شخص ينتمي لتنظيم "داعش" ما بين أطفال ونساء ورجال، كما أن دولهم رفضت استقبالهم وبينهم أيضاً بعض المصريين، وبالتالي هناك تخوف مصري من دخولهم إلى البلاد.
وكانت العديد من وسائل الإعلام المصرية قد وجهت خلال الأيام الماضية انتقادات لاذعة للإدارة السورية الجديدة، وذلك عقب ظهور شخصيات مصرية متورطة في أعمال عنف وإرهاب داخل مصر ضمن لقاءات عقدتها السلطات السورية الحالية.
(المشهد - القاهرة)
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد